إبراهيم السعدي
اليأس بُحيرة عميقة قد يغرق فيها الشخصُ الذي لا يجيد السباحةَ الماهرةَ في مياهها العميقة . وبعضُ الناس الذين لا يحسنون التعاملَ الجادَّ مع مجرياتِ الحياة وأحداثِها المتنوعةِ – من السعادة والشقاوة ، السراء والضراء ، الخير والشر – قد يتملَّكهم اليأسُ بكل إحباطاته الذهنية ِوالفكريةِ ، خصوصاً عندما يتعرض الإنسانُ لحادثةٍ تعكِّر صفوَ فكرِِهِ وتقف حائلاً بين طموحاتِه وآمالِهِ المنشودةِ ، ولكن نقول ليس كل ما يتمناه المرءُ يتحقق له ، ورضا الناسِ غايةٌ لا تدرَك ، وكما قال الشاعر"ما كل ما يتمنى المرءُ يدرِكُه" .
إن اليأسَ يعني قطعَ الأملِ عن تحقيق المرادِ عاجلاً أو آجلاً ، فيُخيَّلُ للشخصِ اليائسِ أن أمنيتَه وحلمَهُ ذهبا ووليَّا عنه دون رجعة ، وهذا خطأ فادحٌ يصيب بعضَ العقولِ البشريةِ ، فالقوي قد يضعُف ، والماهر قد يخطئ ، والعالم المتبحِّر قد يتعثر ، ولكن ليس الخطأُ نهايةَ المطافِ بحيث يقع الإنسانُ صريعاً و مستسلماً لليأس ، فكل ذلك الإخفاقِ يُعتبر خطوةً نحوَ الأمام ،وبقدر ما تبطئ من سيرك أيها الإنسان بقدر ما تكسب خبرةً وحكمةً تُـتيحان له الإسراعَ بعد ذلك ، إنها لحظة تتوقف فيها لتلتقطَ أنفاسَك وتراجعَ خُطَّـتَك وتصحِّحَها بما يكفل لك النجاحَ والتوفيقَ في الحياة. إن المؤمن بالله حقاً ليس من خلقه اليأسُ والقنوطُ ، كما جاء في الذكر الحكيم "إنه لا ييأسُ من رَوْحِ اللهِ إلا القومُ الكافرون "(يوسف/87)
فالمتأمل في حياة الأنبياء والصحابة والتابعين ومن سار على نهجهم واقتفى أثرَهم يجد الصورةَ جليةً واضحةً في مقاومةِ اليأسِ وعدم الركون إليه ، فهم لم يستسلموا لليأسِ بل بَنَوا منه عزيمة ًجادة ًًشقت طريقَ الخيرِ والصلاحِ للبشريةِ ، وإذا تَفَكَّر الإنسانُ في الإنجازات العلمية الباهرة في ظل الحضارةِ الحديثةِ يجد الأمرَ جلياً أيضاً ، فليسأل هذا الذي أُصيب بداء اليأسِ والقنوطِ نفسَه : هل تمت هذه الاكتشافاتُ العلميةُ وغيرُها من الإنجازات بمجرد عمل تجربةٍ واحدةٍ فقط ، أم أن القائمين على البحوثِ العلميةِ وما ماثَلَها قد أعملوا عقولَهم واجتهدوا مرات عديدة حتى حَقَقَوا المرادَ من بحوثهم ؟ فقد تصل التجاربُ العلميةُ إلى ألف تجربة أو أكثر إلى أن يُكلَّلَ عملُ الباحثِ بالنجاح بعد أن يخفقَ مرة تليها مرات وهكذا شأن الحياة : إخفاقٌ ونجاحٌ ، ولا قيمة للمعرفة دون إعمالِ العقلِ في التفكيرِ والتأملِ مع الصبرِ وتحمُّل الصعابِ ولو كانت مُرة ، وقد أجادَ القائل "لا تحسبن المجد تمراً أنت آكلُهُ لن تبلغ المجدَ حتى تلعَقَ الصَّبِرا "
وحقا الياس لا يكون كامل الثقة بالله عز وجل