فضائل الصدقة
للصدقة شأن عظيم في الإسلام ؛ فهي من أوضح الدلالات وأصدق العلامات على صدق إيمان المتصدق ، وذلك لما جبلت عليه النفوس من حب المال والسعي إلى كنزه ، فمن أنفق ماله وخالف ما جُبِل عليه، كان ذلك برهان إيمانه وصحة يقينه ، وفي ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( والصدقة برهان ) أي برهان على صحة إيمان العبد ، هذا إذا نوى بها وجه الله ولم يقصد بها رياء ولا سمعة .
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد: يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ[الحديد:11]. هذه الآية فيها حث وترغيب على الإنفاق في سبيل الله، فيقول الله سبحانه: ((مَنْ ذَا الَّذِي)) أي: من هو هذا الرجل؟ ومن هو هذا الشخص ((الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا)) ؟ ……
شروط القرض الحسن
والقرض الحسن ضبطه العلماء بضوابط، فقالوا: كي يكون القرض حسناً ينبغي أن تتوافر فيه شروط: منها: أن يكون هذا القرض من كسب طيب؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا [المؤمنون:51]، وقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ [البقرة:172]، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب! يا رب! ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنّى يستجاب لمثل ذلك؟!!)، وفي مطلع هذا الحديث قال عليه الصلاة والسلام: (إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً)، فمن شروط القرض الحسن أن يكون من كسب طيب. ومن شروط القرض الحسن: أن يبتغى به وجه الله سبحانه وتعالى؛ فإن الله سبحانه وتعالى قال: وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ [الروم:39]. ومن شروط القرض الحسن: ألا يتبعه منٌ ولا أذى؛ فإن المنّ والأذى يبطلان الصدقات، قال الله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى [البقرة:264]. وأيضاً: ألا يكون مع هذا القرض الحسن هتك ستر ولا فضيحة لمن تُصدق عليه، ولذلك جاءت الأوامر بإخفاء الصدقات، قال الله سبحانه وتعالى: وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ [البقرة:271]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه) فللقرض الحسن شروط، وقد فهم هذه الآية الكريمة صنفان من الناس، فصنف فهمها على الوجه اللائق بها، وعلى مراد الله سبحانه وتعالى، وصنف آخر جاهل فهمها على وجه آخر، وهذا الصنف الغبي الجاهل هم اليهود، جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: يا محمد! إن ربك فقير يسألنا الصدقة. وفيهم يقول ربنا سبحانه: لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ * ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [آل عمران:181-182]. والصنف الآخر الذي فهمها على الوجه اللائق بها هم أهل الإيمان، فلما سمع أبو الدحداح الأنصاري رضي الله تعالى عنه هذه الآية قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله سبحانه وتعالى يقول: ((مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ)) وإني أشهدك -يا رسول الله!- أن حائطي -أي: بستان له كان به نخل كثيرة- صدقة لله ورسوله أرجو برها وذخرها عند الله سبحانه. فأثنى النبي صلى الله عليه وسلم عليه بقوله: (ربح البيع أبا الدحداح)، فانطلق هذا الرجل إلى زوجته وأولادهما في البستان، فقال لهم: إني قد أقرضت ربي عز وجل هذا الحائط. فخرجت تجمع عليها ثيابها وتأخذ بين يديها أولادها، مثنية على فعل زوجها، راضية بهذا الفعل، وتركوا الحائط لله ورسوله! فالله سبحانه يقول: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ . والتضعيف قد يصل إلى سبعمائة ضعف، وقد يزيد على السبعمائة ضعف، وقد يكون إلى عشرة أضعاف فقط، فإن الله سبحانه وتعالى قال: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا [الأنعام:160]، وقال سبحانه: مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ [البقرة:261]، ثم قال تعالى: وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ [البقرة:261]، وقال النبي صلوات الله وسلامه عليه: (من تصدق بصدقة من كسب طيب -ولا يقبل الله إلا الطيب- فإن الله يتقبلها منه، فيربيها له كما يربي أحدكم مهره أو فلوّه، حتى تأتي يوم القيامة كالجبل العظيم)، ولا اعتراض على أفعال الله سبحانه، ولا على رزق الله سبحانه، فقد تتصدق بجنيه واحد، ويتصدق أخ لك بجوارك بجنيه ، وثالث يتصدق بجنيه، لكن ربنا يضاعف لهذا صدقته إلى ملايين، ويضاعف لذاك صدقته إلى سبعمائة، ويضاعف لهذا صدقته إلى عشر أمثالها، وذلك كله مرده إلى الله سبحانه وتعالى، فجدير بمن تصدق أن يطلب من الله سبحانه تضعيف الأجر ومزيد الثواب.