تخطى إلى المحتوى

توازن الإسلام في: [العلم]، 2024.

  • بواسطة

توازن الإسلام في: العلم

العلم من أهم مقومات التمكين للأمة الإسلامية لأنه من المستحيل أن يمكن الله تعالى لأمة جاهلة متخلفة عن ركاب العلم، والناظر إلى القرآن الكريم يرى في وضوح أنه ذاخر بالآيات التي ترفع من شأن العلم وتحث على طلبه وتحصيله فأول آية من كتاب الله تعالى تأمر بالعلم والقراءة، قال تعالى: [اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)] العلق ويجعل القرآن الكريم العلم مقابلا للكفر الذي هو الجهل والضلال قال تعالى:[ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9)]الزمر، وإن الشيء الوحيد الذي أمر الله تعالى رسوله r أن يطلب منه الزيادة؛ هو العلم قال تعالى:[ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114)]طه، ورتب الله تعالى لطالب العلم عظم الأجر..والثواب ورفع الدرجات..قال تعالى: [يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11)] المجادلة.
لقد أنزل الله القران الكريم على قلب رسول الله r لينشئ به أمة ، ويقيم به دولة، وينظم به مجتمعا، وليربي به ضمائر، وأخلاقا وعقولا، ويبني به عقيدة وتصورا، فخرج الجماعة المسلمة الأولى التي تفوقت على سائر المجتمعات في جميع المجالات..العقدية والروحية والخلقية والاجتماعية والسياسية والحربية والحضارية..
ولقد تلقى الرعيل الأول القران الكريم بجدية ووعي، وحرص شديد على فهم توجيهاته، والعمل بها بدقة تامة، فكانوا يلتمسون من آياته ما يوجههم في كل شان من شؤون حياتهم الواقعية والمستقبلية.. فنشأ الرعيل الأول على توجيهات القرآن الكريم ، وجاءوا صورة عملية لهذه التوجيهات الربانية؛ فالقرآن كان هو المدرسة الإلهية ، التي تخرج الدعاة والقادة الربانيون.. فخرج ذلك الجيل الذي لم تعرف له البشر مثيل من قبل ومن بعد.
لقد جاء الإسلام "منهجا للحياة" ليرقى بهذه الأمة ،في جميع المجالات .. وليحقق الصلاح وعمارة الأرض.. ففتح جميع أبواب العلم والمعرفة .. فيما يعود بنفع للفرد والمجتمع وللأمة.. بل وللعالم أجمع.
وهذا ما دعا إليه الرسول محمد r بتعلم العلم الصالح الذي هو أساس العلم وأفضله وذروة سنامه، وبه صلاح الدنيا والآخرة، وهو الباب الرئيسي للوصول إلى جميع العلوم الأخرى .
والعلم يكون قبل كل شيء.. فلا ينفع أي عمل بدون علم !! وقد بوب البخاري في كتابة: باب العلم قبل القول والعمل لقول الله تعالى: [فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)] محمد، فبدأ بالعلم وأن العلماء هم ورثة الأنبياء، ورثوا العلم من أخذه أخذ بحظ وافر ،ومن سلك طريقا يطلب به علما سهل الله له طريقا إلى الجنة ،وقال جل ذكره: [إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28)] فاطر،وقال تعالى: [وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (43)]العنكبوت،[ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10)] الملك، وقال تعالى: [قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9)] الزمر،وقال r: (من يرد الله به خيرا يفقهه، وإنما العلم بالتعلم ،قال بن عباس:" { كونوا ربانيين } حلماء فقهاء ويقال الرباني: الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره "البخاري/1. وقال عمر: "تفقهوا قبل أن تسودوا" البخاري.
فطلب العلم في دين الإسلام.. واجب وفرض على كل مسلم .. كما قال r: (طلب العلم فريضة على كل مسلم) صحيح الجامع:2/3913.
وكما هو معلوم أن أول ما يتعلمه المسلم العلوم الدينية.. فإن تعلم القرآن والسنة تعلما جيدا وأتقنهما وعمل بهما.. فسيتفوق في كل العلوم الأخرى.. لأن العلوم الإسلامية تربي المسلم على الدين والأخلاق والمعاملات الاقتصادية والسياسية والحربية.. والاجتماعية والروحية.. بل والحضارية..
والعلم.. يأخذ خطوة خطوة.. إلى أن يصل المسلم إلى القمة.. قال تعالى: [وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114)] طه. وقال r، كما ذكر البخاري أعلاه في باب العلم قبل القول والعمل (إنما العلم بالتعلم) ، وعلى المسلم أن يجاهد نفسه في تعلم العلم ويصبر ويبذل ما في طاقته للوصول إلى العلم الصحيح.. الذي يقيم به عباداته. ويتوجب عليه، بعد أن يتعلم أن يعلم الجاهل..قال النبي r: (ارجعوا إلى أهليكم فعلموهم)خ/1

************************

والعلوم الأخرى لها أهميتها وضرورتها في الإسلام، بل يحث ويثيب عليها، متى كانت تنفع الإسلام والمجتمع، وفي حدود الشرع.

  • قال ابن عباس –رضي الله عنه- : كان ناس من أسارى يوم بدر ليس لهم فداء ، فجعل رسول الله r فدائهم أن يعلموا أولاد الأنصار الكتابة، وبذلك شرع الأسارى يعلمون غلمان المدينة "القراءة والكتابة" وكل من يعلم عشرة من الغلمان يفدي نفسه..

فقبول الرسول r تعليم "القراءة والكتابة" بدل من الفداء في ذلك الوقت الذي كان فيه بأشد الحاجة إلى المال!! يرينا سمو الإسلام في نظرته للعلم والمعرفة، وإزالة الأمية، وليس هذا بعجيب من دين كان أول ما أنزل من كتابه: [اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)] العلق ، واستفاضت فيه نصوص القرآن والسنة في الترغيب في العلم وبيان فضلة ومنزلة العلماء.. وبهذا العمل الجليل يعتبر النبي r أول من وضع حجر الأساس في إزالة الأمية ، وإشاعة القراءة والكتابة.. وأن السبق في هذا لإسلام.

  • كذلك يفتح الإسلام الباب لتعلم اللغات الأخرى للفائدة، فعن زيد بن ثابت –رضي الله عنه- أن رسول اللهr أمره أن يتعلم كتاب اليهود –أي لغته- ليقرأه على النبي –صلى الله عليه وسلم- إذا كتبوا إليه "البخاري"، فبلغ ذكاءه وهمته –رضي الله عنه – أن تعلمه في خمسة عشر يوما!! وبهذا الخبر يتضح أن للترجمان مكانة رفيعة في الدولة الإسلامية ..

ولكن.. تكون اللغة العربية هي الأصل فهي لغة القرآن.. فلا ينبغي الانحياز عنها وتركها واستبدالها بألفاظ أخرى أعجمية ، فإن تعلم اللغات الأخرى ليس معناه ترك اللغة الأصلية ونبذها !! وإنما تعلم تلك اللغات يكون للفائدة والضرورة .. فلا أجمل ولا أفضل ولا أرقى من لغتنا العربية الجميلة..

  • وتعلم الحساب والعدد.. له أهميته البالغة في الإسلام ، لمعرفة أوقات الصيام والحج والزكاة .. وتقسيم الميراث والديات .. قال تعالى: [وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آَيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آَيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آَيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا (12)] الإسراء.
  • كذلك تعلم الهندسة والصناعة والزراعة.. لها مكانتها العالية في الإسلام ، فلا تقل أهميتها عن غيرها من العلوم، لما فيها من صلاح وعمارة للأرض،وتوفير وتحقيق الحياة عليها.. قال تعالى: [هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15)] الملك.
  • والإسلام يشجع أيضا ويحث على الاختراع والابتكار والاكتشاف.. قال تعالى: [قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآَخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20)]العنكبوت، فالآية الكريمة تأمر بالسير والتقلب في أرجاء الأرض واكتشافها .. والبحث عن سر خلقهم، كذلك قال تعالى: [سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53)] فصلت، وقال تعالى في مدح المؤمنين: [إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)] آل عمران، كل ذلك يدعوا إلى البحث والاكتشاف والتفكر والتأمل في معجزات الكون ، وخلق الإنسان .. فذلك الاكتشاف وذاك التأمل والتفكر ينتج عنه تقوية الإيمان بالله الواحد الأحد، كذلك يدعو إلى صلاح الأرض والانتفاع بخيراتها المكنونة…
  • كذلك الإسلام.. أصل للحضارات بأنواعها.. وقد حقق المسلمون في القرون الوسطى..أعلى وأفضل الحضارات..

وقد يظن بعض الناس أن الحضارة الغربية انتصرت على الحضارة الإسلامية ، ولو عادوا لأي كتاب من كتب التاريخ ليقرؤوا ماذا فعل المسلمون في القرون الوسطى ..وكيف كان الوحل والطين مخيماً على ايطاليا وفرنسا ولندن ..وما عرفت الحضارة الغربية أصول الحضارة إلا على أيدي المسلمين..
لقد انتشرت حضارة المسلمين في القرون الأولى والوسطى.. انتشارا بالغا.. وحققت أسمى وأفضل الحضارات، ومن تلك البلاد التي فتحها الإسلام، وملئها بالعلم والحضارة.. بلاد الأندلس..تلك البلدة التي كانت بوابة دخول الإسلام إلى أوربا، وقد فتحها القائد الإسلامي الكبير: طارق بن زياد، وتسمى حاليا (اسبانيا)..وقد شهدت بلاد الأندلس..في ظل الحكم الإسلامي نهضة شاملة حتى أضحت منارةأضاءت جنبات أوروبا المظلمة، ولم يعرف التاريخ أرحم من الفاتح المسلم الذي حملالخير والهداية إلى كل مكان نزل فيه.
شكل الفتح الإسلامي للأندلس منعطفًا هامًّا في تاريخ أوروبا، بقيالعرب في أسبانيا فأدخلوا تقنيات الري والزراعة الحديثة من الشرق الأوسط إلىأوروبا، كما حملوا الثقافات ومبتكرات الحضارة الإسلامية حيث أثروا في أشكالالرياضيات والعلوم المختلفة في مجالات كثيرة.
لقد كان الفتح الإسلامي للأندلس..منارة حضارية في أوروبا كلها فقد أسهمتالمعارف الإسلامية وآدابها في بث روح حضارية جديدة في أوروبا مما كان له بالغالأثر في نهضتنا المعاصرة، وبالاستفادة من علوم المسلمين تمكن كريستوفر كولومبس مناكتشاف أمريكا.
وقد أقر جوستاف لبون في كتابه حضارةالعرب بفضل الحضارة الإسلامية على الحضارة الغربية فقال: "كان تأثير العرب "يقصدالمسلمين" في الغرب عظيمًا وإليهم يرجع الفضل في حضارة أوروبا."

وفي جميع تلك العلوم، قال تعالى في أول آيات أنزلت من القرآن : [عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)]العلق،وقال تعالى: [الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآَنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)] الرحمن. فالعلم إذا مكتسب ، كما قال r: (إنما العلم بالتعلم).

هذا هو توازن الإسلام ووسطيته.. يفتح ويفسح ويبيح.. جميع العلوم النافعة في حدود الشرع الإسلامي، ويحث ويثيب عليها، ويجعل أهمها وأعظمها وأساسها وبدايتها :العلوم الدينية ، لسمو الروح قبل سمو الجسد..
قال تعالى: [يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11)] المجادلة.
يقول المفكر الشهير اشبنكنـز: إن للحضارات دورات فلكية فهى تغرب هنا لتشرق هناك، وإن حضارة أوشكت على الشروق فى أروع صورة، ألا وهى حضارة الإسلام الذى يملك وحده أقوى قوة روحانية عالمية نقية.
__________________________________________

لاكي
لاكي
اثابك الله على الطرح

جزيتي الفردوس الاعلى من الجنة

جزاكم الله خيرا.. وبارك الله فيكم..
أشكـركم على تواجدكم الـــــــــرائع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.