تخطى إلى المحتوى

بيـــــ التميز والتقليد ــــــن 2024.

  • بواسطة

لاكي

لاكي

تناولت هذه الآيات حكمة تحويل القبلة , واختصاص المسلمين بقبلة خاصة بهم يتجهون إليها .
ذلك الحادث العظيم في تاريخ الجماعة المسلمة , والذي كانت له آثار ضخمة في حياتها..

لقد كان تحويل القبلة أولا عن الكعبة إلى المسجد الأقصى لحكمة تربوية أشارت إليها الآية
(وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه). .
فقد كان العرب يعظمون البيت الحرام في جاهليتهم , ويعدونه عنوان مجدهم القومي . .ولما كان الإسلام يريد استخلاص القلوب لله , وتجريدها من التعلق بغيره , وتخليصها من كل نعرة وكل عصبية لغير المنهج الإسلامي المرتبط بالله مباشرة , المجرد من كل ملابسة تاريخية أو عنصرية أو أرضية على العموم . . فقد نزعهم نزعا من الاتجاه إلى البيت الحرام , واختار لهم الاتجاه – فترة – إلى المسجد الأقصى , ليخلص نفوسهم من رواسب الجاهلية , ومن كل ما كانت تتعلق به في الجاهلية , وليظهر من يتبع الرسول اتباعا مجردا من كل إيحاء آخر , اتباع الطاعة الواثقة الراضية المستسلمة , ممن ينقلب على عقبيه اعتزازا بنعرة جاهلية تتعلق بالجنس والقوم والأرض والتاريخ ; أو تتلبس بها في خفايا المشاعر وحنايا الضمير أي تلبس من قريب أو من بعيد . .

حتى إذا استسلم المسلمون , واتجهوا إلى القبلة التي وجههم إليها الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] , وفي الوقت ذاته بدأ اليهود يتخذون من هذا الوضع حجة لهم , إذ أطلقوا في المدينة ألسنتهم بالقول , بأن اتجاه محمد ومن معه إلى قبلتهم في الصلاة دليل على أن دينهم هو الدين , وقبلتهم هي القبلة ; وأنهم هم الأصل , فأولى بمحمد ومن معه أن يفيئوا إلى دينهم لا أن يدعوهم إلى الدخول في الإسلام ! ..

وكان الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] يقلب وجهه في السماء متجها إلى ربه , دون أن ينطق لسانه بشيء , تأدبا مع الله , وانتظارا لتوجيهه بما يرضاه . .
فنزل القرآن يستجيب لما يعتمل في صدر الرسول [ صلى الله عليه وسلم ]: (قد نرى تقلب وجهك في السماء , فلنولينك قبلة ترضاها , فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره). .
وصدر الأمر الإلهي الكريم بالاتجاه إلى المسجد الحرام . ولكنه ربط قلوب المسلمين بحقيقة أخرى بشأنه . هي حقيقة الإسلام . حقيقة أن هذا البيت بناه إبراهيم وإسماعيل ليكون خالصا لله , وليكون تراثا للأمة المسلمة التي نشأت تلبية لدعوة إبراهيم ربه أن يبعث في بنيه رسولا منهم بالإسلام , الذي كان عليه هو وبنوه وحفدته . .

لقد عهد الله إلى إبراهيم أن يكون من المسلمين ; وعهد إبراهيم بهذا الإسلام إلى بنيه من بعده , كما عهد به يعقوب – وهو إسرائيل – ولقد علم إبراهيم أن وراثة عهد الله وفضله لا تكون للظالمين .
ولقد عهد الله إلى إبراهيم وإسماعيل بإقامة قواعد البيت الحرام . . فهو تراث لهما , يرثه من يرثون عهد الله إليهما . . والأمة المسلمة هي الوارثة لعهد الله مع إبراهيم وإسماعيل ولفضل الله عليهما ; فطبيعي إذن ومنطقي أن ترث بيت الله في مكة , وأن تتخذ منه قبلة .

فإذا اتجه المسلمون فترة من الزمان إلى المسجد الأقصى , الذي يتجه إليه اليهود والنصارى , فقد كان هذا التوجه لحكمة خاصة هي التي أشار إليها السياق , وبيناها فيما سبق . فالآن وقد شاء الله أن يعهد بالوراثة إلى الأمة المسلمة , وقد أبى أهل الكتاب أن يفيئوا إلى دين أبيهم إبراهيم – وهو الإسلام – فيشاركوا في هذه الوراثة . . الآن يجيء تحويل القبلة في أوانه . تحويلها إلى بيت الله الأول الذي بناه إبراهيم . لتتميز للمسلمين كل خصائص الوراثة . حسيها وشعوريها , وراثة الدين , ووراثة القبلة , ووراثة الفضل من الله جميعا .

إن الاختصاص والتميز ضروريان للجماعة المسلمة:الاختصاص والتميز في التصور والاعتقاد ; والاختصاص والتميز في القبلة والعبادة . وهذه كتلك لا بد من التميز فيها والاختصاص . وقد يكون الأمر واضحا فيما يختص بالتصور والاعتقاد ; ولكنه قد لا يكون بهذه الدرجة من الوضوح فيما يختص بالقبلة وشعائر العبادة . . هنا تعرض التفاتة إلى قيمة أشكال العبادة .

إن في النفس الإنسانية ميلا فطريا إلى اتخاذ أشكال ظاهرة للتعبير عن المشاعر المضمرة . فهذه المشاعر المضمرة لا تهدأ أو لا تستقر حتى تتخذ لها شكلا ظاهرا تدركه الحواس ; وبذلك يتم التعبير عنها .
وعلى هذا الأساس الفطري أقام الإسلام شعائره التعبدية كلها . فهي لا تُؤدى بمجرد النية , ولا بمجرد التوجه الروحي . ولكن هذا التوجه يتخذ له شكلا ظاهرا:قياما واتجاها إلى القبلة وتكبيرا وقراءة وركوعا وسجودا في الصلاة . وإحراما من مكان معين ولباسا معينا وحركة وسعيا ودعاء وتلبية ونحرا وحلقا في الحج . ونية وامتناعا عن الطعام والشراب والمباشرة في الصوم ..وهكذا في كل عبادة حركة , وفي كل حركة عبادة .

ولم يكن بد من تمييز المكان الذي يتجه إليه المسلم بالصلاة والعبادة وتخصيصه كي يتميز هو ويتخصص بتصوره ومنهجه واتجاهه..فهذا التميز تلبية للشعور بالامتياز والتفرد ; كما أنه بدوره ينشىء شعورا بالامتياز والتفرد .
ومن هنا كذلك كان النهي عن التشبه بمن دون المسلمين في خصائصهم , التي هي تعبير ظاهر عن مشاعر باطنة كالنهي عن طريقتهم في الشعور والسلوك سواء .

عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال:إن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] قال:" إن اليهود والنصارى لا يصبغون , فخالفوهم " .
وقال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وقد خرج على جماعة فقاموا له:" لا تقوموا كما تقوم الأعاجم يعظم بعضها بعضا " .
وقال – صلوات الله وسلامه عليه -:" لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا:عبد الله ورسوله " .

نهى عن تشبه في مظهر أو لباس . ونهى عن تشبه في حركة أو سلوك . ونهى عن تشبه في قول أو أدب ..لأن وراء هذا كله ذلك الشعور الباطن الذي يميز تصورا عن تصور , ومنهجا في الحياة عن منهج , وسمة للجماعة عن سمة .

ثم هو نهى عن التلقي من غير الله ومنهجه الخاص الذي جاءت هذه الأمة لتحققه في الأرض . نهى عن الهزيمة الداخلية أمام أي قوم آخرين في الأرض . فالهزيمة الداخلية تجاه مجتمع معين هي التي تتدسس في النفس لتقلد هذا المجتمع المعين . والجماعة المسلمة قامت لتكون في مكان القيادة للبشرية ; فينبغي لها أن تستمد تقاليدها – كما تستمد عقيدتها – من المصدر الذي اختارها للقيادة . . والمسلمون هم الأعلون . وهم الأمة الوسط . وهم خير أمة أخرجت للناس . فمن أين إذن يستمدون تصورهم ومنهجهم ? ومن أين إذن يستمدون تقاليدهم ونظمهم ? إلا يستمدوها من الله فهم سيستمدونها من الأدنى الذي جاءوا ليرفعوه !

والجماعة المسلمة التي تتجه إلى قبلة مميزة يجب أن تدرك معنى هذا الاتجاه . إن القبلة ليست مجرد مكان أو جهة تتجه إليها الجماعة في الصلاة . فالمكان أو الجهة ليس سوى رمز . رمز للتميز والاختصاص . تميز التصور , وتميز الشخصية , وتميز الهدف , وتميز الاهتمامات , وتميز الكيان .

والأمة المسلمة – اليوم – بين شتى التصورات الجاهلية التي تعج بها الأرض جميعا , وبين شتى الأهداف الجاهلية التي تستهدفها الأرض جميعا , وبين شتى الاهتمامات الجاهلية التي تشغل بال الناس جميعا , وبين شتى الرايات الجاهلية التي ترفعها الأقوام جميعا..الأمة المسلمة اليوم في حاجة إلى التميز بشخصية خاصة لا تتلبس بشخصيات الجاهلية السائدة ; والتميز بتصور خاص للوجود والحياة لا يتلبس بتصورات الجاهلية السائدة ; والتميز بأهداف واهتمامات تتفق مع تلك الشخصية وهذا التصور ; والتميز براية خاصة تحمل اسم الله وحده , فتعرف بأنها الأمة الوسط التي أخرجها الله للناس لتحمل أمانة العقيدة وتراثها . . وهي بغير هذا المنهج ضائعة في الغمار , مبهمة الملامح, مجهولة السمات, مهما اتخذت لها من أزياء ودعوات وأعلام !

(في ظلا ل القرآن -سيد قطب)

والمسلمون هم الأعلون . وهم الأمة الوسط . وهم خير أمة أخرجت للناس . فمن أين إذن يستمدون تصورهم ومنهجهم ? ومن أين إذن يستمدون تقاليدهم ونظمهم ? إلا يستمدوها من الله فهم سيستمدونها من الأدنى الذي جاءوا ليرفعوه !

كلام سليم.. يحكي الواقع بأسلوب متميز..

بارك الله فيكِ..

كم يحتاج المسلمون لقراءة ما يوقظهم من سبات تقليدهم ويذكرهم بأنهم أمة متميزة عن بقية الأمم بكل ما جاء فيها..

رحم الله الشيخ الشهيد – بإذن الله – سيد قطب..

وفيكِ بارك الله..لاكي
رغم أنها ليست فكرة الموضوع الأساسية، إستوقفتني بعض العبارات، أهمها:

تأدبا مع الله

والمسلمون هم الأعلون . وهم الأمة الوسط

كل منها تحتاج إلى توسع و استفاضة..

بالعودة إلى الموضوع لاكي
لا أزيد سوى : ( أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا) ..

بارك الله فيك أختي الحبيبة.. نقلتِ لنا أروع المعاني من مصدر طيب.. رحم الله الشهيد رحمة واسعة..

بارك الله فيك غاليتي غدير ونفع بك
على النقل المبارك

ورحم الله شيخنا الفاضل وجعل ماكتب في موازين حسناته

وفيكِ بارك الله ياسمينة..لاكي

فعلا هي معاني رائعة..
سبحان الله أشعر بنشوة غامرة عندما أقرأ في هذا الكتاب الرائع..لأنه يتعدى أن يكون مجرد تفسير وإنما هو شرح لمنهج حياة متكامل..

تعقيب:

والمسلمون هم الأعلون . وهم الأمة الوسط

كل منها تحتاج إلى توسع و استفاضة..

صدقتِ..وبإذن الله سيكون موضوعي القادم بهذا الخصوص..

اثابك الله اختي غدير

نعم هي معاني سامية

فلله الحمد والمنة على هذه النعمة العظيمة(( نعمة الاسلام))

لاكي كتبت بواسطة راجيةالجنة
بارك الله فيك غاليتي غدير ونفع بك
على النقل المبارك

وفيكِ بارك الله أختي الكريمة..لاكي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.