قصة ذي القرنين
لقد حكى الله قصة ذي القرنين في سورة واحدة من سور القرآن،
ألا وهي: سورة الكهف، قال تعالى:
وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا * إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا *
فَأَتْبَعَ سَبَبًا * حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ
إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا* قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا *
وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا * ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا *
حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا *
كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا * ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا *
حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا *
قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا *
قَالَ مَا مَكَّنِي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا *
آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا *
فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا *
قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا [الكهف:83-98].
من هو ذي القرنين
ذو القرنين عبد صالح، اختلف أهل التفسير في نبوته، لكن لا يستطيع أحد أن يجزم بذلك.
هذا الرجل تبدأ قصته بسؤال المشركين للنبي المصطفى عن ذي القرنين،
في قوله تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ [الكهف:83]، ويأتي الجواب من الله جل وعلا: (قل) يا محمد!
وكلمة (قل) يسميها علماء التفسير وعلماء اللغة (قل) التلقينية، أي: القصة ليست من عند رسول الله،
بل هي وحي من عند الله جل وعلا، يأمر به المصطفى أن يقول لمن سأل عن ذي القرنين :
قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا [الكهف:83]،
وكلمة (منه) من فيها هي التبعيضية، أي: سأتلو عليكم بعض الشيء من قصته،
ولا أتلو عليكم قصة ذي القرنين بكامل فصولها، كما ذكر القرآن قصصاً بكاملها في كثير من السور،
كقصة يوسف وقصة موسى، بل سأتلو عليكم منه ذكراً، سأتلو عليكم بعض الشيء من قصة ذي القرنين .
ولو علم الله في الزيادة عن النص القرآني خيراً لذكرها لنا. فلنقف عند ما ورد في القرآن،
وعند ما ثبت في حديث النبي عليه الصلاة والسلام
التمكين في الأرض من الله – عز وجل –
إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ [الكهف:84]، فمن الذي مَكَّنَ لـذي القرنين؟ الله.
وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا [الكهف:84]، الذي مكن له هو الله، أعطاه من الأسباب ما استطاع به أن يفتح
وأن ينتصر وأن يجوب البلاد شرقاً وغرباً وشمالاً.. إلخ.
ولفظة التمكين إن فتشت عنها في القرآن سترى أنها في كل مرة وردت تُنسب إلى الله رب العالمين،
وهذه قاعدة إيمانية ينبغي أن تؤصل في القلوب. فالذي يُمَكِّن للدول والأمم والشعوب هو الله،
والذي يمكن لهذا الحاكم هو الله، والذي يأمر بزوال وهلاك هذا الحاكم هو الله،
فيجب علينا جميعاً أن تتعلق قلوبنا بالملك الذي يفعل كل شيء، مع الأخذ بالأسباب،
فهذا من حقيقة التوكل على الله عز وجل. لا تسود أمة إلا بإذن الله، ولا تزول أمة إلا بإذن الله،
ولا يسود حاكم إلا بإذن الله، ولا يزول حاكم إلا بإذن الله إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ [الكهف:84].
وقال الله تعالى: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ
وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران:26]
ثم قال الله تعالى: وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا * فَأَتْبَعَ سَبَبًا [الكهف:84-85]،
أي: بأسباب التمكين والنصر والفتح والظهور. فهناك من الأمم من يمكّن الله لها، فتأخذ بأسباب التمكين،
فيزيدها الله ثباتاً وتمكيناً، فإن فرطت أذهب الله عنها التمكين. وهناك من الحكام من إذا مكن الله له أخذ بوسائل التمكين، فزاده الله رفعة ونصراً فإن فرط في هذه الأسباب والوسائل أمر الله عز وجل بزواله وهلاكه.
ويبدأ ذو القرنين الرحلة الجهادية الأولى في سبيل الله نحو المغرب.
قال تعالى: حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا [الكهف:86]
ومن المعلوم أن الشمس ليس لها مشرق واحد ولا مغرب واحد، بل لها عدة مشارق ولها عدة مغارب.
قال تعالى: فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ [المعارج:40]
لها مشارق ومغارب بحسب فصول السنة وأيامها وشهورها،
لها مشارق ومغارب بحسب الأماكن،لها مشارق ومغارب بحسب رؤية الرائي إلى قرص الشمس أثناء الشروق أو الغروب.
حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ [الكهف:86] فبيّن ذو القرنين منهجه العادل ودستوره الحكيم،:
أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا [الكهف:87]
وأما من آمن ووحد الله عز وجل واستقام على منهج الله، فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا [الكهف:88].
رحلة ذي القرنين الثانية
ثم انطلق نحو المشرق :
قال تعالى:حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا [الكهف:90]
لا يحمي هؤلاء الناس والقوم شيء على الإطلاق، لا يحول بينهم وبين الشمس شيء.
ثم قال سبحانه وتعالى: كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا [الكهف:91]، أي: علم الله عز وجل كل ما يدور في
قلبه وفي نفسه.
رحلة ذي القرنين الثالثة
-قصة قوم يأجوج ومأجوج-
وتبدأ الرحلة الثالثة وهنا تُذكر قصة قوم يأجوج ومأجوج :
قال الله تعالى:حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ [الكهف:93] بين جبلين عظيمين.
وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا [الكهف:93]. لا يعرفون لغة ذي القرنين،
أو لا يستطيعون أن ينفتحوا على غيرهم من الأمم، فهم قوم منعزلون على أنفسهم، تعرضوا لأشد الهجمات،
وأعنف الضربات على يد يأجوج ومأجوج، فلما رأوا ذا القرنين الملك الفاتح العادل، توسلوا إليه، وانطلقوا وقوفاً بين يديه،
وقالوا: قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا [الكهف:94].
هل نبذل لك من أموالنا ما تشاء وما تريد، على أن تبني لنا سداً منيعاً يحمينا من يأجوج ومأجوج؟
فرد عليهم بزهد وورع وقال: لا حاجة لي في أموالكم مَا مَكَّنِي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ [الكهف:95].
لقد أعطاني الله عز وجل من وسائل التمكين ما أغناني به عن مالكم، ولكنه لمح فيهم الكسل،
فأراد أن يشركهم في هذا المشروع العظيم، وفي هذا العمل الضخم، فقال لهم:
ولكن! فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا [الكهف:95]
أي: قال بلغة العصر: أما عن التخطيط الهندسي والمعماري والإنفاق المادي لبناء هذا السد، ولإقامة هذا المشروع،
فسنتكفل بذلك، ولكننا في حاجة إلى العمال؛ يحملون ويبنون ويقيمون هذا العمل،
فأعينوني بقوة من أنفسكم أجعل بينكم وبينهم ردماً.
وأمر ذو القرنين -المهندس البارع الذي سبق علماء الهندسة المعاصرين بعدة قرون- بالبدء في المرحلة الأولى
من مراحل هذا المشروع، فقال: آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ [الكهف:96] ، أي: اجمعوا لي قطع الحديد الضخمة.
فانطلق هؤلاء وجمعوا قطع الحديد الضخمة، وأمرهم بوضع هذه القطع في مكان ضيق بين هذين السدين،
فلما وضعت قطع الحديد وساوت قمة الجبلين قال: انفخوا تحت هذه القطع النار المشتعلة التي تصهر هذا الحديد،
ولك أن تتصور حجم هذه النيران التي اشتعلت لتصهر أطناناً من الحديد، لا يعلم وزنها إلا العزيز الحميد،
أشعل النيران تحت هذا الحديد بين السدين حتى ذاب الحديد وانصهر،
وكان يريد بذلك أن يسد على يأجوج ومأجوج الطريق الذي ينفذون منه إلى هذه الأمم المسكينة المغلوبة على أمرها!!
ثم أمر ذو القرنين أن يدخلوا في المرحلة الثانية من مراحل البناء، ألا وهي أن يذيبوا النحاس حتى ينصهر.
فلما انصهر النحاس، أمرهم بصب النحاس على الحديد، فتخلل النحاس مع الحديد،
فأصبح النحاس والحديد معدناً واحداً؛ ليزداد صلابة وقوة، فلا يستطيع قوم يأجوج ومأجوج أن يتسلقوه أو أن ينقبوه.
وبذلك يكون قد سبق العلم المعاصر في تقوية الحديد بالنحاس، واستطاع أن يساوي بين الصَّدَفين بهذا الحديد وبهذا النحاس؛
وبعمله هذا تتبين لنا سمات القيادة الفذة، وسمات القيادة الناجحة، التي تستطيع أن تجمع بين الخيوط والخطوط،
والتي تستطيع أن تجمع بين المواهب والطاقات والقدرات والإمكانيات؛ لتستغل الموارد والطاقات أعظم استغلال.
للشيخ: محمّد حسّان
زادك الله علوا ورفعة وهمة أخيتي علو الهمة.
وعليكِ السلام ورحمة الله وبركاته
سعيدة بوجودكِ بيننا بالدار ^ ^
الله يحفظك ()
همنا هو قرائتها
لم يهمنا يوم ان نطلع على معانيها
:
اسأل الله العظيم رب العرش الكريم ان يرزقك الخير والبركة والصحة والعافية ويحقق امانيك ويستجيب دعائك وجمييع المسلمين
آآآآمييين
سأبذل جهدي في نشرها واجرك من عند الله
حببي
سبحان الله عبد صالحا ملك الدنيا ولكن كان كل عمله خالصا لله مسلِّما له
اسال الله ان يجعل اعمالنا خالصة لوجهه الكريم..
بارك الله فيكِ ولكِ امتعتينا بالقصص الجميلة
Sent from my SM-N910C using منتديات لكي mobile app
حبيباتي ..
شاكرة لكم مُتابعتكم الطيّبة التي هي سبب استمرارنا ()
شكر الله إليكم
ملاحظة:
قصة قوم يأجوج ومأجوج ذُكرت مع قصة ذي القرنين
في الرحلة -3-
قصة فيها الكثير الكثير من المواعظ والعبر
جزاك اللة خير علو وجعلها في موازين حسناتك