العفة زهرة فواحة في حديقة الأخلاق النبوية
نعم أخوتي, سنبدأ كما نبدأ دائما وكما يبدا كل باحث و منقب في أخلاق المصطفى صلى الله عليه وسلم سنبدا بقوله تعالى في التنزيل " و انك لعلى خلق عظيم" لنمر على حديث جميل رقراق يخرج من عند اللذي لا ينطق عن الهوى حين قال عليه أفضل الصلاة و السلام " انما بعتث لأتمم مكارم الاخلاق" و لا بأس بعد ذالك من ذكر الكلمة الخالدة لحبيبة الحبيب صلى الله عليه وسلم و أمنا عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها " كان خلقه القران". نعم, إنه النموذج البشري الخالد الذي جعل لنا في حياته القصص و العبر وفي تاريخه المواقف و الصور.
وها نحن اليوم بفضل من الله و منة نجوب في روضة الاخلاق النبوية العطرة لنشتم عبير الزهور الفواحة فهاهي زهرة الصدق الطاهرة وبجانبها زهرة الإخلاص المشرقة وهناك زهرة الحياء الرقراقة وعن يمينها زهرة التواضع الشامخة وزهرة الحلم و زهرة الوفاء و زهرة الشجاعة و الرحمة و العفو … كلها زهرات تفوح بعبق الأخلاق الفاضلة.
@@@@
ووسط هذه الحديقة الغناء ارتاينا الوقوف بكل حب وشوق أمام زهرة العفة لنشتم رحيقها و نقرأ على أوراقها المعاني الراقية و الكلمات السامية التي طبعت حياته صلى الله عليه وسلم .
@@@@
خلال هذا المحور سنتطرق بحول الله وقوته إلى النقط التالية:
1.نبذة من خلق العفة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم و إن كانت لم توفه حقه الصلاة والسلام ولكن حسبنا قطرة من بحر فضله.
2.ذكر دوافع العفة و الاستعفاف.
3.مواقف ايمانية مع خلق العفة.
4.ثمرات العفة الدنيوية و الأخروية
************ ********* *
@@@@
عفة الحبيب صلى الله عليه و سلم
الحلقة الثانية :
العفة و رسول الله صلى الله عليه و سلم
حسبنا قبل تناول هذا الموضوع أن نذكر أبياتا جميلة لأستاذنا و شيخنا الفاضل عائض القرني في كتابه "محمد صلى الله عليه وسلم كأنك تراه" حين قال :
زمانك بستان و عهدك أخضر @@ و ذكرااك عصفور من القلب ينقر
و كنت فكانت في الحقول سنابل و كانت عصافير و كان صنوبر
لمست أمانينا فصارت جداولا و أمطرتنا حبا و لا زلت تمطر
تعاودني ذكراك كل عشية و يورق فكري حين فيك أفكر
و تأبى جراحي أن تضم شفاهها كأن جرح الحب لا يتختر
أحبك لا تفسير عندي لصبوتي أفسر ماذا و الهوى لا يفسر
تأخرت يا اعلي الرجال فليلنا طويل و أضواء القناديل تسهر
العفة خلق إيماني رفيع زينة للرجل المسلم و المرأة المسلمة في الدنيا و الآخرة يحفظان به إيمانهما و يضمنان به استقامتهما و يستجلبان به رضى ربهما و يعتصمان به من معاصيه و سخطه و يحفظان به شبابهما و صحتهما.
و هنا تستوقفنا أحاديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصادق المصدوق الذي كان أشد حياء من العذراء في خدرها فكان برهانا على كمال العفة في أفعاله قبل أقواله و هاهي بعض المواقف التي يؤكد فيها صلى الله عليه وسلم على وجوب التمسك بهذا الحبل المتين:
عن أبي أمامة أن فتى من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:" يا رسول الله ائذن لي بالزنا فاقبل القوم عليه فزجروه و قالوا مه مه فقال أدن فدنا منه قريبا قال فجلس قال أتحبه لأمك قال لا و الله جعلني الله فداك قال و لا الناس يحبونه لأمهاتهم قال أ فتحبه لابنتك قال لا و الله جعلني الله فداك قال و لا الناس يحبونه لبناتهم قال أ فتحبه لأخواتك قال لا و الله جعلني الله فداك قال و لا الناس يحبونه لأخواتهم قال أ فتحبه لعمتك قال لا و الله جعلني الله فداك قال و لا الناس يحبونه لعماتهم قال أ فتحبه لخالتك قال لا و الله جعلني الله فداك قال و لا الناس يحبونه لخالاتهم فوضع يده عليه و قال اللهم اغفر ذنبه و طهر قلبه و أحصن فرجه فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء".
و في حديث سمرة بن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رايت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني فانطلقت معهما فاذا ببيت مبني على مثل بناء التنور أعلاه ضيق و أسفله واسع يوقد تحته نار فيه رجال و نساء عراة فإذا أوقدت النار ارتفعت حتى كادوا أن يخرجوا فإذا أخمدت رجعوا فيها فقلت من هؤلاء قال الزناة ".
و لما كانت معصية هؤلاء بأجزائهم السفلى كانت النار تأتيهم من أسفل منهم و لما كانت نيران الشهوات تثور عليهم في الدنيا بين حين و اخر فيقارفون المعصية كانت النار تثور عليهم بين حين و آخر و كانوا كلما أرادوا الخروج من المعصية و التوبة إلى الله عز وجل و الانطلاق في فضاء الطاعة قصرت بهم هممهم و غلبت عليهم شهواتهم فعادوا اليها مرة ثانية فهم كذلك في ثنور في البرزخ كلما هموا بالخروج عادوا إليه مرة ثانية و العياذ بالله. هذا ما جاء في شرح هذا الحديث.
و في الصحيحين عن عبد اله بن مسعود رضي الله عنه قال: قلت : يا رسول الله أي الذنب أعظم عند الله قال: أن تجعل لله ندا و هو خلقك قال: قلت: ثم أي قال: ان تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك قال : قلت: ثم أي قال: أن تزني بحليلة جارك فأنزل الله تصديق ذلك في كتابه " و الذين لا يدعون مع الله إله آخر و لا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق و لا يزنون و من يفعل ذلك يلق اثاما".
و عن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة و لا ينظر اليهم و لا يزكيهم و لهم عذاب اليم : شيخ زان و ملك كذاب و عائل مستكبر"
من مواقف الرسول صلى الله عليه وسلم و أحاديثه النيرة في خلق العفة أصبح واضحا أنه لا شك في أنه كل مسلم يجب عليه أن يتحلى بالفضائل و يتخلى عن القصور و الرذائل فالمؤمن إذا رغب في الخير رغب و إذا خاف من الشر هرب و لا خير فيمن إذا زجر لا ينزجر و
إذا أمر لا يأتمر.
اللهم صلي على سيدنا محمد عدد ما في علم الله صلاة دائمة بدوام ملك الله
إلهي أنت ذو فضل ومنّ وإني ذو خطايا فأعفُ عني وظني فيك يا رب جميل فحقق يا إلهي حسن ظني
اللهم بارك لها في عملها وعمرها ووقتها
واجعل هذا العمل في ميزان حسناتها
يشرفني ويسعني ان اكون اول الزائرات للموضوع
اللهم حلنا بمكارم الأخلاق و ارزقنا الهدى و التقى و العفاف و الغنى..
بارك الله فيك