وبدوري اقول لكل من فقد عزيز:
أخي المصاب بفقد حبيب أو فراق عزيز – آجرك الله في مصيبتك – ، وأخلف لك خير منها – إن لله ما أخذ ولله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى ، فاصبر واحتسب ، ودع الجزع فإنه لا يفيد شيئاً ، بل يضاعف مصيبتك ، ويفوت عليك الأجر ويعرضك للإثم .
أخي – رزقك الله الصبر والاحتساب – إليك في هذه الأسطر بعض الأمور التي تخفف عليك مصيبتك ، وتهون وقع البليّة في قلبك .
*
أولاً
: الإيمان بالقضاء والقدر وأن ما أصابك من الفجيعة بفقد حبيبك إنما هو بقدر الله ، لم يأت من عدو ولا حاسد ، وإنما هو من أرحم الراحمين ، وأحكم الحاكمين ، قال تعالى : ( قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (التوبة:51) ، وقال تعالى : ( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ )(التغابن: من الآية11) ، وقال عليه الصلاة والسلام: ( كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة ) رواه مسلم .
*
ثانياً
: العلم بأن الموت سبيل كل حي ، وأن الجميع مصيرهم إليه . قال تعالى : ( كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ، وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ) (الرحمن: 26 ، 27 )
فكل مخلوق سوف يموت قال الشاعر :
وما الناس إلا هالك وابن هالك ****** وذو نسب في الهالكين عريق
*
ثالثاً
: تذكر أن هذه الحياة معبر وطريق إلى الآخرة ، وأن الجميع مسافرون إليها ، وسيستقرون هناك ، وحينئذ يجتمع المسلم بحبيبه وقريبه في الجنة في نعيم دائم ، وحياة أبديّة فسل نفسك وعللها بقرب اللقاء ، فالموعد هناك إن شاء الله تعالى ، قال بعضهم – وقد مات ابن له :
وَهَوّن ما ألقى من الوجد أنني ****** أجاوره في داره اليوم أو غدا
*
رابعاً
: أن تعلم أن الدنيا دار ابتلاء وامتحان ؛ ولذا فهي مليئة بالمصائب ، والأكدار ، والأحزان ، كما قال تعالى : ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) (البقرة:155) ، وقال تعالى: ( لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي كَبَدٍ) (البلد:4)
*
خامساً
: اعلم أن الجزع لا يفيد ، بل يضاعف المصيبة ، ويفوّت الأجر ، ويعرّض المرء للإثم . قال علي بن أبي طالب – رضي الله عنه -: ( إن صبرت جرت عليك المقادير وأنت مأجور ، وإن جزعت جرت عليك المقادير وأنت مأزور)
وقال بعضهم :
( المصيبة للصابر واحدة وللجازع اثنتان )
*
سادسا
: أن تتذكر أن العبد وأهله وماله ملك لله – عز وجل – فله ما أخذ ، وله ما أعطى ، وكل شيء عنده بأجل مسمى ، قال لبيد :
وما المال والأهلون إلا ودائع ****** ولا بد يوماً أن ترد الودائع
*
سابعا
: التعزّي بالمصيبة العظمى ، وهي مصيبة فقد النبي صلى الله عليه وسلم كما قال عليه الصلاة والسلام : ( إذا أصاب أحدكم مصيبة فليتذكر مصيبته بي ، فإنها أعظم المصائب ) رواه ابن سعد وصححه الألباني. فلن تصاب الأمة بعد نبيها بمثل مصيبتها بفقده عليه الصلاة والسلام .
*
ثامناً
: الاستعانة على المصيبة بالصلاة ، قال تعالى : ( وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ )(البقرة: من الآية45) وقد : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزَبَهُ أمر صلى ( رواه أبو داود وحسنَ سنده ابن حجر ، ومعنى حزَبَهُ : أي نزل به مهم أو أصابه غم . ولما أُخبر ابن عباس بوفاة أحد إخوانه استرجع وصلى ركعتين أطال فيهما الجلوس ثم قام وهو يقول : ( واستعينوا بالصبر والصلاة) قال ابن حجر أخرجه الطبري بإسناد حسن). ومعنى استرجع : قَال إنا لله وإنا إليه راجعون.
*
وفي الختام
: أسأل الله أن يرحم موتاكم ويغفر لهم وأن يفسح لهم في قبره ، وينوّر لهم فيه ، وأن يدخلهم برحمته فسيح جناته ، إنه سميع مجيب . ولا تغفل – أخي المصاب – عن الدعاء لميتك فهو بحاجة إليه ، وهو أعظم ما تهديه إليه .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
تحيااااااااااتي