خرجت من بيتها تتحامل على عصاً خشبية وفي خطى بطيئة أخذت تسير في شارع فسيح، كان الزحام شديد والأجساد تتصارع بدون أعين وكأنهم عميان في سرعة ليس لها مبرر. وأرادت أن تعبر الشارع لتصل إلى الجهة الأخرى لتستوقف سيارة أجرة وكانت هذه أول مشكلة فالسيارات تجري بلا رحمة ولا نظام ولا مجال لمن يريد أن يعبر إلا أن يجري بين السيارات عندما تبطئ، ولكن كيف لها أن تجري وهي تجر أرجلها جراً. ظهرها المنحني وعصاتها الخشبية لم تلفت نظر العميان من سائقي السيارات ليقف لها ولم يثر انتباه أحد المارة بمساعدتها.
زمن مُر لم يعد فيه شفقة ولا رحمة على عجوز ضعيفة، لم يعد فيه احساس بالأم. وبعد فترة طويلة استطاعت أن تعبر باعجوبة للناحية الأخرى من الشارع المزدحم لتوقف سيارة أجرة، وكان هذا هو الجهاد الأكبر، فلا حياة فيمن تنادي وكأن العجوز بعصاتها أصبحت كائن غير مرئي. ظلت مدة طويلة واقفة على أرجلها التي تحملانها على وهن مستندة إلى عصاها التي كادت أن تنطق من ظلم البشر حتى وقف لها سائق وكأن سيارته هبطت عليها من السماء.
وارتمت العجوز في تعب شديد على المقعد الخلفي ووصفت له عنوان طبيبها فقد كان هذا موعدها الدوري لدى الطبيب لكن ابنها الوحيد مشغول لم يستطع توصيلها، وزجها قد رحل عنها بل عن الدنيا كلها – محظوظ لم يكبر به العمر في هذا الزمن الصعب ، وأخواتها تفرقوا في بلاد الله ولا يربطها بهم سوى زيارة سنوية، والصديقات تساقطوا مثلما تساقطت سنين العمر، ولم يعد لديها سوى ابنها المشغول وأسرته الصغيرة التي تزورها مرة في الاسبوع، عدا ذلك وحدة وصمت وتعبد و …. انتظار للموت.
وفي الطريق تذكرت الشباب وعنوانه، الرقة والحب والجمال والنشاط والحركة والبهجة، واسترجعت شريط الذكريات من أحداث جميلة محفورة بالذاكرة وأحزان لم تبرح القلب، ولم تجد من الصورة السابقة أي شبه بالصورة الحالية، فأين الوجه المشدود والمشية الثابتة والبصر الثاقب والصوت الرخيم أين كل هذا بهذه التجاعيد التي أخفت ملامح الوجه والبصر الضعيف والصوت الواهن.
هي محظوظة بلا شك أنها عاشت حتى هذا العمر حتى رأت أحفادها وشهدت نجاح ابنها أو نقول أه نجاحها، هي محظوظة أن العمر قد طال بها حتى تستزيد من العبادة والقرب من الله، ولكنه الزمن الصعب الذي لا يرحم عجوز ضعيفة. وتذكرت جدتها التي ظلت حتى آخر لحظة في العمر محاطة بالأهل والجيران وتذكرت حال وحدتها وتساءلت هل ستموت أيضاً وحيدة.
لنفكر ألف مرة في ضعفنا بعد قوتنا ولنتق الله في كبار السن من حولنا فهم في يوم ما حملونا دون تعب أو كلل وجاء دورنا لنرد لهم جزء صغير من جميلهم علينا، عسى أن نجد من يحملنا (في حب) يوم لا تحملنا أرجلنا.
أتعرفين أختي كنت أنوي تقديم هذه الفكرة في مشاهدي
لكنك تناوليتها بقوة وبتصوير رائع وحقيقي فكم من مرة
رأينا هذه المأساة والتي للأسف لم تعد تثير شفقة الناس
دامت أفكارك متجددة ..
دام قلمك مبدعا….
ابداع تلو ابداع
غاية في الروعة اختي فاستمري في المزيد
في الانتظار
حفظك الله ورعاك
شكراً لكي ولكن لا تحرمينا فكرتك أيضاً فليس هناك سباق بل هناك من يحاول تقريب الأفكار وتبسيطها والهدف في النهاية ارجاع القيم التي نامت منذ زمن ورفع هامة الإسلام بالخلق القويم. صدقيني أختي ليس في يدنا ما يمحو الصور الخاطئة عن ديننا إلا ببالخلق الحميد خلق الإسلام.
أظهري ما كنتي تنوين كتابته وسأكون أول القارئين والمستفيدين باذن الله.
أعتز بنقدك ومرورك الغالي
كلماتك رائعه جدا وفعلا فانا عندما اجلس لوحدي اتذكر هذه المناظر
التي تمر علينا
واتخيل نفسي في هذا المنظر ولكن الشي الذي لااعرفه هل ساجد احد
بجواري او اذا كبرنا نصبح على هامش الحياه .
ولكن تحدثني نفسي انه كلما زرعــــــــــــــــــــت الخيـــــــــــــــــــــــــــر
ساجني محصوله فيما بعد.
ودمتى غاليتي……………
وأتفق معك في أننا إذا زرعنا الخير جنيناه
لذا نريد أن ننبه العقول لذلك
لأن في بعض الأحيان يأخذنا عنفوان الشباب
ولا نرى في طريقنا من هم أضعف
وننسى أننا ستدور بنا الأيام لنكون نحن الأضعف
شكراً على المرور الكريم
سلامي ,, خولة
لمــا جرى الماء نفع … ولمـــا تواضع الدر رفـٌـع … ولمــا هوى السيف قطع
*******************************
اسلوب رائع في التذكير والنصح …..
في انتظار باقي السلسله
*******************************
اسئل الله لي ولكم صحه وعافيه وان يمتعنا بقوتنا ماعشنا في هذه الدنيا الفانيه ،،،
والله اسئل ان يرزقنا برا بأبائنا وامهاتنا .. وان يقذف في قلوبنا الرحمه لشيوخنا واطفالنا…
جزاك الله خيرا على ماقدمتي
الجنة أريد أشكرك على ردك وسأحاول معكم التواصل في هذه المفارقات علها تدق ناقوس الخطر على عقول الغافلين