لقد خلق الله تعالى الإنسان بيده، ونفخ فيه من روحة، وتولى سبحانه رعايته وحفظه، وميزه بحواس وقدرات ومواهب..، وسخر له جميع ما في السماوات وما في الأرض..وكرمه وفضله على كثير ممن خلق تفضيلا.
قال تعالى: [وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70)] الإسراء.، قال تعالى: [وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (13)] الجاثية.
فالإنسان إذاً محل اهتمام وكرم.. وإنعام واصطفاء.. لا محل ذل وهوان.. وضياع وخذلان..
فقد شرفه الله تعالى، بسجود الملائكة كلها له، بعد أن سواه سبحانه بيده، ونفخ فيه من روحه.. قال تعالى: [إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (74)] ص.
فلما كرُم هذا المخلوق "الإنسان " على الله تعالى، شرفه وأعلى شأنه بأن اختار له من جنسه رسل مبشرين ومنذرين.. وأنزل معهم الكتب نور لناس وهدى ورحمه..، ليربط هذا المخلوق المكرم بالعظيم المنان.. ولتتصل العلاقة دائماً ومباشرة بحبل يمتد من السماء إلى الأرض ليتشبث به ذاك الإنسان ليصل به إلى الغاية الكبرى والمنزلة العظمى من حياته؟ ويحق لنا هنا أن نسأل، لما كرمنا الله تعالى هذا التكريم.. وسخر لنا مافي السماوات والأرض.. وزودنا بكل هذه النعم -السمع والبصر والعقل والقوة… ألكي نعيش .. ونأكل ونشرب ونتلذذ.. ثم.. ماذا.. قال تعالى: [أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (39) أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى (40)] القيامة.
هل كل هذا الكون العظيم، بما فيه من حيوان ونبات.. وأجرام وكواكب.. كل هذا مخلوق عبثا!! سبحان الله العظيم.. ما خلق شيئا عبثا أبدا.. بل كل صغير وكبير في هذا الكون مخلوق في غاية الحكمة، والإنسان لم يخلق إلا لغاية وهدف واحد، قال تعالى: [وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)] الذاريات.
إن كرم الله تعالى لهذا الإنسان لا ينتهي.. فقد كرمة أيضا بأن أعطاه نعما لا تعد ولا تحصى.. وميزه عن سائر الخلق بميزة العقل، لكي يتصل به إلى ذو الجلال والإكرام.. لا ليهدره ويضيعه .. وتنتهي حياته.
وقد يتناسى الإنسان، الغاية من وجودة في الدنيا!! وتلهيه نعم الله تعالى التي أنعم بها عليه.. قال تعالى: [يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (8)] الإنفطار. ولكن.. ليعلم أن الله تعالى بعد أن أعطاه كل تلك النعم والميزات.. كفل به رقيبين يحصيان عليه كل ما يعمله في الدنيا.. ليجازي بكل صغيرة وكبيرة عملها في الدنيا.. وعلى حسب جده واجتهاده وتحقيق هدفه في الحياة.. سيلقى أجره، وعلى حسب لعبه ولهوه وإهمال غايته من الحياة.. سيلاقي وزرة.. قال تعالى: [يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ (6)] الانشقاق.
وقد وصل تكريم الله تعالى للإنسان، أن أعطاه حرية اختيار الطريق الذي يريده، وزوده بعقل، حتى لا تكون له حجه، قال تعالى: [إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2) إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)] الإنسان.
وليعلم هذا الإنسان.. أنه مهما بلغ من قوة وجاه وسلطان ومال.. ومهما وصل إلى أعلى غاياته الدنيوية..ومهما سعى للحصول على متع الدنيا.. أنه لابد من الموت، ولا ينكر إنسان عاقل الموت، وبعد الموت ..هناك حساب !!
قال تعالى: [كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27)] الرحمن.
التوازن هو الطابع الأصيل للإسلام، بل وللكون كله أجمع، والكون كله مخلوق ومسخر للإنسان المكرم، الذي خلق بالتوازن والتناسق لتتم به الحياة وعمارة الأرض.
ولما كان الإنسان هو أهم عنصر على هذه الأرض، زوده الله تعالى بوظائف وتكاليف لا تقوم إلا به.
لقد نزلت الشريعة للعالم كله، بأجناسه المختلفة، رجالا ونساء، فطبقا للقران خلق الرجال والنساء لنفس الغرض، اشتركوا في التكاليف ، التي تؤهلوها ، يتعرضون لنفس السنن الكونية، وسيحاسبون في الآخرة بنفس المقاييس. قال تعالى: [يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)] النساء. قال تعالى: [فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195)] آل عمران.
والله تعالى أنزل الإسلام ليسعد هذا الإنسان المكرم..وليعيش حياة مطمئنة سعيدة آمنه.. قال تعالى: [مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)] النحل.
وأهم مظاهر التوازن لدى الإنسان؛ أن خلقه سبحانه من ذكر وأنثى، وجعل التكاليف تناسب فطرة كل من الجنسين، بحيث زود الرجل وهيئ خلقته على حسب تكاليفه، كذلك زود المرأة وهيئ خلقتها على حسب تكاليفها،وهما يشتركان في نفس التكاليف.. إلا اليسير منها على حسب ما زود وهيئ له كل من الجنسين، ولا تستقيم الحياة ولا تتوازن إذا تخلى أحد الجنسين عن تكاليفه الخاصة به، ليقوم بتنفيذ تكاليف الجنس الآخر..
إن دور الرجل ومجال نشاطه وفعاليته للإنتاج المادي وتنشيطه، وأن دور المرأة ومجال نشاطها وفاعليتها، للإنتاج البشري وتربيته. فلكل منهما دوره واختصاصه حسب مواهبه وفطرته التي فطره الله تعالى عليها.
ولا فضل لجنس على آخر في الإسلام.. ولا يظلم الله تعالى أي إنسان، قال تعالى: [إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (44)]يونس. والتفاضل الذي يضعه الإسلام بين الأجناس.. هو تفاضل التقوى فقط.. ولا قيمة لأي تفاضل آخر يضعه البشر. قال تعالى: [يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)] الحجرات.
ويحرم الإسلام تشبه أحد الجنسين بالآخر، لما فيه من الفوضى واختلاط وعدم الرضا بفطرة الله تعالى.. واختلال التوازن البشري والإسلامي، الذي خلق الله تعالى الجنسين ليحققانه..
عن بن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: لعن رسول الله r المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال)خ/2[ 5546]
__________________________________________________ _
وهنا نشير إشارة سريعة..لتوازن المطلق في بنية وأعضاء الإنسان، حيث أن اليدين والرجلين في نفس المقاس والطول، فلا يد أطول من الأخرى..ولا رجل أدق من الرجل الأخرى..كذلك اللون واحد للإنسان الفرد، وجميع الأعضاء في تناسق وتوازن عجيب!! فكل عضو يعلم متى دورة وعملة، ولا يتعارض عضوان معا، ولا يتوقفان معا، بل كل عضو له وقت محدد يعرف متى عمله ونشاطه، بدون أي خلل أو تدخل من الإنسان..-إلا أصحاب العاهات الخاصة- فسبحان من أبدع ووازن!!!!
لقد اهتم الإسلام بغذاء المسلم اهتماما لم يسبقه إليه أي دين أو تشريع من قبل فلا يخلوا كتاب من كتب الفقه أو التشريع من باب في علم التغذية يسمى باب الأطعمة أو الأشربة وكذلك من باب في علم التداوي وبين الإسلام فيما بين الأطعمة المباحة والأطعمة المحرمة .
إن الطعام الصحي والأغذية المتوازنة هما مفتاح التمتع بصحة جيدة وقوية وإن حياتنا تقوم على التغذية السليمة فالتغذية توفر للجسم كل العناصر الضرورية للحياة، والنقص فيها مصدر للأمراض والاضطرابات من كل نوع وهناك نمطان أساسيان لسوء التغذية يتعلق أحدهما بحصول الجسم على مغذيات تقل عن حاجته وبينما يتعلق الآخر بحصوله على فائض منها وفي كلتا الحالتين نجد اختلالا بين العرض والطلب بالنسبة لما يحتاجه الجسم من المواد الخام لحفظ حياته، والتغذية السيئة تسبب تعبا للجسم وأمراضا عديدة لذلك جعل الله سبحانه لنا قوانين إلهية تقينا من شر هذه الأمراض وهي :
-عدم ملأ البطن قال r: (ما ملا آدمي وعاء شرا من بطنه ) صحيح الجامع2/ 5674.
– تنويع أصناف الطعام فإن الجسم يحتاج إلى عناصر غذائية متنوعة لينعم بالصحة والنشاط والله سبحانه سخر لنا كل ما يحتاجه الجسم من أصناف الطعام فسخر لنا الأنعام وألبانها والجنات وثمارها قال تعالى: [فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26) فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (32)] عبس . قال r: ( المؤمن القوي خير وأحب إل الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير ) صحيح الجامع2/ 6650 . وقالr: ( لا ضرر ولا ضرار ) صحيح الجامع2/ 7517.
– عدم الإسراف والتبذير في الأكل والشرب قال تعالى: [وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31)] الأعراف.
فبعد أن عرفنا هذه القوانين الثلاثة لابد أن نعرف مصدر الطعام الذي يدخل معدتنا فلابد أن يكون حلالا قال r: ( كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به ) صحيح الجامع2/ 4519. والسحت: الحرام.
ينظم الإسلام مشاعر وعواطف الإنسان بأدق وأفضل نظام.. بحيث لا تطغى تلك العواطف على عقلة وحياته ودينه..
الحب.. طبع جبلي لكل للبشر.. يصدر عنه قول وفعل.. وبحسب قوة وضعفه في القلب، تكون علاقة الإنسان مع الآخرين ،فجاء الإسلام ليتوسط بين القوة والضعف؛ فلا حب جنوني.. ولا بغض نهائي.. قالr : (أتاني جبريل فقال : يا محمد ! عش ما شئت فإنك ميت و أحبب من شئت فإنك مفارقه و اعمل ما شئت فإنك مجزي به و اعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل و عزه استغناؤه عن الناس)صحيح الجامع" حسن:73" قال علي رضي الله تعالى عنه: (أحبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوما ما و أبغض بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما) صحيح الجامع178.
الإسلام ينهى عن البغض والشحناء والعداوة.. قال r: (لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانا المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره ولا يخذله) م/.2564. ويرغب ويحث على الترابط بين المسلمين ونشر الحب والمودة بينهم،قال r: ( والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم ) صحيح الجامع2/ 7081. و قال r: ( المؤمن يألف ويؤلف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف ) صحيح الجامع:2/6662. وذكر r في حديث السبعة الَّذين يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله: (رجلان تحابا في الله فاجتمعا على ذلك، وافترقا عليه) خ:2/199،م:1031. وذكر كذلك r في الحديث القدسي، قال الله تعالى: (حقت محبتي للمتحابين في) صحيح الجامع2/ 4321.
وحري بالمسلم أن يحب الصالحين المتقين، ليحظى بالحشر معهم يوم القيامة قال النبي r: ( المرء مع من أحب) متفق عليه/خ:10/462،م/2641.
فالإسلام دين حب .. حب بين الأصدقاء، والمجتمع والأسرة والزوجين والأبناء والجيران.. بل وقد أكد الإسلام على بقاء الحب والإستزاده منه بقدر التوسط، قالr: ( إذا أحب أحدكم أخاه في الله فليعلمه، فإنه أبقى في الألفة، وأثبت في المودة) صحيح الجامع1/ 280. وقال r: ( ما تحاب اثنان في الله تعالى إلا كان أفضلهما أشهدهما حبا لصاحبه ) صحيح الجامع2/ 5594.وقال r: ( قال لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)خ:13/1.
كذلك من مظاهر التوازن خلق الإنسان من ذكر وأنثى، لتتم به عمارة الأرض بالتزاوج بينهم.. ليتحقق التناسل والتكاثر، وتقام شريعة الله تعالى في الأرض.
والإسلام يقيم العلاقة بين الرجل والمرأة على أساس من المشاعر النبيلة الراقية الطاهرة النظيفة التي تبنى على السكن النفسي والبدني والرحمة والمودة وليس مجرد المتعة. فبيت الزوجية ليس مرتعا للطعام والشراب والتلذذ.. بل إن بيت الزوجية وسيلة لغاية كبرى، لإنشاء أسرة مسلمة تكون لبنة في صرح الدولة الإسلامية.
فالإسلام دين عزيز.. لا يرضى لأبنائه التقلص والانفراد ..والانقراض !! بل دائما يحث على بقاء النسل وعمارة الأرض وإصلاحها.. لتبقى الحياة مستمرة ومتوازنة إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها.
لذلك كان من المبادئ العظيمة في الإسلام "الحث على النكاح" طلبا للولد لبقاء النسل، وطلبا لمحبة الرسول r في تكثير أمته التي سيباهي بها الأمم يوم القيامة، كذلك التحصن من الشيطان بدفع غوائل الشهوة، وترويح النفس وإيناسها بغيرها، وفية مجاهدة لنفس ورياضتها بالرعاية والولاية والقيام بالحقوق ..
كذلك لعمران الأرض ، وإقامة شرع الله تعالى ، فالله سبحانه خلق الإنسان، ليتناسل ويتكاثر..قال r (تزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم)صحيح الجامع1/ 2941.
وقد لبس الشيطان على بعض العباد ،فمنعهم من النكاح تشاغلا بالعبادة، ورأوا أن النكاح شاغلا عن عبادة الله عز وجل !!!
قال r: (وفي بضع أحدكم صدقة، قالوا: يأتي احدنا شهوته ويكون له فيها اجر؟! قال أرأيتم لو وضعها في حرام كان عليه وزر؟ قالوا: نعم، قال: كذلك إذا وضعها في الحلال كان له اجر)، ثم قال: (أفتحتسبون الشر ولا تحتسبون الخير) م/1006، قال r: (إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاث – أشياء – صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له)م/1631.
ومنهم من قال إن النكاح يوجب النفقة ، والكسب صعب وهذه حجه للترفه عن التعب والكسب، قال r: (دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار أنفقته في صدقة، ودينار أنفقته على عيالك، أفضلها الدينار الذي أنفقته على عيالك) م/995.
ومنهم من قال: النكاح يوجب الميل لدنيا !!
وجميع هذه الحجج مخالفة لشرع !! أترى رسول الله r لما كان ينبسط مع نسائه.. أكان خارجا عن الأنس بالله تعالى وعبادته، ومنشغلا ومائلا إلى دنيا!! قال r: (إني أتزوج النساء، وأنام وأقوم وأصوم وأفطر، فمن رغب عن سنتي فليس مني) متفق عليه:خ/9-89، م/1401.
فالإسلام دين يسر وسهولة، دين يلبي جميع متطلبات الإنسان، إنه دين الفطرة، لا دين رهبانية وشطط، وتشدد وتعنت، إنه دين قائم على منهج حياة متكامل ، قد أحاط بكل جانب من جوانب الحياة، وفق منهج متوازن من رب العالمين الواحد الأحد.
ولما كان الإسلام يهول ويعظم من شأن "الزنا" بل وينفي الإيمان عن مرتكبة في ساعتها، قَالَ النَّبِيُّ r: " لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَلَا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَلَا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ " خ/2308
، وجعلها من كبائر الذنوب ، ومن أشنع الفواحش، ورتب عليها أعظم العقوبات..
أرشد سبحانه عبادة إلى أطهر وأفضل السبل للقضاء على الشهوات التي فطر عليها الإنسان، وهو طريق "النكاح" فحث ورغب فيه، بل ورتب عليه الجزاء العظيم في الإنفاق والسعي عليه وتلبية جميع متطلباته.
فالنكاح إذا أفضل الطرق للقضاء على الشهوات ، ولبقاء النسل، المنتمي إلى أبوين مترابطين .. يعيش ذلك النسل في أحضانهما ، إلى أن ينموا ويكبر، ويتكفل الوالدين بتربيتهم ورعايتهم والقيام بحقوقهم، كذلك من فوائده.. تنظيم المجتمعات ، والترابط بين أفرادها، والقضاء على الفوضى والأمراض الفتاكة ، والحفاظ على النسل الضائع، بل والحفاظ على الأعراض المنتهكة المسلوبة المظلومة.. والقيام بالعدل والحفاظ على حقوق الإنسان الكاملة.
فالزنا إذا من أعظم الفواحش.. التي تشتت المجتمعات.. وتنشر الأمراض.. وتعبث وتضيع الأطفال.. وأثاره السلبية معلومة لا تخفى على عاقل..!!
قال تعالى: [وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (32)] الإسراء.
فالقران يحذر من مجرد مقاربة الزنا ، ولأن هذه الفواحش ذات إغراء وجاذبية ، كان التعبير "ولا تقربوا" للنهي عن مجرد الاقتراب سدا لذريعة، واتقاء للجاذبية التي تضعف معها الإرادة، كذلك مبالغة في التحرز ، لأن الزنا تدفع إلية شهوة عنيفة، فالتحرز من المقاربة أضمن، فعند المقاربة من أسبابة لا يكون هناك ضمان.
قال النبي r: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء)خ/2[ 4808 ]
ومن ثم يأخذ الإسلام الطريق على أسبابة الدافعة توقيا للوقوع فيه، يكره الاختلاط في غير ضرورة، ويحرم الخلوة، وينهى عن التبرج بالزينة،ويمنع الإشارات والحركات والضحكات المثيرة، ويحض على الزواج لمن استطاع، ويوصي بالصوم لمن لا يستطيع، ويكره الحواجز التي تمنع من الزواج كالمغالاة في المهور..وينفي الخوف من العيله والفقر بسبب الأولاد ، ويحض على مساعدة من يبتغون الزواج ليحصنوا أنفسهم .. ويوقع أشد العقوبة على الجريمة حين تقع ، وعلى رمي المحصنات الغافلات دون برهان، إلى آخر وسائل الوقاية والعلاج، ليحفظ الأمة المسلمة من التردي والانحلال.
فهذا الدين لا يريد أن يعرض الناس للفتنة ثم يكلف أعصابهم عنتا في المقاومة!! فهو دين وقاية قبل أن يقيم الحدود، ويوقع العقوبات، وهو دين حماية لضمائر والمشاعر والحواس والجوارح..
فالإسلام يقر بالزواج ويحث ويشجع ويثيب عليه، ويشنع ويهول من شأن الزنا ،ويغلق جميع الطرق الموصلة إلية، ويرفض الرفض الشديد .. الرهبانية والتبتل والانقطاع.. ويفسح طريق النكاح .. الطريق الآمن المريح..
هذا هو توازن الإسلام !!
________________________________________________
وبارك الله فيـــــك
أشكـركم على تواجدكم الـــــــــرائع