تخطى إلى المحتوى

موسوعه فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله 2024.

السلام عليكم ورحمه الله

مجموعه فتاوى للشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله

ان شاء الله متتجددة ومتنوعه للامور الفقهيه

السؤال :
في السنوات الماضية اجتمع أهل القرى عندنا من النساء وأقمن صلاة العيدين على أكمل وجه وكانت تؤم المصلين امرأة متفقهة والحمد لله وسبب تجمعهن أن مصلى العيد للرجال بعيد يقدر بساعتين سيراً على الأقدام؛ ولأن الرجال لا يسمحون لهن بذلك، فما حكم ما فعل أولئك النساء وهل هو من البدعة؟

الجواب :
لا أعلم في ذلك حرجاً؛ لأن صلاة العيد مشروعة للرجال والنساء، والسنة الخروج لها في الصحراء، وإذا لم يتيسر للنساء الخروج حتى يصلين مع الرجال صلين في بيوتهن فرادى أو جماعات لا حرج في ذلك، ولهن أجر كبير في ذلك.

حكم رفع اليدين في الدعاء والإمام يخطب

السؤال :
في أثناء الخطبة يقوم الخطيب بالدعاء رافعاً يديه إلى السماء والناس يؤَمنون على دعاءه بقولهم: آمين، وقد سمعنا من خلال برنامجكم أن هذا غير جائز أي أن: التأمين على دعاء الخطيب غير وارد.

سؤالي: ماذا يفعل الجالسون إذا قام الخطيب بالدعاء بصوت مرتفع هل يرفعون أيديهم معه أم ماذا يفعلون؟ وأرجو أن تفيدونا عن الأفضل للخطيب فعله في الخطبة هل هو تطويلها أم اختصارها، وما هي المواضيع التي تفضلون للخطيب أن يتناولها، هل هي سرد القصص أم بيان الأمور الفقهية أم فيما يخص العقيدة؟ أرشدونا إلى الصواب، وجزاكم الله عنا كل خير.

الجواب :
المشروع للخطيب الاقتصاد في الخطبة وعدم التطويل، قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: ((إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة))[1] خرجه مسلم في صحيحه من حديث عمّار بن ياسر رضي الله عنه، فهذا يدل على أن السُنة والأفضل أن يُطيل الصلاة ويُقصر الخطبة تقصيراً لا يخل بالمقصود، ويُشرع له أن يتحرى ما يحرك القلوب ويقربها من الله ويباعدها من أسباب غضبه، ويجب أن يذكر في خطبته ما يحتاج الناس من الأحكام الشرعية، وبيان ما أوجب الله وما حرم الله، ويكون فيها تحريك القلوب بالوعظ والقصص المفيدة النافعة والآيات القرآنية التي فيها الوعظ والتذكير والترغيب والترهيب، ولا يرفع يديه في الخطبة إلا في الاستسقاء إذا كان يستغيث يطلب السقيا ويطلب المطر يرفع يديه، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم لمّا استسقى في خطبة الجمعة رفع يديه، أما الخطبة العادية التي ليس فيها استسقاء فلا يشرع فيها رفع اليدين بل يدعو من دون رفع يديه هكذا السنة، والمأموم إذا أمّن بينه وبين نفسه على الدعاء فلا حرج عليه إن شاء الله، ولا يرفع يديه، المأموم كالإمام لا يرفع يديه إلا في الاستسقاء، والمأمومون كذلك يرفعون أيديهم إذا رفع الإمام في الاستسقاء، أما خطب الجمعة العادية فإنه لا يرفع فيها، وهكذا خطب العيد لا يرفع فيها، الرفع في خطبة الاستسقاء خاصة، كما تقدم، ولما ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام.

السؤال :
في الصلاة الرباعية قام الإمام للخامسة سهواً فتبعه بعض المصلين والبعض انتظر لغاية ما أتى بالخامسة وسلم أيهما عمله الصحيح؟

الجواب :
كل صلاته صحيحة فالذي قام جاهلاً صلاته صحيحة والذين عرفوا أنها زائدة وانتظروا حتى يسلم الإمام صلاتهم صحيحة وهو الواجب عليهم وإن عرف المأموم أنها زائدة لا يقوم بل يجلس وينتظر حتى يسلم وينبه الذي ما عنده خبره يقوم ليتابع الإمام؛ لأن الأصل متابعة الإمام وكلهم صلاتهم صحيحة إن شاء الله.

السؤال :
قام رجل يتم صلاته ثم دخل رجل آخر إلى المسجد فأتم به فما حكم فعله هذا؟

الجواب :
لا حرج في ذلك، وإن قضى كل واحد لنفسه فهو أفضل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما فاتته ركعة من الصلاة هو والمغيرة قضى كل واحد منهم ما بقي وحده كما في صحيح مسلم عن المغيرة بن شعبة في غزوة تبوك قال: (ذهب النبي صلى الله عليه وسلم ليقضي حاجته في صلاة الفجر فلما جاء توضأ وكان عليه خفّان فلما أردت أن أنزعهما ليغسل رجليه، قال: ((يا مغيرة دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين))[1] فمسح عليهما قال: ثم ذهبنا إلى مكان الجيش فوجدناهما قد قدموا عبد الرحمن بن عوف ليصلي بهم فجاء النبي صلى الله عليه وسلم وقد صلى عبد الرحمن ركعة فلما رآه عبد الرحمن أراد أن يتأخر فأشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن يستمر وأن يكمل صلاته، ثم صفّ النبي صلى الله عليه وسلم ومعه المغيرة مع الناس وقد فاتهم ركعة، فلما سلّم عبد الرحمن قام النبي صلى الله عليه وسلم والمغيرة كل على حدة يقضي الركعة التي فاتته)). فدل هذا على فوائد، منها أنه إذا تأخر الإمام عن عادته شُرِع للمأمومين أن يقدموا من يصلي بهم ولا يلزمهم أن ينتظروه، ولا يجوز له أن يعترض عليهم، ومنها أن الإنسان إذا فاته شيء في صلاته فإنه يقضي ما فاته بعد التسليم.

السؤال :
بقربي مسجد ولكنه بدون إمام، فهل يجب علي أن أصلي فيه وإذا كان في هذا المسجد إمام فهل علي إثم إن صليت في بيتي؟

الجواب :
الواجب عليك الصلاة في الجماعة وليس لك أن تصلي في بيتك حتى ولو كان المسجد ليس فيه إمام فعلى جماعة المسجد أن يقدموا أقرأهم وأفضلهم فيصلي بهم، ولا يجوز لك ولا لغيرك الصلاة في البيت وترك الجماعة لقوله صلى الله عليه وسلم: ((من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر))[1] العذر هو المرض والخوف ونحوهما مما يمنع الإنسان أن يذهب للمسجد وقد ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه جاءه رجل أعمى يستأذن أن يصلي في بيته وذكر له أنه ليس له قائد يقوده إلى المسجد فقال له صلى الله عليه وسلم: ((هل تسمع النداء للصلاة، قال: نعم، قال: فأجب))[2] فإذا كان الأعمى الذي ليس له قائد يؤمر بالإجابة، فكيف بغيره ممن عافاهم الله.

السؤال :
لقد تعودت أن أقرأ في ركعتي الضحى آيتي الشكر. الآية: {وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ}[1] الآية. أيضاً الآية من سورة الأحقاف: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ}[2] الآية. هل أعد مبتدعاً أو أني مخير بأن أقرأ ما أريد من كتاب الله؟

الجواب :
لا حرج عليك أن تقرأ ما تيسر من القرآن ما لم تعتقد بأن هذا سنة خاصة. هذا لا أصل له ولكن مثل ما قال ربك سبحانه وتعالى: {فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ}[3] الآية. فإذا قرأت ما تيسر فلا حرج عليك. أما إن تعمدت آيتين مخصوصتين وأنهما سنة وحدهما فهذا لا أصل له؛ لأن البدعة لا تجوز في الشرع ولا أحد يقول هذا سنة وهذا بدعة إلا بدليل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد))[4] فإذا كنت إنما أردت أنهما آيتان عظيمتان وأحببت القراءة بهما من دون أن تعتقد أنهما سنة خاصة دون غيرهما فلا بأس.

السؤال :
نويت إن استيقظت في منتصف الليل لأصلي الوتر وعندما استيقظت مبكراً صليت قبل أن أصلي الوتر لكن أخذني الوقت قبل أن أصلي الوتر فأذن الفجر فهل أصلي الوتر بعد دخول صلاة الفجر أو أصلي الفجر وأترك الوتر لما بعد الصلاة؟

الجواب :
إذا أذن الفجر ولم يوتر الإنسان أخَّره إلى الضحى بعد أن ترتفع الشمس فيصلي ما تيسر، يصلي اثنتين أو أربعاً، اثنتين اثنتين فإذا كانت عادته ثلاثاً ولم يصلها، صلاها الضحى أربعاً بتسليمتين، وإذا كانت عادته خمساً ولم يتيسر له فعلها في الليل صلاها الضحى ستاً بثلاث تسليمات وهكذا كان عليه الصلاة والسلام – في الغالب – يوتر بإحدى عشرة فإذا شغله مرض أو نوم صلاها من النهار اثنتي عشرة ركعة هكذا قالت عائشة رضي الله عنها، إن صلاها اثنتي عشرة يعني ست تسليمات، يسلم من كل اثنتين عليه الصلاة والسلام هذا هو المشروع للأمة اقتداءً به عليه الصلاة والسلام.

السؤال :
في إحدى المرات بعد أن دخلت في الصلاة وقرأت الفاتحة، وعند قراءة السورة أشكلت عليّ ورددتها أكثر من مرتين ولم أفلح، وأخيراً قطعت الصلاة، وأعدت تكبيرة الإحرام، وقرأت ثانية فهل صلاتي هذه صحيحة، وماذا أفعل إذا تكرر ذلك مرة ثانية، أفيدونا جزاكم الله خيراً؟

الجواب :
ما كان ينبغي لك أن تقطع الصلاة فإن العمدة في قراءة الفاتحة، فإذا قرأ الإنسان الفاتحة فقد حصل الفرض وما زاد عليها فهو مستحب، وقولك السورة لم نعرف المراد بالسورة، فإن كان المراد بالسورة قراءة سورة زائدة أو آية زائدة فهذه السورة غير واجبة بل مستحبة، وإذا تركها الإنسان وركع ولم يقرأ زيادة على الفاتحة أجزأه ذلك.

أما إذا كان مرادك بالسورة شأناً آخر فينبغي أن توضحه في سؤال آخر. والمقصود أن مثل هذا لا يقطع الصلاة، إذا كان المقصود من كلامك أنك التبس عليك الأمر في قراءة زيادة على الفاتحة، ولم يتيسر لك قراءة آيات ولا سورة، بل اشتبه عليك الأمر فإنه ليس لك أن تقطع الصلاة، بل وترك ذلك لا بأس به وتكفيك الفاتحة.

السؤال :
تقول السائلة عن نفسها أنا امرأة في الثالثة والعشرين من العمر أصلي منذ الصغر، وقائمة بما أوجب الله علي من أمور وواجبات والحمد لله، إلا أنني أصبت ومنذ سنتين بمرض ألا وهو الشك والوساوس، فإذا قرأت القرآن وذكرت الله أشعر بالراحة والاطمئنان، ولكن ما إن أنتهي من القراءة وأغفل عن ذكر الله حتى تتملكني الوساوس والشكوك فيصيبني بذلك خوف شديد، فبماذا تنصحونني جزاكم الله خيراً؟ وهل يأثم الإنسان ويعاقب بسبب الشك أفتونا مأجورين؟

الجواب :
ننصحك باستحضار عظمة الله وأنكِ بين يدي الله في الصلاة، والصلاة قرة عين المؤمن والمؤمنة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((جعلت قرة عيني في الصلاة))[1] ونوصيك باستحضار عظمة الله وأنكِ بين يدي الله يراك ويسمع كلامك وقراءتك، فاتقي الله واحضري بقلبك واحذري الوساوس والأفكار التي تشغلك عن الصلاة، ومتى صدقت في هذا أزال الله عنك هذه الوساوس والأفكار، واستقام لك قلبك وخشعتِ في الصلاة، وإذا كثر هذا معك شرع لك أن تستعيذي بالله من الشيطان الرجيم ولو بالنفث عن يسارك ثلاث مرات. تنفثين عن يسارك ثلاث مرات وتقولين: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بعض الصحابة بذلك ففعل ونجح وسلم، فلا مانع من أن تستعيذي بالله من الشيطان وتنفثي عن يسارك ثلاث مرات في الصلاة إذا كثرت الوساوس، ولكن بالصدق مع الله وإحضار القلب مع الله والخشوع بين يديه وتذكر عظمته سبحانه وتعالى تزول هذه الوساوس.

السؤال :
هل تغطية الرأس واليدين والقدمين واجبة عند سجود التلاوة في حق المرأة؟

الجواب :
ليست التغطية المذكورة واجبة؛ لأن سجود التلاوة ليس صلاة في أصح قولي العلماء وإنما هو خضوع لله، وذلٌ بين يديه، كالقراءة والذكر ونحو ذلك.

وقال بعض أهل العلم: إنه كالصلاة لا بد من الطهارة، ولا بد من ستر العورة، فإذا سجدت المرأة بتستر فهذا أفضل وأولى؛ خروجاً من خلاف العلماء. وهكذا إذا كانت على طهارة فهو أفضل، وهكذا الرجل وسجوده على طهارة أفضل، لكن لا يجب الطهارة في سجود التلاوة وسجود الشكر. فلو سجدت المرأة ورأسها مكشوف أو هي على غير وضوء، فالسجود صحيح ولا حرج في ذلك كالرجل في أصح قولي العلماء؛ لعدم الدليل المقتضي لاشتراط الطهارة، فإن سجود التلاوة يعرض للإنسان وهو يقرأ القرآن عن ظهر قلب، وهو على غير طهارة، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالطهارة. وقد ثبت عن ابن عمر رضي الله عنه ما يدل على أنها ليست بشرط. وأنه لا مانع من السجود على غير طهارة. فالحاصل أن سجود التلاوة وسجود الشكر لا يشترط لها الطهارة. فإنه لو بشر بولدٍ له أو فتح إسلامي أو بأمر يسر المسلمين فسجد شكراً لله فلا بأس، ولو كان على غير طهارة. ولما بلغ الصديق رضي الله عنه مقتل مسيلمة الكذاب سجد لله شكراً

السؤال :
ما حكم الصلاة بالملابس الضيقة للرجال؟ وهل يصلي بالناس من يرتديها؟

الجواب :
الملابس الضيقة يكره لبسها للرجال والنساء جميعاً، والمشروع أن تكون الملابس متوسطة، لا ضيقة تبين حجم العورة ولا واسعة ولكن بين ذلك. أما الصلاة فهي صحيحة – إذا كانت ساترة – ولكن يكره للمؤمن تعاطي مثل هذه الألبسة الضيقة وهكذا المؤمنة. يكون اللباس متوسطاً بين الضيق والسعة. هذا هو الذي ينبغي.

السؤال :
إذا وجد شيء من الأشياء التي تثبت البلوغ هل تجري أحكام التكاليف والعقوبة على صاحبه إذا ترك فرضاً ولو لم يبلغ خمسة عشر سنة؟[1]

الجواب :
إذا ثبت بلوغ الغلام أو الجارية بإحدى الأمارات المثبتة لذلك تعلقت بهما أحكام التكليف من وجوب الصلاة والصيام ونحوهما وإقامة الحدود ونحو ذلك كسائر المكلفين. قال ابن المنذر رحمه الله: أجمعوا على أن الفرائض والأحكام تجب على المحتلم العاقل والمرأة بظهور الحيض منها. انتهى.

وأما التعزير فلا يشترط فيه تكليف المعزر، كتأديب الصبي إذا بلغ عشراً على ترك الصلاة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((واضربوهم عليها لعشر))[2] وكما يؤدب على فعل الفواحش ليرتدع عنها، وكما يؤدب المجانين عن التعدي على الناس والأذية لهم؛ ليرتدعوا عن ذلك. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: لا نزاع بين العلماء أن غير المكلف كالصبي المميز يعاقب على الفاحشة تعزيراً بليغاً، وكذلك المجنون يضرب على ما فعل لينزجر. والله ولي التوفيق.

[1] سؤال شخصي أجاب عنه سماحته في أحد دروسه.

[2] أخرجه أحمد في مسند المكثرين، مسند عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه برقم 6717

السؤال :
إن أكثر الشباب عندما أنصحهم بالصلاة يقولون: لا نستطيع أن نصلي لأننا ننظر إلى النساء وخاصة المتبرجات، فهل النظر يمنع الصلاة أو يبطلها؟

الجواب :
هذا عذر باطل، الواجب عليهم أن يصلوا مع المسلمين ويحافظوا على ما أوجب الله عليهم من الصلاة وغض البصر، والصلاة في جماعة بالمساجد فريضة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من سمع النداء فلم يأتِ فلا صلاة له إلا من عذر)).

وهي عمود الإسلام يجب على المسلم أن يؤديها، إذا كان مكلفاً. وتركها كفر بالله وضلال، وليس رؤية النساء في الطريق، أو كن يصلين في المسجد، ليس هذا عذراً في ترك الصلاة أو ترك الجماعة؛ بل هذا غلط ومنكر واعتذار عن منكر بمنكر وهو ترك الصلاة – نسأل الله العافية – والواجب على المسلم غض البصر وأن يتقي الله فيغض بصره في الأسواق وفي كل مكان، وليس عذراً له أن تصادفه في الطريق للصلاة النساء؛ بل إذا صادفه في الطريق للصلاة نساء يغض بصره، يجاهد نفسه، قال الله عز وجل: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}[1]. والمسلم يغض بصره ليتقي الله ويحفظ فرجه ويؤدي ما أوجب الله عليه من الصلاة في مساجد الله مع المسلمين، يخاف الله ويرجوه، قال تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ}[2]، وقال عليه الصلاة والسلام: ((من سمع النداء فلم يأتِ فلا صلاة له إلا من عذر))، وقال في شأن الصلاة وعظمتها: ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)) رواه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح، وقال عليه الصلاة والسلام: ((بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة)) رواه الإمام مسلم في صحيحه.

وفيه أحاديث أخرى دالة على عظم شأنها، يقول صلى الله عليه وسلم: ((رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة)) وقد هم عليه الصلاة والسلام أن يحرق على المتخلفين بيوتهم – المتخلفين عن صلاة الجماعة -.

فالواجب على كل مسلم ومسلمة أن يتقي الله، وأن يحافظ على الصلاة في أوقاتها، وأن يحذر عن التخلف عنها، فإن التخلف عنها من صفات أهل النفاق، ومن صفات الكفرة، ومن أسباب دخول النار، قال الله تعالى في كتابه العظيم عن الكفار: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ}[3]، فأجابوا بأنهم دخلوا النار؛ لأنهم لم يكونوا من المصلين – نسأل الله العافية -.

فالمؤمن يتقي الله في كل شيء فيغض البصر ويحفظ الفرج ويحفظ الجوارح عما حرم الله، ويؤدي ما أوجب الله من الصلاة والزكاة وبر الوالدين وصلة الرحم وغير ذلك، يجمع بين هذا وهذا، هذه الدار دار العمل ودار التكليف، دار الابتلاء والامتحان، فالواجب على كل مسلم وعلى كل مسلمة أن يتقي الله وأن يحافظ على ما أوجب الله ويتباعد عن محارم الله، ويقف عند حدود الله، يرجو ثواب الله، ويخشى عقابه، ولهذا خلق، قال سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}[4]، وهذه العبادة الصلاة، الزكاة، الصيام، الحج، الجهاد، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الدعوة إلى الله، بر الوالدين، صلة الرحم، إلى غير هذا مما شرع الله، وهكذا ترك المحارم التي حرمها الله على عباده، تركها طاعة لله وتعظيماً له من أعظم القربات.

السؤال :
لي صديق تارك للصلاة وقدمت له النصيحة ولم يستجب، بل قابل ذلك بالقطيعة بيني وبينه: فما هو توجيهكم لي جزاكم الله خيراً؟

الجواب :
قد أحسنت فيما فعلت وأديت الواجب في النصيحة والواجب أن يهجر هو، فإذا قاطعك فأنت تقاطعه أيضاً؛ لأنه يستحق الهجر، فقد هجر النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثةً من الصحابة لما تخلفوا عن غزوة تبوك بغير عذر، فالذي يتأخر عن الصلاة ولا يصلي من باب أولى؛ لأن ترك الصلاة كفر أكبر، فالواجب هجره إذا لم يقبل النصيحة ورفع أمره إلى ولي الأمر إذا كان في بلاد تحكم بالإسلام حتى يعاقب بما يستحق، حتى يستتاب فإن تاب وإلا وجب قتله إذا ترك الصلاة؛ لأن الله سبحانه يقول: {فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ}[1]، فدل على أن من لا يؤدي الصلاة لا يخلى سبيله، بل يرفع أمره إلى ولي الأمر، إلى المحكمة أو لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى تنظر في أمره، وأنت أديت ما عليك بنصيحته وتوجيهه للخير.

السؤال :
ما حكم من يصلي أحياناً ويترك الصلاة أحياناً، وجهونا ووجهوا الناس جزاكم الله خيراً؟

الجواب :
الصلاة هي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين. وهي عمود الإسلام. قد نزل فيها من الآيات الكريمات الشيء الكثير. كما قال تعالى: {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ}[1]، وقال تعالى: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ}[2]، وقال: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}[3]، وقال تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ}[4]، إلى غير ذلك من الآيات الكريمات كقوله تعالى: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا}[5].

فمن تركها تهاوناً بها فهو دليل على فساد دينه وفساد عقيدته، وأنه ليس من الإسلام في شيء. ولو زعم أنه يقر بوجوبها ما دام لا يحافظ عليها بل يدعها تارة ويصليها أخرى. أو يدعها بالكلية فهذا كافر في أصح قولي العلماء حتى يتوب إلى الله ويحافظ عليها.

والحجة في ذلك ما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: ((بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة)) خرجه الإمام مسلم في صحيحه. ولم يقل صلى الله عليه وسلم: إذا جحد وجوبها، وهو أفصح الناس وأنصح الناس عليه الصلاة والسلام. ولو كان جحد الوجوب شرطاً لبين وهو المبلغ عن الله وهو الدال على الحق عليه الصلاة والسلام.

ومع هذا يقول: ((بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة)) والمرأة مثل الرجل سواء. ولهذا كان في الحديث الآخر: ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)) خرجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه بسند صحيح عن بريدة بين الحصيب رضي الله عنه. وهذا عام يعم الرجال والنساء، ويعم من جحد الوجوب أو أقر به. وأي فائدة في إقراره بالوجوب إذا كان لا يصلي؟ ماذا ينفعه هذا الإقرار إذا كان قد ضيعها وأهملها واتصف بصفات المعرضين عنها؟ ولهذا يقول صلى الله عليه وسلم: ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)) فالواجب على كل مسلم ومسلمة العناية بالصلاة، والمحافظة عليها، والاستقامة عليها في جميع الأوقات؛ خوفاً من الله وتعظيماً له وابتغاًء لمرضاته وحذراً من عقابه سبحانه وتعالى، وابتعاداً عن مشابهة المشركين التاركين لها. وعلى الرجل أن يحافظ على الصلوات الخمس في بيوت الله مع إخوانه المسلمين، ولا يصلي في بيته؛ لأن الصلاة في البيت فيها مشابهة لأهل النفاق. يقول النبي عليه الصلاة والسلام: ((أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً))[6].

أي لأتوهما في المساجد. ويقول عليه الصلاة والسلام: ((لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيؤم بالناس. ثم أنطلق برجال معهم حزم من حطب إلى رجالٍ لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم))[7].

وما ذاك إلا لعظم الخطر؛ ولعظم جريمة تركهم الصلاة مع الجماعة في مساجد الله، وقال عليه الصلاة والسلام: ((من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر))[8] وهذا وعيد شديد. وقد قيل لابن عباس رضي الله عنهما: ما هو العذر؟ قال: خوف أو مرض، وجاء للنبي عليه الصلاة والسلام رجلٌ أعمى فقال: ((يا رسول الله ليس لي قائدٌ يلائمني إلى المسجد فهل لي من رخصة أن أصلي في بيتي، فقال له عليه الصلاة والسلام: هل تسمع النداء للصلاة. قال: نعم، قال: فأجب))[9] رواه مسلم في صحيحه.

وفي رواية أخرى أخرجها مسلم يقول صلى الله عليه وسلم: ((لا أجد لك رخصة))[10] فإذا كان الرجل الأعمى ليس له رخصة فكيف بحال الرجل البصير الصحيح فالأمر عظيم. والواجب على الرجال أن يتقوا الله وأن يحضروا الصلاة مع المسلمين في مساجد الله، فهي شعيرة عظيمة يقيمها مع إخوانه في بيوت الله، ويجتمع مع إخوانه ويشاهدهم، ويتعاون مع الفقير، ويشجع الكسول. فإنه إذا صلى هذا في المسجد وهذا في المسجد تشجع الناس. وتعاونوا على الخير وأدوا هذه الفريضة العظيمة في بيوت الله. وإذا كسل هذا وكسل هذا تابعهما غيرهما؛ من أولاد وإخوة وخدم وغيرهم. فيكون عليه مثل آثامهم لاقتدائهم به؛ لأنه قد دعاهم بفعله إلى ترك هذه الفريضة في المساجد. فالواجب على كل مسلم أن يتقي الله، وأن يراقب الله، وأن يصلي في المسجد مع المسلمين. وإن كان تاجراً وإن كان أميراً، فعظمة الله فوق الجميع.

فالواجب على كل إنسان من المؤمنين أن يتقي الله وأن يراقب الله، وأن يؤدي هذه الصلاة في بيوت الله مع إخوانه، وأن يقوم على أولاده وخدمه حتى يصلوا معه في المساجد. هكذا المسلم يتقي الله، ويوصي بتقوى الله، ويلزم من تحت يده بتقوى الله.

وهكذا المرأة تعتني بذلك، وتصلي الصلاة في وقتها وتعتني ببناتها وخادماتها وأخواتها، تقوم عليهن وتلزمهن بما أوجب الله عليهن من الصلاة في وقتها لعظم شأنها ولكونها عمود الإسلام.

وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن من تركها فقد كفر، حتى ولو أقر بالوجوب. هذا هو الصحيح الذي عليه جمع من أئمة الحديث المعروفين، وذكر التابعي الجليل عبد الله بن شقيق العقيلي عن الصحابة رضي الله عنهم، قال: كانوا لا يرون شيئاً تركه كفر من العمل غير الصلاة؛. وهذا لعظم شأنها. فنسأل الله لنا ولإخواننا المسلمين الهداية والتوفيق.

——————————————————————————–

[1] سورة البقرة، الآية 43.

[2] سورة البقرة، الآية 238.

[3] سورة النور، الآية 56.

[4] سورة العنكبوت، الآية 45.

[5] سورة مريم، الآية 59.

[6] أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل صلاة الجماعة برقم 651.

[7] أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب في التشديد في ترك الجماعة برقم 548.

[8] أخرجه ابن ماجه في كتاب المساجد والجماعات، باب التغليظ في التخلف عن الجماعة برقم 793.

[9] أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب يجب إتيان المسجد على من سمع النداء برقم 653.

[10] أخرجه أحمد في مسند المكيين حديث عمرو بن أم مكتوم رضي الله عنه برقم 15064.

السؤال :
أرجو أن توضحوا عقوبة تارك الصلاة وهو مؤمن بوجوبها، وأن توضحوا لنا – عافاكم الله – فضل صلاة الفجر وعقوبة من لم يؤدها في وقتها؟

الجواب :
من ترك الصلاة فعقوبته القتل، يُستتاب فإن تاب وإلا قتل، قال الله سبحانه: {فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ}[1]، فدل على أنه من لم يقم الصلاة لا يخلى سبيله، يقتل، أي يستتاب فإن تاب وإلا قتل، وقال عليه الصلاة والسلام: ((إني نهيت عن قتل المصلين))[2] فالمصلي لا يقتل إذا استقام أما من ترك الصلاة فإنه يستتاب فإن تاب وإلا وجب قتله مرتداً على أصح القولين، وعند جماعة من أهل العلم لا يكون مرتداً ولكن يكون قتله حداً، إذا قلنا بأن تركها ليس بكفر أكبر، إذا كان يقر بوجوبها ولا يجحد، والصواب أن يقتل كفراً إذا كان تاركاً لها يستتاب فإن تاب وإلا قتل كفراً لا حداً، ويبعد جداً أن يقر بوجوبها ثم يصر على عدم فعلها حتى يقتل، هذا بعيد جداً. والمقصود أنه يقتل كفراً مطلقاً ما دام أبى أن يصلي ويستقيم فيقتل كفراً، نسأل الله العافية، سواءً كانت الصلاة فجراً أو ظهراً أو عصراً أو مغرباً أو عشاءً.

والفجر لها شأن خاص لأنه يتكاسل عنها المنافقون وقد جاء في بعض الأحاديث الكثيرة؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: ((أثقل الصلاة على المنافقين: صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً))[3].

وقال عليه الصلاة والسلام: ((من صلى الصبح فهو في ذمة الله فلا يطلبنكم الله بشيء من ذمته، فإنه من يطلبه بشيء من ذمته يدركه ثم يكبُّه في النار))[4].

فالصلاة لها شأن عظيم سواء كانت فجراً أو ظهراً أو عصراً أو مغرباً أو عشاءً ولكن للصبح خصائص، لأنها تكون في آخر الليل عند حلاوة النوم في الصيف وعند شدة البرد في الشتاء، فربما تثاقل عنها الكسالى وتشبهوا بأهل النفاق، فجاء فيها تأكيد يجب على المؤمن أن يعتني بها حتى يتباعد عن مشابهة المنافقين، ولا يجوز له تركها حتى تطلع الشمس كما يفعل بعض الناس، يصليها إذا قام للعمل، هذا منكر عظيم وشر مستطير، يجب على صاحبه أن يتقي الله وأن يؤديها في وقتها مع جماعة المسلمين، في مساجد الله، ومن عُلم بهذا وجب أن يُستتاب فإن تاب وإلا قتل؛ لأن تركها حين يخرج وقتها منكر عظيم، بل كفر عند جمع من أهل العلم، نسأل الله للجميع الهداية والسداد.

——————————————————————————–

[1] سورة التوبة، الآية 5.

[2] أخرجه أبو داود في كتاب الأدب، باب في الحكم في المخنثين برقم 4928.

[3] أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل صلاة الجماعة برقم 651.

[4] أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل صلاة العشاء والصبح في جماعة برقم 657.

السؤال :
ما حكم قراءة الحائض للقرآن بدون أن تمس المصحف؟

الجواب :
في المسألة خلاف بين العلماء، والأقرب والأظهر أنه لا حرج؛ لأن مدة الحيض تطول وليست مثل الجنب فمدته قصيرة يغتسل ثم يقرأ أما الحائض والنفساء فإن مدتهما تطول، والأرجح والأصوب أنه لا حرج عليهما في القراءة عن ظهر قلب هذا هو الأصل، ولا يجوز أن يقاس الحيض على الجنابة فالحيض مدته تطول، والنفاس مدته أطول، أما حديث: ((لا تقرأ الحائض شيئاً من القرآن))[1] فهو حديث ضعيف لا تقوم به الحجة، والأرجح أنه لا حرج عليها – يعني الحائض – أن تقرأ عن ظهر قلب ولا تقرأ من المصحف، بل عن ظهر قلب وهكذا النفساء من باب أولى. أما الجنب فلا يقرأ القرآن لا عن ظهر قلب ولا من المصحف حتى يغتسل؛ للحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم: ((كان لا يمنعه شيء من القرآن إلا الجنابة))[2] وفي حديث آخر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قرأ بعض الآيات ثم قال: ((هذا لمن ليس جنباً أما الجنب فلا ولا آية))[3].

——————————————————————————–

[1] أخرجه الترمذي في كتاب الطهارة، باب ما جاء في الجنب والحائض أنهما لا يقرآن القرآن برقم 131، وابن ماجه في كتاب الطهارة وسننها، باب ما جاء في قراءة القرآن على غير طهارة برقم 596.

[2] أخرجه ابن ماجه في كتاب الطهارة وسننها باب ما جاء في قراءة القرآن على غير طهارة برقم 594.

[3] أخرجه الإمام أحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة ومن مسند علي بن أبي طالب رضي الله عنه برقم 874.

السؤال :
سائلة تسأل عن كيفية التفرقة بين دم الحيض ودم الاستحاضة مرة أخرى؟

الجواب :
الغالب أن دم الحيض يكون غليظاً وقد يكون أسود وقد يكون له رائحة، ودم الاستحاضة في الغالب ليس كذلك، يكون رقيقاً أصفر، هذا هو الأغلب، ولكن العمدة العادة، فإذا جاءت العادة فإنها تدع الصلاة ولو كان الدم رقيقاً ولو كان صفرة أو كدرة في وقت العادة لا تصلي ولا تصوم، فإن الدم يتغير فإذا طهرت فإنها لا تلتفت إلى الصفرة ولا الكدرة بل تصلي وتصوم وتتوضأ لكل صلاة. أما إذا استمر الدم وزاد على العادة فإنها لا تصلي ولا تصوم إلى خمسة عشر يوماً، فإن زاد فهو استحاضة فوق الخمسة عشر يوماً، هذا هو الراجح عند جمهور أهل العلم، إذا زاد الدم عن خمسة عشر يوماً فهو دم استحاضة لا تدع الصلاة ولا تدع الصوم، بل عليها أن تغتسل، ثم إذا جاء وقت الحيض في الشهر الآخر جلست لعادتها المعتادة.

السؤال :
هل للإنسان أن يتوضأ داخل الحمام أثناء الاستحمام قبل أن يرتدي ملابسه؟

الجواب :
لا نعلم بأساً في هذا إذا اغتسل من الجنابة أو يوم الجمعة. لكن الأفضل أن يبتدئ بالوضوء في غسل الجنابة، أن يتوضأ ثم يغتسل للجنابة ويكفيه الوضوء الأول؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يتوضأ يعني يستنجي، ويغسل ما أصاب فرجه وما حوله، ثم يتوضأ وضوء الصلاة، ثم يغتسل حتى إذا انتهى من الغسل انتهى من كل شيء. وليس عليه وضوء بعد ذلك. إلا إذا أحدث بعد الغسل بأن مس فرجه أو خرج منه ريح فإنه يعيد الوضوء. أما إذا اغتسل ولم يمس فرجه ولم يخرج منه ريح ولم يحدث فإن وضوءه الأول كافٍ.

أما غسل الجمعة فإن شاء توضأ قبله وإن شاء توضأ بعده. ولا يكفي الغسل وحده. بل لا بد من وضوء قبله أو بعده. وإذا توضأ قبله أو بعده وهو عريان فلا بأس في ذلك؛ لأنه تجرد ليغتسل.

السؤال :
ما هي الشروط التي يجب على المسلم مراعاتها عند المسح على الجوربين؟

الجواب :
1- لا بد من طهارة: فيلبسها على طهارة. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد المغيرة أن ينزع خفيه. قال: ((دعهما فإني أدخلتها طاهرتين))[1] فإذا أراد أن يمسح فليلبسهما على طهارة رجلاً كان أو امرأة، مسافراً كان أو مقيماً.

2- لا بد من أن يكونا ساترين. صفيقين، ويمسح مع الخروق اليسيرة على الصحيح.

3- أن يكون المسح لمدة معينة هي يوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليها للمسافر، ولا يمسح أكثر من ذلك.

إذا توافرت هذه الشروط فإن المؤمن يمسح على خفيه وجوربيه والمرأة كذلك.

——————————————————————————–

[1] أخرجه البخاري في كتاب اللباس، باب لبس جبة الصوف في الغزو برقم 5799، ومسلم في كتاب الطهارة، باب المسح على الخفين برقم 274.

السؤال :
أريد شرح هذا الحديث عن السائب بن يزيد أن معاوية قال: (إذا صليت الجمعة فلا تصلها بصلاة حتى تتكلم أو تخرج فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بذلك ألاَّ نصل صلاة بصلاة حتى نتكلم أو نخرج)؟

الجواب :
الحديث أخرجه مسلم في صحيحه وهو يدل على أن المسلم إذا صلى الجمعة أو غيرها من الفرائض فإنه ليس له أن يصلها بصلاة حتى يتكلم أو يخرج من المسجد والتكلم يكون بما شرع الله من الأذكار، كقوله: أستغفر الله أستغفر الله أستغفر الله، اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام، حين يسلم، وما شرع الله بعد ذلك من أنواع الذكر، وبهذا يتضح انفصاله عن الصلاة بالكلية، حتى لا يظن أن هذه الصلاة جزء من هذه الصلاة، والمقصود من ذلك تمييز الصلاة التي فرغ منها عن الصلاة الأخرى، فإذا سلَّم في الجمعة فلا يصلها بالنافلة لئلا يعتقد هو أو غيره أنها مرتبطة بها أو أنها لازمة لها.

وهكذا الصلوات الأخرى، كالظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، لا بد من الفصل بالكلام، كالذكر أو غير ذلك من الكلام، أو الخروج من المسجد حتى يعلم أنها غير مربوطة بما قبلها.

.

السؤال :
عند هطول المطر وخاصة في المساء يؤذن لصلاة المغرب، وبعد تأدية الصلاة تقام صلاة العشاء جمعاً؛ وذلك رأفةً بالمصلين من أجل المطر، هل يجوز ذلك مع أن الوقت تغير عن الماضي وأصبح كل شيء مجهز لدى البعض مثل المواصلات وما أشبه ذلك؟

الجواب :
هذه رخصة من الله فإذا نزل المطر فلا بأس بالجمع وذلك رخصة يُستحب الجمع؛ من أجل رحمة الناس والتيسير عليهم وعدم إلجائهم إلى التأذي بالخروج ولو لم يجمعوا جاز للإنسان أن يُصلي في بيته، قد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالصلاة في البيوت عند وجود المطر وقال: ((صلوا في رحالكم))[1].

فالحاصل أنه إذا نزل مطر وصار دحضاً في الأسواق وزلقاً وطيناً فإن السنة الجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء ومن لم يجمع وشق عليه الخروج فله الصلاة في بيته فيعذر بترك الجماعة للحديث المذكور.

——————————————————————————–

[1] أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة، والإقامة برقم 632، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الصلاة في الرحال في المطر برقم 697.

السؤال :
شخص أدرك مع الإمام الركعتين الأخيرتين من صلاة العصر بعد انتهاء التشهد الأوسط وقيام الإمام للركعتين الأخيرتين كيف يكمل صلاته جزاكم الله خيراً؟

الجواب :
إذا سلم إمامه يقوم ليأتي بركعتين وتكون الركعتان الأخيرتان اللتان يقضيهما هما آخر صلاته وأولها ما أدرك مع الإمام فالركعتان اللتان أدركهما مع الإمام هما أول صلاته فإذا تيسر أن يقرأ مع الفاتحة زيادة إذا كان الإمام أطال الوقوف فهو مشروع؛ لأنهما أول صلاته والقاعدة أن ما أدرك المسبوق مع الإمام هو أول صلاته وما يقضيه هو آخر صلاته؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا))[1] فالإتمام يكون هو لقضاء الركعتين اللتين يقضيهما من فاتته الركعتان الأوليان، تكونان هما آخر صلاته.

——————————————————————————–

[1] أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب قول الرجل فاتتنا الصلاة برقم 635، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب إتيان الصلاة بوقار وسكينة، برقم 602.

السؤال :
هل تجوز الصلاة خلف إمام مشعوذ ودجال علماً بأن منهم من يجيد قراءة القرآن؟ وجهونا جزاكم الله خيراً؟

الجواب :
إذا كان الإمام مشعوذاً يدعي علم الغيب أو يقوم بخرافات ومنكرات فلا يجوز أن يتخذ إماماً ولا يصلى خلفه؛ لأن من ادعى علم الغيب فهو كافر نسأل الله العافية، يقول جل وعلا: {قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ}[1] وهكذا من يتعاطى السحر حكمه حكم الكفار؛ لقول الله تعالى: {وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ}[2] الآية من سورة البقرة. أما إذا كان عنده شيء من المعاصي وليس عنده شيء من أعمال الكفر كالسحر ودعوى علم الغيب ولكن عنده شيء من المعاصي فالصلاة خلفه صحيحة والأفضل التماس غيره من أهل العدالة والاستقامة احتياطاً للدين وخروجاً من خلاف العلماء القائلين بعدم جواز الصلاة خلفه.

أما العصاة فلا ينبغي أن يتخذوا أئمة لكن متى وجدوا أئمة صحت الصلاة خلفهم؛ لأنهم قد يبتلى بهم الناس وقد تدعو الحاجة للصلاة خلفهم. أما من يدعو غير الله أو يستنجد بالموتى ويستغيث بهم ويطلبهم المدد فهذا لا يصلى خلفه، لأنه يكون بهذا الأمر من جملة الكفار؛ لأن هذا هو عمل المشركين الذين قاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم في مكة وغيرها. ونسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين وأن يمنحهم الفقه في الدين وأن يولي عليهم خيارهم إنه سميع قريب.

——————————————————————————–

[1] سورة النمل، الآية 65.

[2] سورة البقرة، الآية 102.

السؤال :
عندما يأتي المصلي لصلاة المغرب ويدخل المسجد هل عليه أن يصلي تحية المسجد أم لا. وهل عليه أن يصليها بعد الانتهاء من صلاة المغرب؟

الجواب :
إذا دخل المسلم المسجد فإنه يصلي ركعتين تحية للمسجد سواء كان دخوله في المسجد للمغرب[1] أو بعده حتى ولو كان الوقت آخر النهار قبل الغروب، فإنه يصلي تحية المسجد لأنها من ذوات الأسباب، وليس لها وقت نهي بل يشرع لأي داخل أن يصلي ركعتين ثم يجلس وهاتان الركعتان يقال لها: تحية المسجد، فإذا دخل المسجد قبل الصلاة فالسنة له أن يصلي هاتين الركعتين. لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين))[2] متفق على صحته. فإنه يعم أوقات النهي وغيرها في أصح قولي العلماء.

أما سنة المغرب الراتبة فهي بعد الصلاة وهكذا العشاء ركعتان بعد صلاة العشاء لكن تحية المسجد هي التي للمسجد ليس لها علاقة بصلاة المغرب أو غيرها، فإذا دخل المسجد في أي وقتٍ وهو على وضوء صلى ركعتين ليلاً أو نهاراً أو عصراً أو ضحى وهكذا صلاة الكسوف إذا كسفت الشمس ظهراً أو عصراً صليت صلاة الكسوف لأنها من ذوات الأسباب، وهكذا لو طاف بعد صلاة الفجر أو العصر صلى ركعتي الطواف لأنها من ذوات الأسباب.

وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت أو صلى أي ساعةٍ شاء من ليلٍ أو نهار))[3] أخرجه الإمام أحمد وأهل السنن الأربعة بإسنادٍ صحيح.

——————————————————————————–

[1] أي بعد دخول وقت المغرب.

[2] أخرجه البخاري في كتاب الجمعة، باب ما جاء في التطوع مثنى مثنى برقم 1167، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب تحية المسجد بركعتين وكراهة الجلوس قبل صلاتهما وأنهما مشروعة في جميع الأوقات برقم 714.

[3] أخرجه الإمام أحمد في أول مسند المدنيين رضي الله عنهم حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه برقم 16294، والترمذي في كتاب الحج، باب ما جاء في الصلاة بعد العصر وبعد الصبح لمن يطوف برقم 868.

السؤال :
ما هي الفترة الزمنية التي يمكننا فيها صلاة الضحى؟

الجواب :
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

فالفترة التي تشرع فيها صلاة الضحى هي ما بين ارتفاع الشمس قيد رمح إلى وقوفها في وسط السماء هذا هو وقت صلاة الضحى والأفضل إذا اشتد الضحى لقول النبي صلى الله علي وسلم: ((صلاة الأوابين حين ترمض الفِصال)) أي حين تشتد الشمس وتجد الفصال – وهي أولاد الإبل – حرارة الشمس وإذا صلاها بعد ارتفاع الشمس مبكراً فقد أدرك صلاة الضحى وله أن يصليها في جميع أجزاء وقت الضحى إلى وقوف الشمس، قبل الزوال بنحو: نصف ساعة أو قريباً من ذلك هذا هو وقت وقوف الشمس في عين الناظر وذلك إذا توسطت في كبد السماء قبل أن تميل إلى الغرب وهذا يسمى وقت الوقوف ولا يجوز للمسلم أن يتطوع في الصلاة من غير ذوات الأسباب، أما ذوات الأسباب: كصلاة الكسوف، وتحية المسجد، وصلاة الطواف في مكة، فهذه وأشباهها من ذوات الأسباب الصواب فيها أنه لا حرج في فعلها في أوقات النهي، هذا هو الأصح من قولي العلماء، فإذا طاف بعد العصر بالكعبة المشرفة أو بعد الصبح قبل الشمس فلا بأس أن يصلي ركعتين، وهكذا لو كسفت الشمس عصراً شرع للمسلمين صلاة الكسوف في أصح قولي العلماء، وهكذا إذا دخل المسجد بعد الفجر أو بعد العصر للجلوس فيه لطلب العلم أو غير ذلك فالسنة أن يصلي ركعتين قبل أن يجلس لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين))[1] ولم يستثن وقتاً دون وقت عليه الصلاة والسلام هذا هو الأرجح. والله ولي التوفيق.

——————————————————————————–

[1] أخرجه البخاري في كتاب الجمعة، باب ما جاء في التطوع مثنى مثنى برقم 1167، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب تحية المسجد بركعتين وكراهة الجلوس قبل صلاتهما وأنهما مشروعة في جميع الأوقات برقم 714.

السؤال :
بعض الأئمة يشرع في صلاة التراويح قبل إعلان رؤية الهلال، ما حكم هذا العمل يا شيخ؟

الجواب :
لا ينبغي هذا؛ لأن التراويح إنما تفعل في رمضان، فلا ينبغي أن يصلي أحد حتى تعلن الحكومة رؤية الهلال

السؤال :
ما حكم الضحك في الصلاة، وهل من ضحك في الصلاة، هل عليه إعادة؟

الجواب :
الضحك في الصلاة يبطلها بإجماع أهل العلم، فإذا ضحك في الصلاة بطلت، وهكذا لو تكلم عمداً بطلت صلاته، إلا إذا كان ناسياً أو جاهلاً فلا تبطل صلاة الناسي والجاهل، لكن الضحك يبطل مطلقاً؛ لأنه استخفاف بالصلاة وتهاون بها.

السؤال :
هل يلزم الالتزام بالاستعاذة والبسملة في كل ركعة من ركعات الصلاة أم يكفي ذلك في الركعة الأولى؟

الجواب :
أما التسمية فالسنة في كل الركعات، إذا كنت تقرأ سورة مستقلة تسمي قبلها، أما الاستعاذة فسنة في الركعة الأولى، أما الركعات الأخرى فاختلف فيها العلماء هل تشرع الاستعاذة أم لا؟

فمن استعاذ فلا بأس ومن ترك فلا بأس في الركعات الأخرى، لكن تشرع الاستعاذة في الركعة الأولى بتأكيد وهكذا التسمية، أما في الركعات الأخرى فيسن.. رجل أو امرأة، يسن إذا افتتح سورة، أما إذا كان يقرأ بعض آيات فلا حاجة إلى التسمية تكفي التسمية الأولى عند قراءته الفاتحة.

السؤال :
ما حكم إظهار اليدين والقدمين في الصلاة من المرأة، وإذا كان لا يجوز فهل إظهارهما يبطل الصلاة بمعنى أن صلاة المرأة على تلكم الحالة غير صحيحة، جزاكم الله خيراً؟

الجواب :
إظهار القدمين في الصلاة لا يجوز عند جمهور أهل العلم ويبطل الصلاة، فإذا صلت المرأة وقدماها مكشوفتان وجب عليها أن تعيد عند أكثر أهل العلم. أما الكفان فأمرهما أوسع، إن سترتهما فهو أفضل، وإن أظهرتهما فلا حرج إن شاء الله كالوجه، فالوجه السنة كشفه في الصلاة، إلا أن يكون عندها غير محرم – أي أجنبي – فإنها تستر وجهها وكفيها، أما إن كانت ما عندها أحد فلا مانع من كشف الكعبين، وإن سترتهما فهو أفضل، أما الوجه فالسنة كشفه في الصلاة إن لم يكن عندها أجنبي.

السؤال :
أنا طالبة في المدرسة فهل يجوز تأخير صلاة الظهر حين الرجوع للمنزل، علماً بأن الساعة قد تكون الواحدة والنصف؟

الجواب :
لا حرج في ذلك، إذا اشتغلت بالدراسة، وإذا لم يتيسر أداء الصلاة في أول الوقت لا حرج؛ لأن وقت الظهر بحمد الله متسع فإذا كانت تصل إلى بيتها قبل انتهاء الوقت فلا بأس بذلك، وإن صلَّتها في أول الوقت فهو أفضل إذا تيسر ذلك.

السؤال :
هل على المرتد قضاء الصلاة والصيام إذا عاد إلى الإسلام وتاب إلى الله؟[1]

الجواب :
ليس عليه قضاء ومن تاب تاب الله عليه، فإذا ترك الإنسان الصلاة، أو أتى بناقض من نواقض الإسلام ثم هداه الله وتاب فإنه لا قضاء عليه، هذا هو الصواب من أقوال أهل العلم؛ لأن الإسلام يجب ما قبله والتوبة تهدم ما كان قبلها.. قال الله سبحانه وتعالى: {قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ}[2] فبين الله سبحانه وتعالى أن الكافر إذا أسلم غفر الله له ما قد سلف، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: ((التوبة تجب ما قبلها، والإسلام يهدم ما كان قبله))[3].

——————————————————————————–

[1] نشر في جريدة عكاظ، العدد 11913 في 23/12/1419هـ.

[2] سورة الأنفال، الآية 38.

[3] أخرجه مسلم بلفظ في كتاب الإيمان، باب كون الإسلام يهدم ما قبله برقم 121، ولفظه: ((الإسلام يهدم ما كان قبله وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها…)).

السؤال :
تسأل أختنا تقول: هل يجوز للمرأة أن تستعمل دواءً يمنع عنها الدورة الشهرية ولا سيما في الحج ورمضان والعمرة؟

الجواب :
إذا دعت الحاجة إلى ذلك فلا بأس، في رمضان أو في أيام الحج أو العمرة، فلا بأس في ذلك.

فضيلة الشيخ: عبد العزيز بن باز حفظه الله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

تستعمل بعض النساء خلطة لتنعيم الشعر، وهذه الخلطة مكونة من الحناء ومجموعة من الأعشاب، من بين هذه الأعشاب عشب يصبغ الشعر بالسواد، فما حكم استعمال هذه الخلطة؟ علماً بأنهن يستعملنها لغرض تنعيم الشعر وليس لصبغه بالسواد، حيث إن بعضهن يكون شعرها أسود، وما حكم استخدامها لامرأة شعرها أسود؟ لكن يوجد من بينه شعيرات بيضاء نبتت ليس لكبر في السن فهي تستخدمها أيضاً لغرض تنعيم شعرها؟ أفيدونا في ذلك أفادكم الله، وجزاكم الله خير الجزاء. (أم/ ع.ق)

الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته وبعده:

لا حرج في استعمال المعجون المذكور لتنعيم الشعر إذا كانت المرأة المستعملة لذلك ليس فيها شيب، أما مع الشيب فلا يجوز استعمال ما يجعل الشيب أسود؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((غيروا هذا الشيب واجتنبوا السواد)) وفق الله الجميع، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

السائلة (ص.س) من الجوف تقول في سؤالها: هل في استعمال المرأة للمناكير التي تُطلى بها الأظافر إثم؟ وماذا تعمل عند الوضوء؟

الجواب :
لا نعلم شيئاً في هذا، لكن تركه أولى؛ لعدم الحاجة إليه، ولأنه قد يحول دون وصول الماء إلى البشرة عند الوضوء. والحاصل أن تركه أولى، والاكتفاء بالحناء، والذي عليه الأوائل أولى، فإن استعملته المرأة، فالواجب أن تزيله عند الوضوء؛ لأنه – كما قلنا – يحول دون وصول الماء إلى البشرة، والله ولي التوفيق.

السؤال :
يقول السائل هل أخذ الشعر من الوجه مثل أخذ شعر الخد وأعلى الحاجب للرجل فيه إثم وجهونا؟ جزاكم الله خيراً.

الجواب :
الخدان من اللحية لا يأخذهما، والحاجب لا يجوز أخذه لا من الرجال ولا النساء، والرسول صلى الله عليه وسلم لعن النامصة والمتنمصة، والنمص أخذ شعر الحاجبين، فلا يجوز أخذ شعر الحاجبين لا من الرجل ولا من المرأة وهكذا شعر الخدين، فالخدان تبع اللحية؛ لأن اللحية الشعر الثابت على الخدين والذقن، والمرأة لا تأخذ الشعر الذي في وجهها إذا كان عادياً ليس به تشويه، أما إذا كان فيه تشويه كاللحية لها أو الشارب أو شعر يشوهها فلا مانع من إزالته وليس من النمص.

ما معنى حديث: ركعتان بسواك خير من سبعين ركعة بدون سواك؟

الجواب :
السواك سنة وطاعة عند الصلاة أو عند الوضوء؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((السواك مطهرة للفم مرضاة للرب))[1] خرجه النسائي بإسناد صحيح عن عائشة رضي الله عنها؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم: ((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة))[2] متفق على صحته، وفي لفظ: ((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء))[3] خرجه الإمام النسائي بإسناد صحيح. أما حديث: ((صلاة بسواك خير من سبعين صلاة بلا سواك)) فهو حديث ضعيف ليس بصحيح، وفي الأحاديث الصحيحة ما يغني عنه والحمد لله.

——————————————————————————–

[1] أخرجه النسائي في كتاب الطهارة، باب الترغيب في السواك برقم 5.

[2] أخرجه البخاري في كتاب الجمعة، باب السواك يوم الجمعة برقم 887 ومسلم في كتاب الطهارة، باب السواك برقم 252.

[3] أخرجه النسائي في السنن الكبرى، ج2 برقم 30430

السؤال :
إنني كنت جاهلياً وقد منَّ الله عليَّ بالإسلام وكنت قبل ذلك قد ارتكبت بعض المظالم ولا أستطيع ذكرها هاهنا ولقد سمعت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو من أي شيء فليتحلله منه اليوم قبل ألاّ يكون دينار ولا درهم، إلى آخر الحديث: ما هي النصيحة التي توجهونها لي سماحة الشيخ حفظكم الله ورعاكم؟[1]

الجواب :
قد شرع الله لعباده التوبة، قال الله سبحانه: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[2]، وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا}[3]، وقال جل وعلا: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى}[4].

قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((التائب من الذنب كمن لا ذنب له))[5].

فمن اقترف شيئاً من المعاصي فعليه البدار بالتوبة والندم والإقلاع والحذر والعزم ألاّ يعود في ذلك والله سبحانه وتعالى يتوب على التائب، متى صدق في التوبة بالندم على ما مضى والعزم ألاّ يعود وأقلع منها تعظيماً لله، وخوفاً من الله، فإنه يُتاب عليه، ويمحو الله عنه ما مضى من الذنوب فضلاً منه وإحساناً، سبحانه وتعالى، لكن إن كانت المعصية ظلماً للعباد، هذا يحتاج إلى أداء الحق، وعليه التوبة مما وقع بالندم والإقلاع، والعزم أن لا يعود وعليه مع ذلك أداء الحق لمستحقه، أو تحلله من ذلك ككونه يقول: سامحني يا أخي أو اعف عني، أو ما أشبه ذلك أو يعطيه حقه، للحديث الذي ذكره السائل وغيره من الأحاديث والآيات، والرسول يقول: ((من كان عنده لأخيه مظلمة فليتحلله اليوم قبل ألاّ يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح -يعني الظالم- أُخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه))[6] هذا جزاؤه.

فينبغي للمؤمن أن يحرص على البراءة والسلامة من حق أخيه، فإما أن يؤديه أو يتحلله منه وإذا كان عرضاً، فلا بد من تحلله إن استطاع فإن لم يستطع أو خاف من مغبة ذلك، وأن يترتب على إخباره شراً أكثر، فإنه يستغفر له ويدعو له، ويذكره بالمحاسن التي يعرفها عنه، بدلاً مما ذكره من السوء، يعني يغسل السيئات الأولى بالحسنات الأخيرة، فيذكره بالخير الذي يعلمه عنه لا يكذب وينشر محاسنه، ضد السيئات التي نشرها سابقاً ويستغفر له ويدعو له، وبهذا ينتهي من المشكلة.

——————————————————————————–

[1] من برنامج نور على الدرب، الشريط رقم 83.

[2] سورة النور، الآية 31.

[3] سورة التحريم، الآية 8.

[4] سورة طه، الآية 82.

[5] أخرجه ابن ماجه في كتاب الزهد، باب ذكر التوبة، برقم 4250.

[6] أخرجه البخاري في كتاب الرقاق، باب القصاص يوم القيامة، برقم 6534.

السؤال :
إنني شاب متزوج ولي ثلاثة أولاد أعيش في بيتي وفي بيت والدي المتوفى مع والدتي وجدتي وإخواني، ومشكلتي تتلخص بأن أخي الأكبر الذي يسكن معنا في البيت لا يصلي ولا يشهد الصلاة في المسجد في كل الأوقات ويشرب الخمر أغلب الأوقات وعاطل عن العمل، لقد تشاجرت معه كثيراً ولكن لا فائدة بل يصرح بأنه لن يصلي ولن تُفده النصيحة، فقد فكرت في الخروج من البيت ولكن والدتي بكت كثيراً واتهمتني بالعقوق وقالت احمد ربك حتى لا يعاقبك الله بولد مثله.

فضيلة الشيخ إنني أعيش في حيرة فهل يجوز لي الخروج من البيت وترك والدتي بالرغم من أنني أنا الذي أصرف على البيت وإذا تغاضيت عنه من أجل والدتي هل أكون شريكاً في الإثم والمعاصي وجهوني؟[1]

الجواب :
الذي لا يصلي كافر نعوذ بالله. يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: ((بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة))[2]، ويقول عليه الصلاة والسلام: ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر))[3]، وشرب الخمر من أقبح الكبائر وأعظم الذنوب، والله جل وعلا قال في الخمر: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[4].

وقد ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه لعن الخمر وشاربها وساقيها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه وبائعها ومشتريها وآكل ثمنها – نسأل الله العافية-.

وقال عليه الصلاة والسلام: ((لا يزني الزني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن))[5].

الخمر أم الخبائث ومن أعظم القبائح والكبائر، وننصحك أن تستمر في نصيحته وتخويفه من الله عز وجل بأسلوب حسن بالترغيب والترهيب، وأن تستعين على ذلك أيضاً بسؤال الله جل وعلا أن يهديه وأن يشرح صدره للحق، اسأل ربك أن يهديه وأن يعيذه من شر نفسه وهواه وأن يلهمه الصواب ويوفقه لقبول الحق، فهو أخوك له حق عليك، فاسأل ربك له أن يهديه، في أوقات الإجابة، في سجودك، وفي آخر الصلاة، وفي آخر الليل، سل ربك أن يهديه ويعيذه من الشيطان، وهكذا تستعين عليه أيضاً بإخوانك في الله الطيبين الذين قد يؤثرون عليه حتى ينصحوه ويوجهوه، ولا تخرج من البيت اجلس مع والدتك وأحسن إليها، فإن لم تفد معه النصيحة ولم يقبل فارفع أمره إلى الهيئة، وإلى المحكمة حتى يقام عليه الحد، ارفع أمره إلى الهيئة؛ لعلها تعالج الموضوع، فإن لم يحصل ذلك فالمحكمة؛ لأن ترك الصلاة وشرب الخمر أمر عظيم، فالذي يجاهر بهذا ولا يبالي، لا يُترَك، وإذا لم يَقبل النصيحة يجري عليه الحكم الشرعي، نسأل الله لنا ولك وله الهداية ولجميع المسلمين.

——————————————————————————–

[1] من برنامج نور على الدرب، الشريط رقم 341.

[2] أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة برقم 82.

[3] رواه الإمام أحمد في باقي مسند الأنصار، حديث بريدة الأسلمي رضي الله عنه برقم 22428.

[4] سورة المائدة، الآية 90.

[5] أخرجه البخاري في كتاب المظالم والغصب، باب النهبى بغير إذن صاحبه برقم 2475.

السؤال :
ما حكم التوسل بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء؟

الجواب :
يشرع حمد الله والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء، وذلك من أسباب الإجابة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا دعا أحدكم فليبدأ بحمد ربه والثناء عليه ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدعو بما شاء))[1].

——————————————————————————–

[1] أخرجه الترمذي في كتاب الدعوات، باب ما جاء في جامع الدعوات عن النبي صلى الله عليه وسلم ولفظه: "إذا صلى أحدكم…" برقم 3477، وهكذا أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب الدعاء برقم 1481، وأحمد في باقي مسند الأنصار، باب مسند فضالة بن عبيد الأنصاري رضي الله عنه برقم 23419.


السؤال :
لدينا عادات وتقاليد مخالفة لشريعتنا الإسلامية الغراء ومن هذه العادات ما يلي:

يجتمع الناس يوم الجمعة قبل صلاة الجمعة يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم بصوت مرتفع وجماعي، ثم إنهم يستغيثون بالنبي صلى الله عليه وسلم وبأولياء الله الصالحين بهذه الألفاظ: شيء لله يا رسول الله، شيء لله يا أولياء الله الصالحين، شيء لله يا رجال الله المؤمنين أغيثونا، أعينونا، مدونا بالرعاية، وكأمثال هذه الألفاظ ويرجو التوجيه جزاكم الله خيرا؟

الجواب :
أما الاجتماع على الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بصوت جماعي أو صوت مرتفع فهذا بدعة، والمشروع للمسلمين أن يصلوا على النبي صلى الله عليه وسلم من دون رفع الصوت المستغرب المستنكر، ومن دون أن يكون ذلك جماعيّاً، كل يصلي بينه وبين نفسه: اللهم صل وسلم على رسول الله، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد… إلى آخره، يصلي بينه وبين نفسه؛ لأن يوم الجمعة يُشرع فيه الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أمر بهذا عليه الصلاة والسلام فقال: ((إن خير أيامكم يوم الجمعة فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة عليّ. قالوا: يا رسول الله كيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت؟ قال: إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء))[1] أ.هـ.

فدل ذلك على مشروعية الإكثار من الصلاة والسلام – عليه الصلاة والسلام – يوم الجمعة، ويشرع لنا أن نكثر من ذلك في المسجد وغيره، لكن كل واحد يصلي على النبي بينه وبين نفسه، الصلوات المشروعة المعروفة من دون أن يكون ذلك بصوت مرتفع يشوش على من حوله أو بصوت جماعي يتكلم جماعة جميعاً، كل هذا بدعة، ولكن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين نفسه في مسجده وفي طريقه وفي بيته وفي كل مكان، وهكذا في بقية الأيام والأوقات تشرع الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم؛ لقول الله سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}[2]، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من صلى عليّ واحدة صلى الله عليه بها عشراً))[3].

فالصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم مشروعة للرجال والنساء جميعاً في يوم الجمعة وغيره، لكن بالطريقة التي درج عليها المسلمون، من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعهم بإحسان، كل واحد يصلي على النبي بينه وبين نفسه من غير حاجة إلى أن يرفع صوته حتى لا يشغل من حوله ومن غير حاجة إلى أن يكون معه جماعة بصوت جماعي.

أما الاستغاثة بالأنبياء أو بغيرهم من الأموات والغائبين أو الجن أو الأصنام أو غيرها من الجمادات فهذا من الشرك الأكبر وهو من عمل المشركين الأولين والآخرين، فالواجب التوبة إلى الله منه والتواصي بتركه، فلا يجوز أن يقول أحد: يا رجال الغيب شيء لله أو يا أولياء الله شيء لله أو يا رسول الله شيء لله أو أغيثونا أو أعينونا أو انصرونا كل هذا منكر وشرك أكبر بالله عز وجل؛ لقول الله سبحانه في كتابه العظيم: {وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ}[4]، سمى سبحانه دعاءهم غير الله كفراً، وحكم عليهم بعدم الفلاح وقال: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ (13) إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ}[5]، فسمى دعاءهم غير الله شركاً فالواجب الحذر من هذا.

والله سبحانه يقول: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا}[6]، ويقول جل وعلا: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}[7].

فالله هو الذي يدعى سبحانه وتعالى، وهو الذي يكشف الضر وهو الذي يجلب النفع سبحانه وتعالى فيقول المؤمن: يا رب اشفني، يا رب أعني، يا رب اهدني سواء السبيل، يا رب أصلح قلبي وعملي، يا رب توفني مسلماً تدعو ربك بذلك؛ لقوله سبحانه: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}، ولقوله سبحانه: {وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ}[8]، وقوله جل وعلا: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}[9]. ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((الدعاء هو العبادة))[10].

فالمشروع للمسلمين رجالاً ونساء الإكثار من الدعاء والحرص على دعاء الله جل وعلا والضراعة إليه في جميع الحاجات سبحانه وتعالى، أما دعاء الأنبياء أو الأولياء أو غيرهم من الناس عند قبورهم أو في أماكن بعيدة عنهم كل هذا منكر، وهو شرك بالله عز وجل وشرك أكبر يجب الحذر منه، كهذا الذي ذكره السائل يا عباد الله يا أنبياء الله أعينونا أغيثونا كل هذا لا يجوز، قال الله جل وعلا: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}[11]، وقال سبحانه: {وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}[12]، ويقول جل وعلا في حق نبيه عليه الصلاة والسلام: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[13]، فالأمر عظيم ويقول تعالى: {وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}، فالواجب الحذر والواجب على كل مسلم وعلى كل من ينتسب للإسلام وعلى كل مكلف أن يعبد الله وحده وأن يخصه بالعبادة دون من سواه، قال سبحانه: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ}[14]، وقال تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}[15]، فلا تسأل نبيَّاً ولا شجراً ولا حجراً ولا صنماً ولا غير ذلك في طلب حاجة من نصر ولا شفاء مريض ولا غير ذلك، بل اسأل الله حاجتك كلها، هذا هو توحيد الله وهو الدين الحق وهذا هو الإسلام، وأن تتوجه إلى الله بسؤالاتك وحاجاتك وأن تعبده وحده بدعائك وصلاتك وصومك وسائر عباداتك، وهذا هو معنى لا إله إلا الله، فإن معناها لا معبود حق إلا الله، كما قال سبحانه: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ}[16].

أما المخلوق وإن كان عظيماً كالأنبياء فإنه لا يدعى من دون الله ولا يستغاث به ولا ينذر له ولا يذبح له، فعلى المسلم أن يفهم هذا جيداً، وعلى كل مكلف أن يفهم هذا جيداً، وأن يعلم أن هذا أمره عظيم وأن أصل دين الإسلام وقاعدته هو إخلاص العبادة لله وحده وهذا هو معنى لا إله إلا الله فإن معناها: لا معبود حق إلا الله، كما تقدم.

فالله سبحانه هو الذي يدعى وهو الذي يسأل، كما قال تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ}[17]، وقال تعالى: {إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا}[18]، فالخطأ في هذا أمره عظيم جداً لا يجوز التساهل فيه؛ لأنه شرك الجاهلية وشرك المشركين الأولين ولأنه ضد الإسلام، وضد لا إله إلا الله، فالواجب الحذر من هذه الشركيات، وعليك أيها السائل أن تنذر قومك وأن تبلغهم وأن ترشدهم إلى أن يتفقهوا في الدين ويتعلموا القرآن ويتدبروه، وأن يعتنوا بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم ويعملوا بها ويحضروا حلقات العلم عند العلماء المعروفين بالعلم والفضل وحسن العقيدة، وأن يستمعوا إلى إذاعة القرآن الكريم في المملكة العربية السعودية، وبرنامج نور على الدرب لما في ذلك من العلم النافع والأجوبة الشرعية عما يسأل عنه المستمعون، نسأل الله أن يوفق الجميع لما يرضيه.

أما سؤال الحي الحاضر والاستعانة به فيما يقدر عليه مباشرة، أو من طريق الكتابة ونحوها كالهاتف فلا بأس بذلك؛ لقـول الله عز وجل في قصة موسى عليه الصلاة والسلام في سورة القصص: {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ}[19]، وهذا أمر لا خلاف فيه بين أهل العلم والحمد لله.

——————————————————————————–

[1] أخرجه النسائي في كتاب الجمعة، باب إكثار الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم برقم 1374، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب فضل يوم الجمعة وليلة الجمعة برقم 1047، وابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ذكر وفاته ودفنه صلى الله عليه وسلم برقم 1636، وأحمد في أول مسند المدنيين رضي الله عنهم، مسند أوس بن أبي أوس الثقفي برقم 15729.

[2] سورة الأحزاب، الآية 56.

[3] أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم برقم 408.

[4] سورة المؤمنون، الآية 17.

[5] سورة فاطر، الآيتان 13، 14.

[6] سورة الجن، الآية 18.

[7] سورة غافر، الآية 60.

[8] سورة النساء، الآية 32.

[9] سورة البقرة، الآية 186.

[10] أخرجه الترمذي في كتاب الدعوات، باب منه برقم 3372.

[11] سورة لقمان، الآية 13.

[12] سورة الأنعام، الآية 88.

[13] سورة الزمر، الآية 65.

[14] سورة الإسراء، الآية 23.

[15] سورة الفاتحة، الآية 5.

[16] سورة الحج، الآية 62.

[17] سورة البقرة، الآية 163.

[18] سورة طه، الآية 98.

[19] سورة القصص، الآية 15.

السؤال :
ما ردكم على من يقول: إن عقيدة الخوارج كانت عقيدة سلفية وإنهم أي الخوارج سلفيون؟[1]

الجواب :
هذا قول باطل، وقد أبطله النبي صلى الله عليه وسلم بقوله في الخوارج: ((تمرق مارقة على حين فرقة من أمتي يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وقراءته مع قراءتهم، يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية، أينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم))[2] وفي لفظ آخر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الخوارج: إنهم ((يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان))[3].

وقد علم من عقيدتهم أنهم يكفرون العصاة من المسلمين، ويحكمون بخلودهم في النار؛ ولهذا قاتلوا علياً رضي الله عنه ومن معه من الصحابة وغيرهم، فقاتلهم علي وقتلهم يوم النهروان، رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين، والله الموفق.

——————————————————————————–

[1] من ضمن الأسئلة لسماحته من (مجلة الدعوة).

[2] أخرجه البخاري في كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام، برقم 3611.

[3] أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى: {وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ} برقم 3344.

السؤال :
لقد أجبت يا سماحة الشيخ على أحد الأسئلة المطروحة من أحد السائلين فيما يتعلق بالعذر بالجهل، متى يُعذر ومتى لا يُعذر، وذكرت بأن الأمر فيه تفصيل، ومما ذكرت بأنه لا يُعذر أحد بالجهل في أمور العقيدة، أقول يا سماحة الشيخ إذا مات رجل وهو لا يستغيث بالأموات ولا يفعل مثل هذه الأمور المنهي عنها إلا أنه فعل ذلك مرة واحدة فيما أعلم، حيث استغاث بالرسول صلى الله عليه وسلم وهو لا يعلم أن ذلك حرام وشرك، ثم حج بعد ذلك دون أن ينبِّه أحد على ذلك، ودون أن يعرف الحكم فيما أظن حتى توفاه الله وكان هذا الرجل يُصلي ويستغفر الله لكنه لا يعرف أن تلك المرة التي فعلها وهو يجهل مثل ذلك، هل يُعتبر مشركاً؟ نرجو التوضيح والتوجيه جزاكم الله خيراً.

الجواب :
إن كان من ذكرته تاب إلى الله بعد المرة التي ذكرت، ورجع إليه سبحانه واستغفر من ذلك زال حكم ذلك وثبت إسلامه، أما إذا كان استمر على العقيدة التي هي الاستغاثة بغير الله ولم يتب إلى الله من ذلك فإنه يبقى على شركه ولو صلى وصام حتى يتوب إلى الله مما هو فيه من الشرك.

وهكذا لو أن إنساناً يسب الله ورسوله، أو يسب دين الله، أو يستهزئ بدين الله، أو بالجنة أو بالنار فإنه لا ينفعه كونه يُصلي ويصوم، إذا وجد منه الناقض من نواقض الإسلام بطلت الأعمال حتى يتوب إلى الله من ذلك هذه قاعدة مهمة، قال تعالى: {وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}[1]، وقال سبحانه: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِينَ (66)}[2] وأمُّ النبي صلى الله عليه وسلم ماتت في الجاهلية واستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه ليستغفر لها فلم يؤذن له.

وقال صلى الله عليه وسلم لمن سأله عن أبيه: ((إن أبي وأباك في النار))[3] وقد ماتا في الجاهلية.

والمقصود أن من مات على الشرك لا يُستغفر له ولا يُدعى له، ولا يُتصدق عنه إلا إذا عُلِمَ أنه تاب إلى الله من ذلك، هذه هي القاعدة المعروفة عند أهل العلم، والله ولي التوفيق.

——————————————————————————–

[1] سورة الأنعام، الآية 88.

[2] سورة الزمر، الآيتان 65، 66.

[3] أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان أن من مات على الكفر فهو في النار برقم 203.

السؤال :
نريد من سماحتكم أن توجهوا نداء إلى الناس تُبيّنون فيه أهمية الدعوة إلى الله وتفسير النافي لمعنى (لا إله إلا الله).

الجواب :
في كتاب الله العظيم الكفاية العظيمة والدعوة إلى هذا الحق العظيم، فقد دعاهم مولاهم سبحانه وتعالى في كتابه العظيم في آيات كثيرة إلى أن يعبدوه وحده، وهكذا رسوله صلى الله عليه وسلم دعاهم إلى ذلك بمكة والمدينة مدة ثلاث وعشرين سنـة، يدعـو إلى الله ويبصِّر الناس بدينهم، كما قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[1]، وقال سبحانه: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ}[2]، وقال سبحانه: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ}[3]، وقال جل وعلا: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ (2) أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ}[4]، وقال سبحانه: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}[5]، وقال عز وجل: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ}[6] في آيات كثيرة، قال سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء}[7] وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: ((حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً))[8] متفق على صحته. وقال عليه الصلاة والسلام: ((من مات وهو يدعو من دون الله نداً دخل النار))[9]. وقال عليه الصلاة والسلام: ((من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة ومن لقيه يشرك به شيئاً دخل النار))[10].

فالواجب على جميع أهل الأرض من المكلفين أن يعبدوا الله وحده وأن يقولوا لا إله إلا الله وأن يشهدوا أن محمداً رسول الله وأن يخصوا الله بدعائهم وخوفهم ورجائهم واستغاثتهم وصومهم وصلاتهم وسائر عباداتهم، وهكذا طوافهم بالكعبة يطوفون بالكعبة تقرباً إلى الله وعبادة له وحده سبحانه وتعالى، وأن يحذروا دعوة غير الله بأصحاب القبور أو بالأصنام أو الأنبياء أو غير ذلك، فالعبادة حق الله وحده، لا يجوز لأحد أن يصرفها لغيره سبحانه وتعالى، والعبادة: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، الصلاة عبادة والصوم عبادة والصدقة عبادة والحج عبادة وخوف الله عبادة ورجاؤه عبادة والنذر عبادة والذبح عبادة وهكذا لا يستغيث إلا بالله ولا يطلب المدد إلا من الله سبحانه وتعالى؛ لأنه خالقه ومعبوده هو الحق سبحانه وتعالى، وقد بعث الله الرسل كلهم بذلك من أولهم إلى آخرهم من أولهم نوح إلى آخرهم محمد عليهم أفضل الصلاة والسلام، كلهم يدعون الناس إلى توحيد الله كما قال عز وجل: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ}[11] وقال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ}[12].

وكان صلى الله عليه وسلم يقول لأهل مكة: ((يا قوم قولوا لا إله إلا الله تفلحوا))[13] هذا هو الواجب على جميع المكلفين من الرجال والنساء، من العجم والعرب، من الجن والإنس، في جميع أرض الله، يجب عليهم أن يعبدوا الله وحده، وأن يقولوا لا إله إلا الله وأن يخصوه بالعبادة سبحانه وتعالى وألاَّ يعبدوا معه سواه لا صنماً ولا نبياً ولا ملكاً ولا جنياً ولا شجراً ولا غير ذلك، العبادة حق الله وحده: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ}[14] هذا هو الواجب على جميع المكلفين من جن وإنس، من عرب وعجم من ذكور وإناث من ملوك وعامة، يجب على الجميع أن يعبدوا الله وحده وأن يخصوه بدعائهم وخوفهم ورجائهم وتوكلهم واستغاثاتهم ونذورهم وذبحهم وصلاتهم وصومهم ونحو ذلك، كما قال عز وجل: {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا}[15] {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ}[16] {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}[17] {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}[18].

لكن خوف الإنسان ما يضره واتخاذ الأسباب غير داخل في العبادة، خوفه من اللص حتى يغلق الباب ويتخذ الحرس لا حرج في ذلك كما قال الله عن موسى لما خاف فرعون قال: {فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ}[19] خائف من شر فرعون، وخوف الأمور الحسية، وخوف الظلمة واتخاذ الأسباب هذا غير داخل في العبادة، فإذا خاف من اللصوص وأغلق بابه وجعل حارساً على ماله، أو خاف حين سفره من اللصوص أو قطاع الطريق وحمل السلاح وسلك الطريق الآمنة، كل هذا لا بأس به، وهكذا إذا خاف الجوع أكل وإذا خاف الظمأ شرب، وإذا خاف البرد لبس ما يدفئه وما أشبه ذلك من الأمور الحسية المعروفة لا حرج في ذلك، وهكذا إذا استعان بأخيه في مزرعته، في إصلاح سيارته، في بناء بيته، هذه أمور عادية داخلة في العبادة، كما قال تعالى: {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ}[20] لموسى، هذه أمور عادية يقدر عليها المخلوق، التصرف مع المخلوق الحي الحاضر في أشياء يقدر عليها من تعاون في بناء، في مزرعة، في جهاد، وغير ذلك هذا غير داخل فيما يتعلق بالعبادة. لكن دعاء الميت دعاء الشجر، دعاء الصنم، دعاء الجن، دعاء الملائكة، دعاء الأنبياء؛ ليستغيث بهم هذا هو الشرك الأكبر، أو دعاء الحي في أمور لا يقدر عليها، يعتقد فيه أن له تصرفاً في الكون، كما يفعل بعض الصوفية مع مشايخهم يدعونهم مع الله ويعتقدون أن لهم تصرفاً في الكون فإن لهم سراً يستطيعون أن يعلموا الغيب أو ينفعوا بما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل، هذه أمور شركية حتى مع الأحياء. نسأل الله السلامة.

——————————————————————————–

[1] سورة البقرة، الآية 21.

[2] سورة البقرة، الآية 163.

[3] سورة الإسراء، الآية 23.

[4] سورة الزمر، الآيتان 2، 3.

[5] سورة غافر، الآية 14.

[6] سورة محمد، الآية 19.

[7] سورة البينة، الآية 5.

[8] أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الجهاد والسير، باب اسم الفرس والحمار برقم 2856، ومسلم في صحيحه كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة برقم 30.

[9] أخرجه البخاري في كتاب تفسير القرآن، باب قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً} برقم 4497.

[10] أخرجه مسلم في كتاب الإيـمان، باب من مات لا يُشرك بالله شيئاً دخل الجنة، برقم 93.

[11] سورة النحل، الآية 36.

[12] سورة الأنبياء، الآية 25.

[13] الإمام أحمد في مسند المكيين، حديث ربيعة بن عباد الديلي رضي الله عنه برقم 15593 بلفظ: "يا أيها الناس…."، وابن حبان 14/6562.

[14] سورة الإسراء، الآية 23.

[15] سورة النساء، الآية 36.

[16] سورة الإسراء، الآية 23.

[17] سورة الفاتحة، الآية 5.

[18] سورة البينة، الآية 5.

[19] سورة القصص، الآية 21.

[20] سورة القصص، الآية 15.

السؤال :
معلوم أن المغترب العربي يعود إلى بلده وقد اشترى من العملات العالمية؛ مثل الدولار وجنيهات الذهب، أو حتى أي عملة غير عملة بلده، ثم يعود لبلده ليبيعها، فيسعى وراء أعلى سعر يبيعه به.

ومن أماكن البيع ما هو رسمي لدى الدولة، ومنها ما يسمى (السوق السوداء)، والسؤال هو: متى يكون هذا ربا فضل؟ وماذا ينبغي عندئذ؟[1]

الجواب :
العُمل تختلف؛ فإذا باع عملة بعملة أخرى يداً بيد فهذا ليس فيه ربا؛ كأن يبيع الدولار بالجنيه المصري أو بالعملة اليمنية يداً بيد فلا بأس، وهكذا إذا باع أي عملة بعملة أخرى يداً بيد فإنه ليس في هذا ربا.

أما إذا باع العملة بعملة أخرى إلى أجل؛ كأن يبيع الدولار بالعملة اليمنية إلى أجل، أو بالجنيه المصري أو الإسترليني أو الدينار الأردني أو العراقي إلى أجل، هذا يكون ربا؛ لأنها منزّلة منزلة الذهب والفضة؛ فلا يجوز بيعها بعضها ببعض مؤجلاً، بل لابد من القبض في المجلس.

أما ربا الفضل، فإنه يقع بالعملة بنفسها إذا باع العملة بالعملة نفسها متفاضلاً؛ كأن يبيع الجنيه الإسترليني بجنيه إسترليني وزيادة؛ كجنيه إسترليني بجنيهين، هذا ربا، ولو كان يداً بيد، أو يبيع العملة السعودية عشرة ريالات بأحد عشر ريالاً، هذا ربا فضل، وإذا كان بأجل كان ربا فضل ونسيئة جميعاً، فيها نوعا الربا.

وهكذا ما أشبه ذلك؛ كالدولار بدولارين أو بثلاثة إلى أجل أو حالاً، يداً بيد، هو ربا فضل، فإن كان إلى أجل كان ربا فضل ونسيئة. اجتمع فيه الأمران. هذه أوجه الربا.

——————————————————————————–

[1] سؤال موجه لسماحته، وأجاب عنه عندما كان رئيساً عاماً لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد

السؤال :
قمت ببيع سيارة لأحد الأصدقاء بمبلغ (40000) أربعين ألف ريال، على أن تدفع قيمتها على أقساط شهرية قيمة القسط (2017) ألفا ريال، وصديقي هذا يمرَّ بأزمة مالية؛ فطلب مني أن أبيعها في المعرض – حيث إن السيارة لازالت باسمي – وقد أخذت في الثمن كمبيالة، واشترطت على صديقي أن يكون حاضراً معي وقت البيع ليقبضه وثمنه، ويكون البيع برضاه، فوافق، وتم بيع سيارتي في المعرض بمبلغ (27000) سبعة وعشرين ألف ريال، وقام بعد ذلك بقبض ثمن السيارة، حيث سدد به بعض ديونه.

وأنا لم يكن عندي مال أقرضه، ولم يكن عندي سوى سيارتي التي اشتراها مني سابقاً – كما ذكرت – حتى أنه لم يكن لي رغبة في بيعها، فهل في معاملتي هذه شيء من الربا؟ وهل البيع بالتقسيط جائز، مع العلم أن سيارتي كلفتني مبلغ (35000) ريال؟

الجواب :
البيع بالتقسيط لا حرج فيه إذا كانت الأقساط معلومة والآجال معلومة؛ لعموم قوله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ}[1]، فالله أباح المداينة إلى أجل مسمى.

فإذا كانت الأقساط واضحة معلومة والآجال معلومة، فلا بأس، كما فعلت مع صاحبك في كل شهر (2017) ألفين معلومة، والجملة معروفة (40000)، ليس بهذا شيء، إذا كنت حين بعت السيارة وهي في ملكك وتحت قبضتك وتصرفك، فلا حرج في ذلك.

أما كونك توليت هذا فأنت محسن، وهذا من باب الوكالة، فأنت في هذا محسن ومأجور مادمت فعلته لله.

——————————————————————————–

[1] سورة البقرة، الآية 282.


السؤال :
وقع خلاف بين شخصين حول تكفير من يطوف حول القبر ويستغيث به، فمنهم من يقول إن هذا الفعل فعل شرك ولا خلاف ولكن يعذر صاحب هذا الفعل لجهله بأمور التوحيد، والآخر يقول: يكفر ذلك الشخص الذي يستغيث بغير الله ولا يعذر بسبب الجهل بأمور التوحيد ولكن يعذر في الفرعيات والأمور الفقهية، والسؤال هو: أي الرأيين صواب وأيهما خطأ؟

الجواب :
الصواب قول من قال: إن هذا لا يعذر؛ لأن هذه أمور عظيمة وهي من أصول الدين وهو أول شيء دعا النبي صلى الله عليه وسلم قبل الصلاة والصوم والزكاة وغير ذلك، فأصول الدين لا يعذر فيها بالجهل لمن هو بين المسلمين ويسمع القرآن ويسمع الأحاديث، الاستغاثة بأصحاب القبور والنذر لهم ودعاؤهم وطلبهم الشفاء والمدد، كل هذا من أعظم الشرك بالله عز وجل.

والله سبحانه يقول سبحانه في كتابه العظيم: {وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ}[1] فسماهم كفاراً بذلك.

وقال عز وجل: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ (13) إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ}[2] سبحانه وتعالى سمى دعاءهم إياهم شركاً، والله يقول جل وعلا: {فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا}[3].

ويقول سبحـانه: {وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ}[4].

فالظالمون هم المشركون، إذا أطلق الظلم فهو الشرك، كما قال عز وجل: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}[5].

وهكذا الطواف بالقبور، إذا طاف يتقرب بذلك إلى صاحب القبر فهو مثل إذا دعا واستغاث به يكون شركاً أكبر، أما إذا طاف يحسب أن الطواف بالقبور قربة إلى الله قصده التقرب إلى الله، كما يطوف الناس بالكعبة ليتقرب إلى الله بذلك وليس يقصد الميت، فهذا من البدع ومن وسائل الشرك المحرمة والخطيرة، ولكن الغالب على من طاف بالقبور أنه يتقرب إلى أهلها بالطواف ويريد الثواب منهم والشفاعة منهم، وهذا شرك أكبر نسأل الله العافية كالدعاء.

——————————————————————————–

[1] سورة المؤمنون، الآية 117.

[2] سورة فاطر، الآيتان 13، 14.

[3] سورة الجن، الآية 18.

[4] سورة يونس، الآية 106.

[5] سورة لقمان، الآية 13.

السؤال :
نرجو من سماحتكم التفضل بتوضيح أنواع الشرك وهل الحلف بغير الله شرك يخرج صاحبه من الملة؟

الجواب :
الشرك نوعان: شرك أكبر وشرك أصغر، فالشرك الأكبر: صرف العبادة لغير الله أو بعضها، كدعاء الأموات والاستغاثة بهم والنذر لهم أو للجن أو للملائكة هذا يقال له شرك أكبر، كما كانت قريش وغيرها من العرب يفعلون ذلك عند أصنامهم وأوثانهم، ومن ذلك جحد الإنسان أمراً معلوماً من الدين بالضرورة وجوباً أو تحريماً فمن جحده كان كافراً ومشركاً شركاً أكبر، كمن قال: الصلاة لا تجب على المكلفين من المسلمين، أو قال: الزكاة لا تجب على من عنده مال، أو قال: صوم رمضان لا يجب على المسلم المكلف، أو أحل ما حرمه الله كما هو معلوم من الدين بالضرورة، كأن يقول: الزنا حلال، أو شرب المسكر حلال، أو عقوق الوالدين حلال، أو السحر حلال، أو ما أشبه ذلك. فهذا يكون كافراً ومشركاً شركاً أكبر، القاعدة أن من صرف العبادة أو بعضها لغير الله من أصنام أو أوثان أو أموات أو غيرهم من الغائبين فإنه مشرك شركاً أكبر، وكذلك الحكم فيمن جحد ما أوجب الله، أو ما حرم الله مما هو معلوم من الدين بالضرورة مما أجمع عليه المسلمون، فهذا يكون كافراً ومشركاً شركاً أكبر. وكل من أتى ناقضاً من نواقض الإسلام يكون مشركاً شركاً أكبر كما قلنا.

أما الشرك الأصغر فهو أنواع أيضاً: مثل الحلف بغير الله، والحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم، وبالأمانة، وبرأس فلان، وما أشبه ذلك، فهذا شرك أصغر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((من حلف بشيء دون الله فقد أشرك))[1] وهكذا الرياء، يقرأ للرياء أو يتصدق للرياء، فهذا شرك أصغر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((أخوف ما أخاف على أمتي الشرك الأصغر)) فسئل عنه فقال: ((الرياء))[2]. وهكذا لو قال: ما شاء الله وشاء فلان بالواو أو لولا الله وفلان أو هذا من الله وفلان؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا ما شاء الله وحده ثم شاء فلان))[3]. ولما قال رجل: يا رسول الله ما شاء الله وشئت، قال: ((أجعلتني لله نداً ما شاء الله وحده))[4].

وقد يكون الشرك الأصغر شركاً أكبر إذا اعتقد صاحبه أن من حلف بغير الله أو قال: ما شاء الله وشاء فلان، فإن له التصرف في الكون، أو أن له إرادة تخرج عن إرادة الله وعن مشيئته سبحانه، أو أن له قدرة يضر وينفع من دون الله، أو اعتقد أنه يصلح أن يعبد من دون الله وأن يستغاث به، فإنه يكون بذلك مشركاً شركاً أكبر بهذا الاعتقاد.

أما إذا كان مجرد حلف بغير الله من دون اعتقاد آخر، لكن ينطق لسانه بالحلف بغير الله؛ تعظيماً لهذا الشخص، يرى أنه نبي أو صالح أو لأنه أبوه أو أمه وتعظيمها لذلك، أو ما أشبه ذلك فإنه يكون من الشرك الأصغر وليس من الشرك الأكبر.

——————————————————————————–

[1] أخرجه أحمد في مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما برقم 4886.

[2] أخرجه أحمد في باقي مسند الأنصار، باب حديث محمود بن لبيد رضي الله عنه برقم 23119.

[3] أخرجه أبو داود في كتاب الأدب، باب لا يقال خبثت نفسي برقم 4980، وأحمد في باقي مسند المكثرين، حديث حذيفة بن اليمان عن النبي صلى الله عليه وسلم، برقم 22754.

[4] أخرجه أحمد في مسند بني هاشم، مسند عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، إلا أنه قال: "عدلا" بدل "ندا" برقم 1842.

السؤال :
ما حكم النطق بالشهادة أثناء الوضوء في داخل دورة المياه؟

الجواب :
السنة إذا فرغ من الوضوء أن يتشهد خارج الحمام؛ لأنه ليس هناك ضرورة أن يتشهد داخل الحمام. بل إذا فرغ يخرج ثم يقول: ((أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين)) ويكره أن يقول هذا في الداخل.

أما عند بدء الوضوء فيسمي ولو في الداخل، فيقول: بسم الله ثم يتوضأ؛ لأنه محتاج إلى التسمية، وقد أوجبها جمع من أهل العلم مع الذكر فلا يدعها، والكراهة تزول عند الحاجة. أما الشهادة فليس هناك حاجة أن يأتي بها وهو في الحمام، بل يخرج ثم يأتي بالشهادة بعد ذلك.

السؤال :
التفرق والتمزق والاختلاف يسود الأمة الإسلامية. كيف يمكن جمع كلمة المسلمين على الخير ونبذ الاختلاف والتفرق؟[1]

الجواب :
الطريق إلى جمع كلمة المسلمين على الحق ونبذ الخلاف والتفرق هو التمسك بكتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام والاستقامة على ذلك والتواصي بذلك والتعاون على البر والتقوى، ورد كل ما يتنازعون فيه إلى كتاب الله سبحانه وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحكيمهما في كل شيء كما قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}[2]، وقال عز وجل: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ}[3] الآية. وأولو الأمر هم العلماء بدين الله المعروفون بحسن العقيدة والسيرة وأمراء المسلمين، ومتى حصل النزاع في شيء بينهم وجب رده إلى الله والرسول صلى الله عليه وسلم، والرد إلى الله هو الرد إلى القرآن الكريم، والرد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم هو الرد إليه في حياته وإلى سنته الصحيحة بعد وفاته، وما حكما به أو أحدهما فهو حكم الله عز وجل، فالواجب على جميع المسلمين حكومات وشعوبا، علماء وأمراء أن يتقوا الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فيما شجر بينهم عملا بالآيتين السابقتين وعملا بقوله عز وجل: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}[4]، وبقوله عز وجل: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}[5]، وعملا بقوله عز وجل: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}[6]. ونسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يصلح أحوال المسلمين جميعا في كل مكان، وأن يؤلف بين قلوبهم على الحق ويجمعهم على الهدى، وأن يعيذهم جميعا من نزغات الشيطان، ومكائد الأعداء وأن يصلح قادتهم ويولي عليهم خيارهم إنه سميع قرب.

——————————————————————————–

[1] هذا السؤال موجه من جريدة عكاظ بمناسبة دخول شهر رمضان المبارك عام 1413هـ.

[2] سورة النساء الآية 59.

[3] سورة الشورى الآية 10.

[4] سورة النساء الآية 65.

[5] سورة العصر.

[6] سورة آل عمران الآية 103.

السؤال :
رسالة من أم بلال خميس مشيط، تقول: ما هو الراجح في إرضاع الكبير؟

الجواب :
الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

فقد اختلف أهل العلم في رضاع الكبير هل يؤثر أم لا؟ والسبب في ذلك أنه ورد في الحديث الصحيح عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر سهلة بنت سهيل أن ترضع سالماً مولى أبي حذيفة وكان كبيراً وكان مولى لدى زوجها، فلما كبر طلبت من النبي صلى الله عليه وسلم الحل لهذا الأمر، فأمرها أن ترضعه خمس رضعات، فاختلف العلماء في ذلك، والصحيح من قولي العلماء أن هذا خاص بسالم وبسهلة بنت سهيل وليس عاماً للأمة، كما قاله غالب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وقاله جمع غفير من أهل العلم وهذا هو الصواب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا رضاع إلا ما فتق الأمعاء وكان قبل الفطام))[1]، ولقوله عليه الصلاة والسلام: ((إنما الرضاعة من المجاعة))[2] رواه الشيخان في الصحيحين، ولقوله أيضاً عليه الصلاة والسلام: ((لا رضاع إلا في الحولين))[3]، فهذه الأحاديث تدل على أن الرضاع يختص بالحولين، ولا يؤثر الرضاع بعد ذلك، وهذا هو الصواب، والله جل وعلا ولي التوفيق.

——————————————————————————–

[1] أخرجه الترمذي في كتاب الرضاع، باب ما جاء ما ذكر أن الرضاعة لا تحرم إلّا في الصغر، برقم 1027، وابن ماجه في كتاب النكاح، باب لا رضاع بعد فصال، برقم 1936 مختصراً.

[2] أخرجه البخاري في كتاب الشهادات، باب الشهادة على الأنساب والرضاع المستفيض والموت، برقم 2453، ومسلم في كتاب الرضاع، باب إنما الرضاعة من المجاعة، برقم 2642.

[3] أخرجه الدار قطني في سننه، 4/174

السؤال :
كثيراً ما يحدث بين الناس مثل هذا في كثير من البيوت، وهو عضل البنت عن الزواج؛ بسبب رأي أحد أفراد الأسرة. حبذا لو تفضلتم بتوجيه عام في هذا.

الجواب :
الواجب على الأسرة – وبالأخص على وليها – أن يختار لها الرجل الصالح الطيب في دينه وخلقه، فإذا رضيت وجب أن تُزوَّج، ولا يجوز لأحد أن يعترض في ذلك؛ لهوى في نفسه؛ أو لغرض آخر من الدنيا، أو لعداوة وشحناء، كل ذلك لا يجوز اعتباره، وإنما المعتبر كونه مرضياً في دينه وأخلاقه؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح في شأن المرأة: ((تنكح المرأة لأربع: لمالها ولجمالها ولحسبها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك))[1]، وهكذا يقال في الرجل سواءً بسواء.

فالواجب الحرص على الظفر بصاحب الدين، وإن أبى بعض الأسرة فلا يلتفت إليه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه؛ إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض، وفساد كبير))[2].

السؤال :
ما رأيكم في هؤلاء الذين يسمون أنفسهم "بالدراويش" ويطعنون أنفسهم بالخناجر والسكاكين وغيرها، وهم في ذلك قبل أن يقول: يا الله، يقول: يا رفاعي، فما رأي الشرع في ذلك؟ هل يوجد دليل على عملهم؟ وجزاكم الله خيراً.

الجواب :
هؤلاء كذابون ومحتالون، ليس لعملهم أصل بل هم كذبة يستعملون أشياء تلبس على الناس حتى يظن الناس أنهم يطعنون أنفسهم وليس الأمر كذلك. وإنما هو تلبيس وتزوير على العيون وسحر للناس كما قال الله عن سحرة فرعون أنهم استرهبوا الناس وسحروا أعينهم، فالمقصود أن هذا الصنف من الناس – من الفجرة والمحتالين – الذي لا أصل لما يفعلون، ولا يجوز أن يُصدقوا، بل هم كاذبون محتالون ملبسون على الناس، وإذا كانوا يدعون الرفاعي أو غير الرفاعي فهذا شرك أكبر، كالذي يقول: يا رفاعي أو يا رسول الله انصرنا أو اشفع لنا، أو يا علي يا سيدي علي أو يا حسين أو يا فلان أو يا سيدي البدوي أو كذا فكل هذا من الشرك الأكبر، كل هذا من العبادة لغير الله، وكل هذا من جنس عمل عُبَّاد القبور، وعباد اللات والعزى وأشباههم، فهو شرك أكبر نعوذ بالله من ذلك. وهؤلاء الذين يطعنون أنفسهم بالخناجر والسكاكين كله تلبيس وخداع ليس له أصل، بل هم بهذا كذبة فجرة، يجب على ولاة الأمور إذا كان هناك ولي أمر مسلم في بلدهم أن يأخذ على أيديهم وأن يعزرهم ويؤدبهم حتى يتوبوا من أعمالهم الخبيثة.

السؤال :
إذا تسمى الإنسان باسم، واكتشف أنه اسم غير شرعي، ما توجيهكم؟

الجواب :
الواجب التغيير، مثل من سمى نفسه عبد الحسين أو عبد النبي أو عبد الكعبة، ثم علم أن التعبيد لا يجوز لغير الله، وليس لأحد أن يعبد لغير الله، بل العبادة لله عز وجل مثل: عبد الله، عبد الرحمن، عبد الملك، وعليه أن يغير الاسم مثل عبد النبي أو عبد الكعبة، إلى عبد الله أو عبد الرحمن أو محمد أو أحمد أو صالح، أو نحو ذلك من الأسماء الشرعية. هذا هو الواجب، والنبي صلى الله عليه وسلم غير أسماء كثيرة.

أما إذا كان الاسم للأب، فإذا كان الأب حياً فيعلم حتى يغير اسمه، أما إن كان ميتاً، فلا حاجة إلى التغيير ويبقى كما هو؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يغير اسم عبد المطلب، ولا غيَّر أسماء الآخرين المعبدة لغير الله؛ كعبد مناف؛ لأنهم عُرفوا بها


السؤال :
ما المقصود بكلمة (أحصاها) في حديث الرسول الكريم عن أسماء الله الحسنى ((من أحصاها دخل الجنة))؟

الجواب :
الإحصاء يكون بالحفظ ويكون بتدبر وتعقل معانيها والعمل بمقتضى ذلك؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: ((إن الله تسعةً وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة))[1] وفي لفظٍ: ((من حفظها دخل الجنة))[2] والمعنى: إحصاؤها بتدبر المعاني، والنظر في المعاني مع حفظها؛ لما في ذلك من الخير العظيم، والعلم النافع، ولأن ذلك من أسباب صلاح القلب، وكمال خشيته لله والقيام بحقه سبحانه وتعالى.

——————————————————————————–

[1] أخرجه البخاري في كتاب الشروط، باب ما يجوز من الاشتراط والثنيا في الإقرار برقم 2736، ومسلم في كتاب الذكر، باب في أسماء الله تعالى وفضل من أحصاها برقم 2677.

[2] أخرجه البخاري في كتاب التوحيد، باب: إن لله مائة اسم إلا واحد برقم 7392.

السؤال :
إذا فرغ المصلي من صلاته وأراد أن يُسلم فهل يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، يميناً ثم شمالاً، أم يقول: السلام عليكم ورحمة الله فقط، وما حكم صلاة من فعل ذلك بزيادة وبركاته؟

الجواب :
المحفوظ في السنة ورحمة الله فقط، وهذا هو المشروع أن يقول: (السلام عليكم ورحمة الله) عن يمينه وشماله، أما زيادة (وبركاته) ففيها خلاف بين أهل العلم، وقد روى علقمة بن وائل عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال هكذا: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، لكن في رواية علقمة عن أبيه خلاف بين أهل العلم في صحة سماعه من أبيه أو عدمها، ومنهم من قال: إنها منقطعة، فالمشروع للمؤمن ألا يزيدها وأن يقتصر على: (ورحمة الله)، ومن زادها ظاناً صحتها أو جاهلاً بالحكم فلا حرج وصلاته صحيحة، ولكن الأولى والأحوط ألا يزيدها خروجاً من خلاف العلماء وعملاً بالأمر الأثبت والأحوط.

السؤال :
أرجو من سماحتكم إفادتنا عن صلاة الرجل منفرداً خلف الصف في الفريضة هل هي صحيحة أم عليه الإعادة؛ كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل الذي رآه منفرداً خلف الصف بالإعادة، وهل هذا الحديث صحيح أم غير صحيح أم منسوخ أم يتضارب مع أحاديث أخرى في هذا الصدد؟

نرجو توضيح ذلك توضيحاً شافياً كافياً؛ لأنه كثر الجدل في ذلك، وهل يجوز لمن أتى إلى المسجد والصف الأول منه منته ويخشى فوات الركعة أن يسحب رجلاً من وسط الصف أم يكبر ويدخل في الصلاة أم ينتظر، مع العلم أنه إذا انتظر يخشى فوات الركعة؟ أفتونا بارك الله فيكم.

الجواب :
لا يجوز للمسلم أن يصلي خلف الصف وحده؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا صلاة لمنفرد خلف الصف))[1]، وإذا صلّى وحده وجب عليه أن يعيد، لهذا الحديث وللحديث الذي ذكرته في السؤال وهما حديثان صحيحان.

وليس له أن يجر من الصف أحداً؛ لأن الحديث الوارد في ذلك ضعيف، وعليه أن يلتمس فرجة في الصف حتى يدخل فيها أو يصف عن يمين الإمام إن تيسر ذلك، فإن لم يتيسر له ذلك انتظر حتى يوجد من يصف معه ولو فاتته ركعة، هذا هو الأصح من قولي العلماء للأحاديث المذكورة وغيرها مما جاء في هذا المعنى.

والواجب على أهل العلم في مسائل التنازع ردها إلى الله ورسوله وعدم التقليد في ذلك؛ لقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}[2]، ولقوله سبحانه: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ}[3] والله ولي التوفيق.

——————————————————————————–

[1] أخرجه الإمام أحمد في أول مسند المدنيين ، حديث على بن شيبان رضي الله عنه برقم 15708 .

[2] سورة النساء، الآية 59.

[3] سورة الشورى الآية 10.

السؤال :
لقد وجدت حديثاً مُثبتاً وهذا نصه: ((إذا كان أحدكم في صلاة، فمرَّ أمامه حمار أو كلب أسود أو امرأة فإن صلاته باطلة))، فإذا كان نص الحديث صحيحاً فما رأيكم في الذين يصلون في الحرم الشريف وتمر النساء أمامهم وهن طائفات؟

الجواب :
الحديث صحيح يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((يقطع صلاة المرء المسلم إذا لم يكن بين يديه مثل مؤخرة الرحل: المرأة والحمار والكلب الأسود))، رواه الإمام مسلم في صحيحه[1]، وروي مثله عن أبي هريرة رضي الله عنه لكن ليس فيه تقييد الكلب بالأسود، والمقصود أن هذا ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم والقاعدة أن المطلق يُحمل على المقيد فإذا مر بين يدي المصلي أو بينه وبين سترته كلب أسود أو حمار أو امرأة، كل واحد يقطع صلاته.

هكذا جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو الأصح من أقوال أهل العلم، وفي ذلك خلاف بين أهل العلم:

– منهم من يؤوله على أن المراد قطع الثواب، أو قطع الكمال.

– ولكن الصواب أنها تقطع الصلاة وأنها تبطل بذلك.

لكن ما يقع في المسجد الحرام معفُوٌّ عنه عند أهل العلم؛ لأن في المسجد الحرام لا يمكن للإنسان أن يتقي ذلك بسبب الزحام ولاسيما في أيام الحج فهذا مما يُعفى عنه في المسجد الحرام ويُستثنى من عموم الأحاديث، فما يقع من مرور بعض النساء أو الطائفات بين يدي المصلين في المسجد الحرام لا يضرهم وصلاتهم صحيحة: النافلة والفريضة، هذا هو المعتمد عند أهل العلم.

——————————————————————————–

[1] أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب قدر ما يستر المصلي برقم 789.

السؤال :
إذا حلف الإنسان وهو في حالة غضب، هل يكون حلفه حلفاً يحقق فعل شيء أو ترك شيء، مع العلم أني لا أذكر أحياناً بعض ما أحلف عليه، ما كفارة هذا جزاكم الله خيراً؟

الجواب :
من حلف وهو غضبان فحاله حال تفصيل:

إن كان قد اشتد به الغضب حتى فقد شعوره، ولم يميز من شدة الغضب – لم يملك نفسه – فهذا لا تنعقد يمينه، ولا يلزمه شيء، كما لو طلق في حال شدة الغضب، وعند المسابّة، والمخاصمة الشديدة والمضاربة ونحو ذلك حتى فقد شعوره؛ لأنه في هذه الحال أشبه بالمعتوهين والمجنونين.

أما الغضب العادي فإنه لا يمنع الطلاق، ولا يمنع انعقاد اليمين، فإذا قالت: والله لا أكلم فلانة، أو قال الرجل: والله لا أكلم فلاناً أو لا أزوره أو لا أجيب دعوته، ولا كان غضبان، لكن الغضب لم يخل بشعوره، ولم يبلغ حده للشدة التي تغيِّر الشعور، وتمنع الإنسان من الفكر والنظر، فهذا عليه كفارة اليمين إذا خالف يمينه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها، فكفر عن يمينك وأت الذي هو خير)). فإن قال: والله لا أزوره، ولو كان غضبان، أو قال: والله لا أكلمه ثم زاره أو كلمه، فعليه كفارة يمين، وهكذا المرأة السائلة إذا قالت: لا أكلم فلانة أو لا أزور فلانة أو لا اشتري لها كذا أو لا أعطيها كذا، ثم أرادت الفعل، فلها أن تفعل وتكفر عن يمينها. الرجل والمرأة في هذا سواء؛ لهذا الحديث الصحيح، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: ((إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها، فكفر عن يمينك وأت الذي هو خير))، وقال عليه الصلاة والسلام: ((والله إني إن شاء الله لا أحلف على يمين، فأرى غيرها خيراً منها، إلا كفرت عن يميني، وأتيت الذي هو خير)).

ما صحة حديث: ((لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه))
السؤال :
ما حكم التسمية قبل الوضوء، وإذا لم يسمِّ الإنسان، فما حكم وضوئه جزاكم الله خيراً؟

الجواب :
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه أما بعد:

فالتسمية عند الوضوء سنة عند الجمهور (جمهور العلماء) وذهب بعض أهل العلم إلى وجوبها مع الذكر، فينبغي للمؤمن أن لا يدعها، فإن نسي أو جهل فلا شيء عليه ووضوؤه صحيح.

أما إن تعمد تركها وهو يعلم الحكم الشرعي، فينبغي له أن يعيد الوضوء احتياطاً وخروجاً من الخلاف؛ لأنه جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه))[1].

وهذا الحديث جاء من طرق، وقد حكم جماعة من العلماء أنه غير ثابت، وأنه ضعيف، وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله: إنه حسن بسبب كثرة الطرق، وذلك من باب الحسن لغيره، فينبغي للمؤمن أن يجتهد في التسمية عند أول الوضوء وهكذا المؤمنة فإن نسيا ذلك أو جهلا ذلك فلا حرج.

——————————————————————————–

[1] أخرجه الترمذي في كتاب الطهارة، باب ما جاء في التسمية عند الوضوء، برقم 25، وابن ماجه في كتاب الطهارة وسننها، باب ما جاء في التسمية عند الوضوء، برقم 392.

السؤال :
نجد لحوماً كثيرة مذبوحة ومستوردة من بلاد غير إسلامية. هل نأكل منها، ولا نفكر في عملية الذبح؟

الجواب :
إذا كانت اللحوم من بلاد أهل الكتاب – وهم اليهود والنصارى – فلا بأس؛ لأن الله تعالى أباح لنا طعامهم، وطعامهم: ذبائحهم، فلا مانع أن نأكل منها إذا لم نعلم ما يمنع من ذلك.

فأما إذا علمنا أنها ذبحت خنقاً أو ضرباً في الرؤوس بالمطارق ونحوها أو المسدسات، أو صرعاً بالكهرباء، فلا نأكل منها، وقد بلغني عن كثير من الدعاة، أن كثيراً من المجازر تذبح على غير الطريقة الشرعية في أمريكا وفي أوروبا.

فإذا احتاط المؤمن ولم يأكل من هذه اللحوم، كان ذلك أحسن وأسلم؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك))[1]، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه))[2].

فالمؤمن عليه أن يحتاط في شرابه وطعامه، فإذا اشترى الحيوان حياً من الدجاج أو من الغنم وذبحها بنفسه، يكون ذلك أولى وأحسن، أو اشتراه من جزارين معروفين بالذبح على الطريقة الشرعية، يكون هذا خيراً له، وأحوط له.

——————————————————————————–

[1] أخرجه الترمذي برقم: 2442 (كتاب صفة القيامة والرقائق والورع)، والنسائي برقم: 5615 (كتاب الأشربة).

[2] أخرجه البخاري برقم: 50 (كتاب الإيمان)، باب (فضل من استبرأ لدينه)، ومسلم برقم: 2996 (كتاب المساقاة)، باب (أخذ الحلال وترك الشبهات).

السؤال :
هل قرض البنك العقاري والزراعي يعتبر دينا على الشخص إذا استقرضه وتوفي قبل أن يسدده؟ ثم ماذا يجب على الورثة تجاه ذلك؛ لأنهم يريدون – في الواقع – راحة الميت، إذا لم يستطيعوا أن يسددوا البنك بسرعة، فما الحكم؟

الجواب :
القرض الذي للبنك العقاري ولغيره مثل غيره من الديون، يجب أن يسدد في وقته في حق الحي والميت، فإذا مات شخص وعليه دين للبنك وجب تسديده في أوقاته – إذا التزم به الورثة – فإن لم يلتزموا سدد في الحال من التركة؛ حتى يستريح الميت من تبعة الدين، وقد جاء في الحديث عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: ((نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه))[1].

لكن إذا كان الدين مؤجلاً، والتزم الورثة أو بعضهم بأن يؤدى في وقته، فإنه يتأجل، ولا يحل ولا يضر الميت؛ لأنه مؤجل، فإن لم يلتزم به أحد في وقته، وجب أن يسدد من التركة؛ حتى يسلم الميت من تبعة ذلك.

——————————————————————————–

[1] رواه الإمام أحمد في باقي مسند المكثرين من الصحابة، باقي مسند أبي هريرة، برقم: 10221، والترمذي في الجنائز، باب ما جاء عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: " نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه "، برقم: 1078.

السؤال :
السائل يرجو شرح هذا الحديث، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله)).

الجواب :
هذا الحديث صحيح، رواه الشيخان: البخاري ومسلم في الصحيحين، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله))[1].

وهذا على ظاهره، فإن من أتى بالشهادتين وهو لا يأتي بها قبل ذلك، وأقام الصلاة، وآتى الزكاة، فإنه يعتبر مسلماً حرام الدم والمال إلا بحق الإسلام، يعني: إلا بما يوجبه الإسلام عليه بعد ذلك، كأن يزني، فيقام عليه حد الزنا؛ إن كان بكراً: فبالجلد والتغريب، وإن كان ثيباً: فبالرجم الذي ينهي حياته، وهكذا بقية أمور الإسلام، يطالب بها هذا الذي أسلم، وشهد هذه الشهادة، وأقام الصلاة، وآتى الزكاة، فيطالب بحقوق الإسلام وهو معصوم الدم والمال، إلا أن يأتي بناقض من نواقض الإسلام، أو بشيء يوجب الحد عليه، وهكذا قوله في الحديث الآخر عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم، إلا بحقها، وحسابهم على الله)).

هذا الحديث مثل ذلك الحديث؛ من أتى بالتوحيد والإيمان بالرسالة فقد دخل في الإسلام، ثم يطالب بحق الإسلام، فيطالب بالصلاة والزكاة والصيام والحج، وغير ذلك، فإن أدى ما أوجب الله عليه فهو مسلم حقاً، وإن امتنع عن شيء أخذ بحق الله فيه، وأجبر وألزم بحقوق الله التي أوجبها على عباده، وهذا هو الواجب على جميع من دخل في دين الإسلام؛ أن يلتزم بحق الإسلام، فإن لم يلتزم أخذ بحق الإسلام.

——————————————————————————–

[1] أخرجه البخاري برقم: 24، كتاب (الإيمان)، ومسلم برقم: 33، كتاب (الإيمان).

السؤال :
حلفت يوماً نتيجة زعل ألاّ أصل الزوجة إلا بعد كذا يوم، وقد وصلتها قبل إتمام المدة، ما هو توجيهكم؟

الجواب :
عليك كفارة يمين – كما تقدم في السؤال السابق[1] – فإذا حلف الإنسان على شيء مستقبل كأن يقول: "والله لا أصل زوجتي يومين أو ثلاثة" ثم خالف يمينه، فعليه كفارة يمين، وهي: إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو عتق رقبة، فمن عجز فعليه صيام ثلاثة أيام.

والمعنى أنه يكفر بإطعام عشرة مساكين؛ يعني يعشيهم أو يغديهم أو يدفع إليهم طعاماً، كل واحد نصف صاع؛ يعني: كيلو ونصف تقريباً من التمر أو الأرز أو الحنطة، أو غيره من قوت البلد.

أو يكسوهم كسوة تجزئهم في الصلاة؛ كالقميص أو إزار ورداء، أو صيام ثلاثة أيام[2]، هذه كفارة اليمين كما نص الله على ذلك في كتابه العظيم حيث قال سبحانه: {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[3].

——————————————————————————–

[1] يقصد الشيخ كلاما له سابق تجده في فتوى رقم (3242).

[2] يعني: إذا عجز عن الإطعام والكسوة.

[3] سورة المائدة، الاية 89.

السؤال :
هل يجوز للمعلمة قبول الهدية من الطالبات؟ وإذا كان لا يجوز لها ذلك، هل يجوز قبولها بعد انتهاء العام الدراسي وتسليم النتائج؟ وإذا كان ذلك أيضاً لا يجوز، فهل يجوز لها قبولها من الطالبات بعد انتهاء مدة تدريسها في تلك المدرسة – إذا أرادت الانتقال من هذه المدرسة لمدرسة أخرى -؟

الجواب :
الواجب على المعلمة ترك قبول الهدايا؛ لأنها قد تجرها إلى الحيف، وعدم النصح في حق من لم يهد لها، والزيادة بحق المهدية والغش، فالواجب على المدرسة ألا تقبل الهدية من الطالبات بالكلية؛ لأن ذلك قد يفضي إلى ما لا تحمد عقباه، والمؤمن والمؤمنة عليهما أن يحتاطا لدينهما، ويبتعدا عن أسباب الريبة والخطر، أما بعد انتقالها من المدرسة إلى مدرسة أخرى فلا يضر ذلك؛ لأن الريبة قد انتهت حينئذ، والخطر مأمون، وهكذا بعد فصلها من العمل، أو تقاعدها، إذا أهدوا إليها شيئاً فلا بأس.

السؤال :
ما حكم من صلى والدخان في جيبه وهو ساه أو متعمد؟

الجواب :
الدخان من المحرمات الضارة بالإنسان، وهو من الخبائث التي حرمها الله عز وجل، وهكذا بقية المسكرات من سائر أنواع الخمور؛ لما فيها من مضرة عظيمة، وهكذا القات المعروف عند أهل اليمن وغيرهم محرم؛ لما فيه من المضار الكثيرة، وقد نص كثير من أهل العلم على تحريمه.

والدخان فيه خبث كثير وضرر كثير، فلا يجوز شربه ولا بيعه ولا شراؤه ولا التجارة فيه، وقد قال جل وعلا في كتابه العظيم: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ}[1]، فلم يحل الله لنا الخبائث، والدخان ليس من الطيبات، بل هو خبيث الطعم، خبيث الرائحة، عظيم المضرة، وهو من أسباب موت السكتة، ومن أسباب أمراض كثيرة فيما ذكره الأطباء منها السرطان، فالمقصود أنه مضر جداً، وخبيث، وحرام بيعه وشراؤه، وحرام التجارة فيه.

­أما الصلاة وهو في الجيب فلا يضر، فالصلاة صحيحة؛ لأنه شجر ليس بنجس، ولكنه محرم ومنكر كما سبق، لكن لو صلى وهو في جيبه عامداً أو ساهياً فصلاته صحيحة، ويجب عليه إتلافه، والحذر منه، والتوبة إلى الله عما سلف من تعاطيه.

——————————————————————————–

[1] سورة المائدة الآية 4.

السؤال :
سمعت أنه يستحب تأخير وقت صلاة العشاء للرجال فهل يجوز ذلك للنساء؟

الجواب :
الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه أما بعد:

فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أنه يستحب للرجال والنساء تأخير صلاة العشاء؛ لأنه عليه الصلاة والسلام لما أخرها ذات ليلة إلى نحو ثلث الليل قال: ((إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي))، ­فإذا تيسر تأخيرها بدون مشقة فهو أفضل، فلو كان أهل القرية أو جماعة في السفر أخروها؛ لأنه أرفق بهم إلى ثلث الليل فلا بأس بذلك، بل هو أفضل، لكن لا يجوز تأخيرها إلى ما بعد نصف الليل، فالنهاية نصف الليل، يعني وقت العشاء يتحدد آخره بنصف الليل – أي الاختياري – كما في حديث عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((وقت العشاء إلى نصف الليل))، أما إذا كان تأخيرها قد يشق على بعض الناس فإن المشروع تعجيلها؛ ولهذا قال جابر رضي الله عنه: (كان النبي صلى الله عليه وسلم في العشاء إذا رآهم اجتمعوا عجل، وإذا رآهم أبطئوا أخر)، وقال أبو برزة رضي الله عنه: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يستحب أن يؤخر العشاء)، فالخلاصة أن تأخيرها أفضل إذا تيسر ذلك بدون مشقة، ولكن لا يجوز تأخيرها إلى ما بعد نصف الليل.

السائل (ي.ع) من الخرطوم – جمهورية السودان يقول: أرجو أن تفيدوني عن الوقت الضروري لكل من صلاة الظهر، والعصر، والمغرب؟

الجواب :
أما الظهر فليس لها وقت ضروري، بل كل وقتها اختياري، فإذا زالت الشمس دخل وقت الظهر، ولا يزال الوقت اختياري إلى أن ­يصير ظل كل شيء مثله بعد فيء الزوال، وكل هذا وقت اختياري، لكن الأفضل تقديمها في أول الوقت بعد الأذان وصلاة الراتبة، ويتأنى الإمام بعض الشيء حتى يتلاحق الناس، هذا هو الأفضل.

وأما العصر ففيها وقت اختياري، ووقت ضروري، أما الاختياري: فمن أول الوقت إلى أن تصفر الشمس، فإذا اصفرت الشمس فهذا هو وقت الضرورة إلى أن تغيب الشمس، ولا يجوز التأخير إليه، فإن صلاها في ذلك الوقت فقد أداها في الوقت، لكن لا يجوز التأخير؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((وقت العصر ما لم تصفر الشمس))، ويقول في المنافق: ((تلك صلاة المنافق تلك صلاة المنافق يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقر أربعاً لا يذكر الله فيها إلا قليلاً))، فذكر صلى الله عليه وسلم أن التأخير هو وصف المنافقين، فالمؤمن لا يؤخرها إلى أن تصفر الشمس، بل يبادر فيصليها قبل أن تصفر الشمس في وقت الاختيار.

وأما المغرب: فوقته كله وقت اختيار أيضاً، من حين تغرب الشمس إلى أن يغيب الشفق، كله وقت اختيار، لكن تقديمها في أول الوقت أفضل؛ لأن النبي كان يصليها في أول الوقت عليه الصلاة والسلام، إذا غربت الشمس وأذن المؤذن أخر قليلاً، ثم أقام عليه الصلاة والسلام وصلاها في أول الوقت، ولو أخرها بعض الشيء فلا بأس، ما دام أداها في وقتها، ووقتها ينتهي بغياب الشفق، فإذا غاب الشفق – وهو الحمرة في جهة المغرب – انتهى وقت المغرب ودخل وقت ­العشاء إلى نصف الليل، وما بعد نصف الليل وقت ضرورة لوقت العشاء، فلا يجوز التأخير لما بعد نصف الليل، ولكن ما بين غروب الشفق إلى نصف الليل كله وقت اختياري للعشاء، فلو صلاها بعد نصف الليل أداها في الوقت، لكن يأثم؛ لأنه أخرها إلى وقت الضرورة.

أما الفجر: فكل وقتها اختياري، من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، هذا كله وقت اختياري، لكن الأفضل أن تقدم في أول وقتها ولا تؤخر عن أول وقتها؛ تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك؛ لأنه كان يصليها بغلس بعد اتضاح الصبح، والله ولي التوفيق.


السؤال :
السائل (م. س. أ) من مصر يقول: أنا أعمل في العراق، وأقوم من الصباح ولا أرجع إلا المغرب، ولا يظل عندي وقت لأجل أن أصلي، ومكان الماء بارد جداً، ولا أستطيع الوضوء فأؤجل الصلاة، فما الحكم في ذلك؟

الجواب :
الواجب على المسلم أن يتقي الله أينما كان، وأن يذكر أنه ­موقوف بين يديه سبحانه، ومسئول يوم القيامة عن ما قصر فيه، وعن ما ارتكبه من الحرام، وعن ما ضيعه من واجب، والله يقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ}[1]، ويقول الله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}[2]، والصلاة هي عمود الإسلام، وهي أعظم واجب بعد الشهادتين، فلا يجوز للمسلم أن يضيعها في الوقت من أجل حظه العاجل، ودنياه الفانية. فيجب عليك أيها السائل أن تصلي الصلاة في أوقاتها، وليس لك تأخيرها من أجل أعمالك الدنيوية، بل عليك أن تصليها حسب الطاقة، فإن استطعت أن تتوضأ بالماء وجب عليك ذلك، ولو بالتدفئة إذا كان بارداً؛ لأنه يجب عليك ذلك، فإن لم تجد إلا ماء بارداً لا تستطيع الوضوء بها ولا تستطيع تسخينه بالنار، فعليك أن تصلي بالتيمم في الوقت، وليس لك التأجيل، كالمسافر الذي يكون في البر ليس عنده ماء، فعليه أن يتيمم ويصلي، أما تأجيل الصلاة من أجل الرفاهية، أو من أجل الحظ العاجل من الدنيا، أو من أجل الأعمال الدنيوية فهذا منكر عظيم، وفساد كبير، وخطأ عظيم، لا يجوز للمسلم فعله أبداً.

——————————————————————————–

[1] سورة لقمان الآية 33.

[2] سورة الحشر الآية 18.

السؤال :
هل يجوز للمرأة فعل الأذان والإقامة للصلاة أم لا؟

الجواب :
لا يشرع للمرأة أن تؤذن أو تقيم في صلاتها، إنما هذا من شأن الرجال، أما النساء فلا يشرع لهن أذان ولا إقامة، بل يصلين بلا أذان ولا إقامة، وعليهن العناية بالوقت، والخشوع، وعدم العبث في الصلاة، كالرجل، فالمرأة عليها أن تخشع، وأن تضع بصرها نحو موضع سجودها، وأن تبتعد عن العبث، لا بالأيدي ولا بغيرها، هكذا السنة للمؤمن في صلاته، وللمؤمنة كذلك، والله ولي التوفيق.

السؤال :
لاحظت عندما تقام الصلاة ويصل المؤذن إلى آخر كلمات الأذان والإقامة وهي "لا إله إلا الله" أرى بعض المصلين يقبض أصابع يده اليمنى ويرفع السبابة، وكذلك أثناء خطبة الجمعة وحلقات العلم إذا ردد الإمام أو الخطيب كلمة "لا إله إلا الله" فهل ورد شيء في ذلك؟


الجواب :
لا أعلم شيئاً في هذا، ولا أحفظ أنه ورد عنه صلى الله عليه وسلم شيء في هذا، وإنما ورد الإشارة بالسبابة في التشهدين، فقد كان صلى الله عليه وسلم يرفع ­فيهما إصبعه السبابة إشارة للتوحيد. وأما بعد الفراغ من الذكر من الأذان أو الإقامة فلا أحفظ شيئاً في هذا، إلا أنه صلى الله عليه وسلم شرع للناس أن يجيبوا المؤذن والمقيم، ويقولوا بعد الأذان والإقامة وبعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: ((اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محموداً الذي وعدته)) رواه البخاري في صحيحه، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده رسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء)) رواه مسلم في صحيحه، وزاد الترمذي بإسناد صحيح: ((اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين)) فيشرع للمسلم أن يقول ذلك، وهكذا المسلمة؛ للأحاديث المذكورة.

السؤال :
جملة "الصلاة خير من النوم" هل تقال في الأذان الأول قبل الفجر؟ أم في الأذان الثاني؟ وما الدليل على قولها؟ وماذا يقول من سمعها بعد المؤذن؟

الجواب :
السنة أن تقال في الأذان الأخير بعد الفجر، كما جاء ذلك في حديث أبي محذورة، وجاء في حديث عائشة دلالة على أن المؤذن كان يقولها في الأذان الأخير بعد الفجر، قالت: (ثم يقوم النبي صلى الله عليه وسلم فيصلي الركعتين ثم يخرج للصلاة بعد الأذان) الذي هو الأذان الأخير بالنسبة إلى ما يسمى بالأذان الأول فهو أذان أول بالنسبة للإقامة؛ لأن الإقامة يقال لها: الأذان الثاني، فالسنة أن يأتي بهذا اللفظ في الأذان الذي يؤذن به بعد طلوع الفجر، وهو الأخير بالنسبة للأذان الذي ينادي به في آخر الليل؛ لينبه النائم، ويرجع القائم، وهو الأول بالنسبة للإقامة؛ لكونها أذانا ثانيا، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((بين كل أذانين صلاة بين كل أذانين صلاة))، والمراد بذلك الأذان والإقامة. ­فإذا قال المؤذن: "الصلاة خير من النوم" فإن المجيب يقول مثله "الصلاة خير من النوم"؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول)) متفق على صحته. إلا عند قول المؤذن: "حي على الصلاة، حي على الفلاح" فإن على السامع أن يقول: "لا حول ولا قوة إلا بالله"؛ لثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، خرجه مسلم في الصحيح.

السؤال :
شخص يصلي وينقطع مراراً عنها وهذا حاله، ما هي نصيحتكم؟

الجواب :
الواجب على كل مسلم ومسلمة تقوى الله في كل شيء، والصلاة عمود الإسلام، وهي أعظم أركان الإسلام، وأعظم الفرائض بعد الشهادتين. فالواجب على كل مسلم، وعلى كل مسلمة العناية بالصلاة والمحافظة عليها في أوقاتها، كما قال الله عز وجل: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى}[1]، وقال تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ}[2]، وقال تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}[3]، فالصلاة أهم عمل بعد الشهادتين، من حفظها حفظ دينه ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع، ومن يفعلها تارة ويتركها تارة فهو كافر في أصح قولي العلماء، ولو لم يجحد وجوبها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)) رواه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه، ولقوله عليه الصلاة والسلام: ((بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة)) أخرجه مسلم في صحيحه، ولأحاديث أخرى جاءت في الباب. فالواجب على المسلمين ذكوراً وإناثاً الحذر من التهاون والتساهل بها، والواجب المحافظة عليها في الوقت، والعناية بها، والطمأنينة والخشوع، حتى تؤدى كما أمر الله.

وعلى الرجل أن يحافظ عليها مع الجماعة في مساجد الله مع إخوانه المسلمين، وأن يحذر التشبه بالمنافقين الذين لا يؤدونها إلا رياء، ولا يؤدونها في الجماعة إلا رياء، وإذا غابوا عن الناس تساهلوا وتركوها؛ لقوله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلًا * مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ}[4]، فليسوا مع المسلمين حقاً وليسوا مع الكفار حقاً، بل هكذا وهكذا مترددون لشكهم وريبهم، وكفرهم وضلالهم، يقول سبحانه: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا}[5] لكفرهم ونفاقهم، وشكهم، وريبهم، وإبطانهم الكفر، فالواجب الحذر من صفاتهم ومن أخلاقهم الذميمة.

——————————————————————————–

[1] سورة البقرة الآية 238.

[2] سورة البقرة الآية 43.

[3] سورة النور الآية 56.

[4] سورة النساء الآيتان 142 – 143.

[5] سورة النساء الآية 145.

السؤال :
إنني متزوج من امرأة ولي منها أربعة أولاد، وهي الآن حامل بالخامس ولكنها لا تصلي منذ أن تزوجتها حتى الآن، فبماذا تنصحونني يا سماحة الشيخ؟

الجواب :
هذا منكر عظيم؛ لأن الصلاة عمود الإسلام، وهي أعظم الفرائض وأهمها بعد الشهادتين، كما قال الله جل وعلا: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}[1] وقال سبحانه: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ}[2]، وقال سبحانه: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}[3]، وقال جل وعلا: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ}[4]، وقال سبحانه: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ}[5]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)) خرجه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح، وقال صلى الله عليه وسلم: ((بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة)) رواه مسلم في صحيحه. ­والمرأة كالرجل في هذا الأمر، فدل ذلك على أن من لم يصل لا يخلى سبيله، بل يقتل، وعلى أنه ليس أخاً في الدين. فالواجب استتابتها، وتأديبها حتى تصلي، ومن تاب تاب الله عليه، فإن أبت وجب رفع أمرها إلى المحكمة حتى تستتيبها، فإن تابت وإلا قتلت مرتدة عن الإسلام، ولو كانت مقرة بوجوبها في أصح قولي العلماء؛ للآيات السابقة والحديثين السابقين، وعلى زوجها اعتزالها حتى تتوب، ويجدد النكاح بعد التوبة، وأما أولاد السائل منها فلاحقون بك من أجل شبهة النكاح، والله ولي التوفيق.

——————————————————————————–

[1] سورة النور الآية 56.

[2] سورة البقرة الآية 43.

[3] سورة البقرة الآية 238.

[4] سورة التوبة الآية 5.

[5] سورة التوبة الآية 11.

السؤال :
هذه رسالة وردتنا من مرسلة رمزت لاسمها بأختكم في الله (ص.س) تقول في رسالتها: أنا سيدة في الأربعين من عمري لي أطفال سبعة: ثلاثة اختارهم الله عز وجل إليه، وأربعة أحياء، تتلخص مشكلتي في عدة أسئلة أولها: أنني متزوجة منذ عشرين سنة من رجل لا يعرف الصلاة، ولا الصيام، ويشرب المحرمات من خمر وما شابهها والعياذ بالله، وكلما حاولت الخلاص منه يقول لي: بأنه سوف يتوب، ولكنه بالكلام فقط، وكل من أشكي له حالي يقول: اصبري من أجل أطفالك، وقد صبرت كل هذه السنوات من أجلهم، والآن كبروا وأصبحوا رجالاً، ويطلبون هم مني ذلك، ويقولون: إن البيت بيتهم ولا دخل للوالد بذلك، وأنا أسألكم الآن هل علي ذنب في جلوسي معه أم لا؟ ­وكذلك جلوس أطفالي عنده، أفيدوني أفادكم الله.

الجواب :
لا ريب أن ترك الصلاة كفر، ولا ريب أن ترك الصيام من أكبر المعاصي، ولا ريب أن شرب المسكر من أعظم المعاصي والكبائر، فهذا الرجل قد جمع بين الكفر وأنواع من الفسق، وأعظم ذلك ترك الصلاة، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر))، وقال عليه الصلاة والسلام: ((بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة))، وهذان الحديثان صحيحان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلاهما يدل على كفر هذا الرجل كفرا أكبر. وقال بعض أهل العلم: إنه لا يكفر كفراً أكبر إلا إذا كان يجحد الوجوب، فإنه يكفر بذلك بإجماع أهل العلم، أما إذا كان لا يجحد وجوبها ولكن يتركها تكاسلاً فإنه لا يكفر بذلك كفراً أكبر، ولكنه يعتبر عاصياً معصية عظيمة، وكافراً كفراً أصغر. وذهب آخرون من أهل العلم إلى أنه يكفر بترك الصلاة كفراً أكبر، ولو لم ينكر وجوبها، وهذا هو الحق، وهو الصواب أنه يكفر بترك الصلاة كفراً أكبر ولو لم ينكر وجوبها.

فالذي أنصحك به وأوصيك به أن تمتنعي منه، وأن لا تمكنيه من نفسك، حتى يتوب إلى الله ويرجع إلى الصلاة. والأولاد أولاده للشبهة التي هي شبهة النكاح، ولا شك أن أولاده لاحقون به، ولكنك تبقين في البيت عند أولادك؛ لأنهم كبار، وتمتنعين ­من أن يقربك بجماع وغيره، حتى يتوب إلى الله، وحتى يدع عمله السيئ، ولاسيما ترك الصلاة، فإذا تاب إلى الله وصلى فلا مانع، وعليه أن يتوب إلى الله أيضاً من ترك الصيام، ومن شرب الخمر، وعلى أولاده أن يعينوه على الخير، وينصحوه، ويستعينوا على هذا بأقاربهم الطيبين من أعمام وبني عم طيبين يعينونهم على نصيحة والدهم؛ لعل الله يهديه بأسبابهم، فإن من أعظم بره أن ينصح ويوجه إلى الخير؛ لعل الله أن يهديه بذلك، ولعله يسمع كلمتي هذه، ولعلكم تسجلونها إذا سمعتموها وتقرأونها عليه، فالله جل وعلا نسأله له الهداية.

والحاصل: أن عليك أن تبتعدي عنه، وأن لا يقربك حتى يتوب إلى الله من ترك الصلاة، فإذا تاب من ترك الصلاة فهو زوجك، وأما شرب الخمر وترك الصيام فهما معصيتان عظيمتان، لكنهما لا يوجبان بطلان النكاح عند أهل العلم من أهل السنة والجماعة، وعليك وعلى أولادك وعلى أقاربه وعلى الأخيار من جيرانه أن ينصحوه، وعليه أن يتقي الله، وأن يبادر إلى التوبة قبل أن يحل به الأجل، والخمر شرها عظيم، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنه لعن الخمر وشاربها، وساقيها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه، وبائعها، ومشتريها، وآكل ثمنها) والعياذ بالله، وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن)) وهذا يدل على ضعف ­الإيمان، أو عدم الإيمان، نسأل الله العافية، وقال عليه الصلاة والسلام: ((إن عهداً على الله أن من مات وهو يشرب الخمر أن يسقيه الله من طينة الخبال، قيل يا رسول الله: وما طينة الخبال؟ قال: عصارة أهل النار)) أو قال: ((عرق أهل النار)).

وأما ترك صيام رمضان فهو أمر عظيم؛ لأن صيام رمضان ركن من أركان الإسلام، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى كفر من ترك الصيام عمدا فيجب عليه أن يتوب إلى الله، وأن يصوم رمضان، وأن يحافظ على الصلاة، ومن تاب تاب الله عليه.

نسأل الله لنا وله ولجميع المسلمين التوفيق إلى التوبة النصوح، والهداية إلى سبل الخير، والعافية من طاعة الشيطان، ومن طاعة قرناء السوء.

وينبغي أن يوصى باجتناب قرناء السوء وصحبة الأشرار، فإن صحبة الأشرار تجره كثيراً إلى أسباب الفساد، وإلى أسباب غضب الله، فالواجب عليه أن يحذر صحبة الأشرار، وأن يبتعد عن قرناء السوء، وأن يتوب إلى الله من ترك الصلاة ومن ترك الصيام، ومن شرب المسكر، وأن يستقيم على طاعة الله ورسوله، والله جل وعلا يقول: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى}[1]، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((التائب من الذنب كمن لا ذنب له)).

نسأل الله لنا وله ولكم ولجميع المسلمين الهداية والتوفيق، والتوبة الصادقة.

——————————————————————————–

[1] سورة طه الآية 82.

السؤال :
ما حكم تارك الصلاة؛ لأني سمعت في برنامج نور على الدرب من أحد المشايخ أنه إذا عقد المسلم عقد نكاح على إحدى الفتيات المسلمات وهي لا تصلي يكون العقد باطلاً ولو صلت بعد الزواج، وعندنا في قريتنا 50 في المائة لا يصلون قبل الزواج؟ نرجو التوضيح.

الجواب :
لقد دل الكتاب والسنة على أن الصلاة أهم وأعظم عبادة بعد الشهادتين، وأنها عمود الإسلام، وأن الواجب على جميع المكلفين من المسلمين المحافظة عليها، وإقامتها كما شرع الله تعالى، قال ­سبحانه وتعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}[1]، وقال تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ}[2]، وقال تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ}[3]، فدل ذلك على أن الذي لا يصلي لا يخلى سبيله، بل يقاتل، وقال تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ}[4]، فدل على أن من لم يصل ليس بأخ في الدين، والآيات في هذا المعنى كثيرة جداً. وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله))، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة قمن تركها فقد كفر)) خرجه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه، وخرج مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة))، والتعبير بالرجل لا يخرج المرأة، فإن الحكم إذا ثبت للرجل فهو للمرأة كذلك، وهكذا ما يثبت للمرأة يثبت للرجل إلا بدليل يخص أحدهما، فهذه الأحاديث وما جاء في معناها كلها تدل على أن تارك ­الصلاة يكون كافراً من الرجال والنساء بعد التكليف. وثبت في الحديث الصحيح أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الأمراء الذين لا يقيمون الدين كما ينبغي هل نقاتلهم؟ قال: ((لا، إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان)) وفي لفظ آخر: ((ما أقاموا فيكم الصلاة))، فدل على أن من لم يقم الصلاة فقد أتى كفراً بواحاً.

وقد اختلف العلماء في هذه المسألة: فقال بعضهم: إن الأحاديث الواردة في تكفير تارك الصلاة يراد بها الزجر والتحذير، وكفر دون كفر، وإلى هذا ذهب الأكثرون من الفقهاء.

وذهب جمع من أهل العلم إلى أن تركها كفر أكبر، على ظاهر الأحاديث الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنها قوله عليه الصلاة والسلام: ((بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة))، والكفر متى عرف بأداة التعريف وهي "أل" وهكذا الشرك، فالمراد بهما الكفر الأكبر والشرك الأكبر، قال صلى الله عليه وسلم: ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر))، فدل ذلك على أن المراد الكفر الأكبر؛ لأنه أطلقه صلى الله عليه وسلم على أمر واضح وهو أمر الصلاة، وهي عمود الإسلام، فكون تركها كفر أكبر لا يستغرب؛ ولهذا ذكر عبد الله بن شقيق العقيلي التابعي الجليل عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: (أنهم كانوا لا يرون شيئاً تركه كفر غير الصلاة)، ­فهذا يدل على أن تركها كفر أكبر بإجماع الصحابة رضي الله عنهم؛ لأن هناك أشياء يعرفون عنها أنها كفر، لكنه كفر دون كفر، مثل البراءة من النسب، ومثل القتال بين المؤمنين؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((سباب المسلم فسوق وقتاله كفر))، فهذا كفر دون كفر إذا لم يستحله، ويقول صلى الله عليه وسلم: ((إن كفراً بكم التبرؤ من آبائكم))، وقوله عليه الصلاة والسلام: ((اثنتان في الناس هما بهم كفر: النياحة والطعن في النسب))، فهذا كله كفر دون كفر عند أهل العلم؛ لأنه جاء منكراً غير معرف بـ "أل". ودلت الأدلة الأخرى دالة على أن المراد به غير الكفر الأكبر بخلاف الصلاة فإن أمرها عظيم، وهي أعظم شيء بعد الشهادتين وعمود الإسلام، وقد بين الرب عز وجل حكمها لما شرع قتال الكفار فقال: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ}[5]، وقال عليه الصلاة والسلام: ((نهيت عن قتل المصلين))، فدل على أن من لم يصل يقتل، ولا يخلى سبيله إذا لم يتب.

والخلاصة: أن القول الصواب الذي تقتضيه الأدلة هو أن ترك الصلاة كفر أكبر ولو لم يجحد وجوبها، ولو قال الجمهور بخلافه، فإن المناط هو الأدلة وليس المناط كثرة القائلين، فالحكم معلق بالأدلة، والترجيح يكون بالأدلة، وقد قامت الأدلة على كفر تارك الصلاة كفراً أكبر، وأما قوله صلى الله عليه وسلم: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها)) فيفسره قوله في الحديث الآخر: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام))[6] متفق على صحته، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. فلا عصمة إلا بإقامة الصلاة، ولأن من لم يقم الصلاة لم يؤد حق "لا إله إلا الله"، ولو أن إنساناً يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويصلي، ويصوم، ويتعبد، ثم جحد تحريم الزنا وقال: إن الزنا حلال كفر عند الجميع، أو قال: إن الخمر حلال أو اللواط، أو بَال على المصحف متعمداً أو وطئه متعمداً استهانة له كفر، ولم تعصمه الشهادة أو نحو ذلك مما يعتبر ناقضاً من نواقض الإسلام، كما أوضح ذلك العلماء في "باب حكم المرتد" في كل مذهب من المذاهب الأربعة. وبهذا يعلم أن المسلم الذي يصلي وليس به ما يوجب كفره إذا تزوج امرأة لا تصلي فإن النكاح باطل، وهكذا العكس؛ لأنه لا يجوز للمسلم أن ينكح الكافرة من غير أهل الكتابين، كما لا يجوز للمسلمة أن تنكح الكافر؛ لقول الله عز وجل في سورة الممتحنة في نكاح الكافرات: {لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ}[7] الآية، وقوله سبحانه في سورة البقرة: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ}[8] الآية.

——————————————————————————–

[1] سورة البقرة الآية 238.

[2] سورة التوبة الآية 5.

[3] سورة البقرة الآية 43.

[4] سورة التوبة الآية 11.

[5] سورة التوبة الآية 5.

[6] رواه البخاري في الإيمان برقم (24) ومسلم في الإيمان برقم (33).

[7] سورة الممتحنة الآية 10.

[8] سورة البقرة الآية 221.

السؤال :
سائلة تسأل وتقول: هناك بعض الدهون أو الشامبو التي توضع في رؤوس النساء وتغسل به الرؤوس، يحتوي على نعم من نعم الله كالبيض والليمون مثلاً، فما حكم استعماله؟ وخاصة أن النساء يستعملنه ثم يزلنه بالماء في داخل دورات المياه فيختلط بالنجاسة، أفيدونا أفادكم الله.

الجواب :
لا حرج في استعماله لمصلحة الرأس كالتداوي، ولا مانع من التداوي بالبيض والحنطة وغيرهما من الأطعمة؛ لأن الشيء المباح الذي فيه منفعة لا مانع من التداوي به؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((عباد الله تداووا ولا تداووا بحرام)) وإذا جعل البيض ونحوه في الرأس للتداوي به فقد تعفن، وصار غير صالح للأكل، فلا يضر غسله في الحمامات.

السؤال :
كنت ذات يوم ألعب بالكرة، وقد حدث أن جرحت رجلي جرحاً مؤلماً، ودخل وقت الصلاة فتوضأت الوضوء الكامل غير إني لم أغسل مكان الجرح فكنت أصلي والدم ينزف، ودمت على هذه الحال خمسة أيام، فهل صلاتي صحيحة مع العذر، أم أنها غير صحيحة؟ أفيدونا بارك الله فيكم.

الجواب :
الواجب في هذا أنك تجعل على الجرح شيئاً كبيراً يمسك الدم، يعني خرقة تلفها عليه أو ما أشبه ذلك مما يحبس الدم ويوقفه، حتى تمسح على هذه الجبيرة، فإن لم يتيسر فالتيمم عن ذلك بعد الوضوء ويكفي، ولكن طيلة لفه بلفافة أو جبيرة تمسح عليها، هذا هو الواجب؛ لأنه هو الطريق الشرعي، ويكفي عن التيمم، فإذا لم تفعل ذلك قضيت صلاتك للأيام الخمسة التي فعلتها من دون مسح ولا تيمم، وهذا هو الأحوط لك؛ لأنك فرطت في هذا الأمر، وهو أمر واضح حيث لم تربط الجرح حتى يتم المسح عليه، ولم تتيمم، والله ولي التوفيق.

السؤال :
ما حكم من يتوضأ داخل الحمام، وهل يجوز وضوءه؟

الجواب :
لا بأس أن يتوضأ داخل الحمام، إذا دعت الحاجة إلى ذلك، ويسمي عند أول الوضوء، يقول: "بسم الله"؛ لأن التسمية واجبة عند بعض أهل العلم، ومتأكدة عند الأكثر، فيأتي بها وتزول الكراهة؛ لأن الكراهة تزول عند وجود الحاجة إلى التسمية، والإنسان مأمور بالتسمية عند أول الوضوء، فيسمى ويكمل وضوءه.

وأما التشهد فيكون بعد الخروج من الحمام – وهو محل قضاء الحاجة – فإذا فرغ من وضوئه يخرج ويتشهد في الخارج.

أما إذا كان الحمام لمجرد الوضوء ليس للغائط والبول، فهذا لا بأس أن يأتي بها فيه؛ لأنه ليس محلاً لقضاء الحاجة.

السؤال :
سائلة تقول: في بلادنا كثيراً ما تختلط مياه الشرب بمادة الكلور المطهرة، وهي مادة تغير لون وطعم الماء، فهل يؤثر هذا على تطهيره للمتوضئ؟ أفيدونا أفادكم الله.

الجواب :
تغير الماء بالطاهرات وبالأدوية التي توضع فيه لمنع ما قد يضر الناس، مع بقاء اسم الماء على حاله، فإن هذا لا يضر، ولو حصل بعض التغير بذلك، كما لو تغير بالطحلب الذي ينبت فيه، وبأوراق الشجر، وبالتراب الذي يعتريه، وما أشبه ذلك. كل هذا لا يضره، فهو طهور باق على حاله، لا يضره إلا إذا تغير بشيء يخرجه من اسم الماء، حتى يجعله شيئاً آخر، كاللبن إذا جعل على الماء حتى غيره وصار لبناً، أو صار شاياً، أو صار مرقاً خارجاً عن اسم الماء، فهذا لا يصح الوضوء به؛ لكونه خرج عن اسم الماء إلى اسم آخر. أما ما دام اسم الماء باقياً وإنما وقع فيه شيء من الطاهرات كالتراب، والتبن، أو غير ذلك مما لا يسلبه اسم الماء فهذا لا يضره، أما النجاسات فإنها تفسده إذا تغير طعمه أو لونه أو ريحه، أو كان قليلاً يتأثر بالنجاسة، وإن لم تظهر فيه فإنه يفسد بذلك، ولا يجوز استعماله.

السؤال :
سائل يسأل عن الوضوء من أجل قراءة القرآن؟

الجواب :
القرآن الكريم هو كلام الله عز وجل، وهو أعظم كتاب، وهو خاتم الكتب المنزلة من السماء، ومن تعظيم الله له أنه قال سبحانه في شأنه: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ * تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[1]، وجاء في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه كتب إلى أهل اليمن: ((لا يمس القرآن إلا طاهر))، وأفتى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بذلك. ولهذا ذهب جمهور أهل العلم ومنهم الأئمة الأربعة إلى أنه لا يجوز أن يمس القرآن إلا طاهر من الحدثين الأصغر والأكبر، كما أنه لا يجوز أن يقرأه الجنب مطلقاً حتى يغتسل من الجنابة، وهذا هو الصواب.

فليس لمحدث أن يقرأ القرآن من المصحف، ولكن له أن يقرأ عن ظهر قلب إذا كان حدثه أصغر، أما الجنب فليس له أن يقرأه مطلقاً حتى يغتسل؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام كان لا يحجزه عن القرآن إلا الجنابة، كما ثبت ذلك عن علي رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يحجبه شيء عن القرآن سوى الجنابة)، واختلف العلماء في الحائض والنفساء هل تلحقان بالجنب؟ فبعضهم – وهم الأكثر – ألحقهما بالجنب، ومنعهما من قراءة القرآن مطلقاً حتى تطهر، وجاء في هذا حديث رواه أبو داود، عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن))، وقال آخرون: تجوز لهما القراءة عن ظهر قلب؛ لأنهما تطول مدتهما، وليس الأمر في أيديهما كالجنب، وهذا هو الصواب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عائشة في حجة الوداع وهي حائض أن تفعل ما يفعله الحاج غير الطواف، ولم ينهها عن قراءة القرآن، ولأن قياس الحائض والنفساء على الجنب ليس بصحيح؛ لعظم الفرق بينهما وبينه، أما حديث ابن عمر المذكور فهو حديث ضعيف عند أهل العلم؛ لأنه من رواية إسماعيل بن عياش، عن موسى بن عقبة – وهو حجازي- وإسماعيل روايته من غير الشاميين ضعيفة.

——————————————————————————–

[1] سورة الواقعة الآيات 77 – 80.

السؤال :
من امرأة تقول فيه: عندما أصلي صلاة الضحى وانتظر صلاة الظهر فيغالبني نعاس، فهل ينتقض وضوئي به أم لا؟

الجواب :
النعاس لا ينتقض به الوضوء، وإنما ينتقض بالنوم الذي لا يبقى مع صاحبه شعور بمن حوله، فقد كان الصحابة رضي الله عنهم ينتظرون العشاء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتخفق رؤوسهم من النعاس ثم يصلون ولا يتوضؤون، أما النوم الثقيل الذي يذهب فيه الشعور فهذا ينتقض الوضوء به، فينبغي لك أيتها الأخت في الله أن تفهمي الفرق بين النوم الثقيل الذي يذهب معه الشعور، والنعاس.

السؤال :
من(ع.ع) من العراق يقول: إذا كان الإنسان قد توضأ أو هو على وضوء فلمس أمه أو شقيقته أو نحو ذلك، فهل يبطل وضوءه؟

الجواب :
الصواب أن مس المرأة لا ينقض الوضوء، سواء كانت زوجته أو غيرها، هذا هو الصواب، وفيه خلاف بين أهل العلم، فللعلماء في هذا أقوال ثلاثة: أحدها: أن مس المرأة ينقض الوضوء مطلقاً. والثاني: لا ينقضه مطلقاً. والثالث: التفصيل، إن كان عن شهوة وتلذذ نقض، وإلا فلا.

والراجح من الأقوال الثلاثة أنه لا ينقض مطلقاً؛ لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قبل بعض نسائه ثم صلى ولم يتوضأ صلى الله عليه وسلم، ولأن الأصل سلامة الطهارة، فلا تنتقض إلا بدليل واضح، ولأن هذا الأمر يبتلى به الناس في بيوتهم، فلو كان مس المرأة ينقض الوضوء لبينه النبي صلى الله عليه وسلم بياناً واضحاً ولم يغفله؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قد بلغ البلاغ المبين.

وأما قوله عز وجل في سورتي النساء والمائدة: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ}[1] فالمراد بذلك الجماع، كما قاله ابن عباس وجمع كثير من أهل العلم. والمس والمسيس والملامسة معناها واحد، وكلها يعنى بها الجماع في أصح قولي العلماء، لكن إن خرج من الإنسان وقت الملامسة شيء من المذي انتقض وضوءه، ووجب عليه غسل الذكر والأنثيين، ثم الوضوء للصلاة ونحوها، والله ولي التوفيق.

——————————————————————————–

[1] سورة المائدة الآية 6.

السؤال :
سؤال من (س.ل.م) من الرياض تقول: أنا أبلغ من العمر ثمانية عشر عاماً ومنذ عامين إذا شرعت في الصلاة أشعر كأني يخرج مني بول، وهذا مستمر معي دائماً، أفيدوني في ذلك.

الجواب :
هذا الشعور لا يبطل به الوضوء ولا الصلاة؛ لأنه مجرد وسوسة من الشيطان، وصلاتك صحيحة، ولا يضرك هذا الوسواس إلا إذا جزمت وتحققت أنه خرج منك بول. فإذا جزمت بذلك فعليك أن تعيدي الاستنجاء والوضوء والصلاة، وتغسلي ما أصاب بدنك وملابسك من البول، وأما مجرد الأوهام والوسواس فإنها لا يلتفت إليها، والصلاة صحيحة. وينبغي لك أن تحذري هذا الوسواس، وأن تشتغلي بالإقبال على الصلاة والخشوع فيها، وأن تبتعدي عن هذه الوساوس حتى لا تتكرر عليك.

السؤال :
هل مسح الرقبة في الوضوء غير مستحب؛ لأنه تشبه باليهود كما سمعت؟

الجواب :
نعم، لا يستحب، ولا يشرع مسح العنق، وإنما المسح يكون للرأس والأذنين فقط، كما دل على ذلك الكتاب والسنة.

السؤال :
ما رأي سماحتكم في مسألة العذر بالجهل، وخاصة في أمر العقيدة، وضحوا لنا هذا الأمر جزاكم الله خيراً؟

الجواب :
العقيدة أهم الأمور وهي أعظم واجب، وحقيقتها: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، والإيمان بأنه سبحانه هو المستحق للعبادة، والشهادة له بذلك، وهي شهادة أن لا إله إلا الله يشهد المؤمن بأنه لا معبود حق إلا الله سبحانه وتعالى، والشهادة بأن محمداً رسول الله أرسله الله إلى الثقلين الجن والإنس، وهو خاتم الأنبياء، كل هذا لا بد منه، وهذا من صلب العقيدة، فلا بد من هذا في حق الرجال والنساء جميعاً، وهو أساس الدين وأساس الملة، كما يجب الإيمان بما أخبر الله به ورسوله من أمر القيامة، والجنة والنار، والحساب والجزاء، ونشر الصحف، وأخذها باليمين أو الشمال، ووزن الأعمال… إلى غير ذلك مما جاءت به الآيات القرآنية والأحاديث النبوية. فالجهل بهذا لا يكون عذراً بل يجب عليه أن يتعلم هذا الأمر وأن يتبصر فيه، ولا يعذر بقوله إني جاهل بمثل هذه الأمور، وهو بين المسلمين وقد بلغه كتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، وهذا يسمى معرضا، ويسمى غافلاً ومتجاهلاً لهذا الأمر العظيم، فلا يعذر، كما قال الله سبحانه: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا}[1]، وقال سبحانه: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}[2]، وقال تعالى في أمثالهم: {إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ}[3]، إلى أمثال هذه الآيات العظيمة التي لم يعذر فيها سبحانه الظالمين بجهلهم وإعراضهم وغفلتهم، أما من كان بعيداً عن المسلمين في أطراف البلاد التي ليس فيها مسلمون ولم يبلغه القرآن والسنة فهذا معذور، وحكمه حكم أهل الفترة إذا مات على هذه الحالة الذين يمتحنون يوم القيامة، فمن أجاب وأطاع الأمر دخل الجنة ومن عصا دخل النار، أما المسائل التي قد تخفى في بعض الأحيان على بعض الناس كبعض أحكام الصلاة أو بعض أحكام الزكاة أو بعض أحكام الحج، هذه قد يعذر فيها بالجهل. ولا حرج في ذلك؛ لأنها تخفى على كثير من الناس وليس كل واحد يستطيع الفقه فيها، فأمر هذه المسائل أسهل. والواجب على المؤمن أن يتعلم ويتفقه في الدين ويسأل أهل العلم، كما قال الله سبحانه: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}[4] ويروى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال لقوم أفتوا بغير علم: ((ألا سألوا إذ لم يعلموا إنما شفاء العي السؤال))[5]، وقال عليه الصلاة والسلام: ((من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين))[6] فالواجب على الرجال والنساء من المسلمين التفقه في الدين والسؤال عما أشكل عليهم، وعدم السكوت على الجهل، وعدم الإعراض، وعدم الغفلة؛ لأنهم خلقوا ليعبدوا الله ويطيعوه سبحانه وتعالى ولا سبيل إلى ذلك إلا بالعلم، والعلم لا يحصل بالغفلة والإعراض؛ بل لا بد من طلب للعلم، ولا بد من السؤال لأهل العلم حتى يتعلم الجاهل.

——————————————————————————–

[1] سورة الفرقان الآية 44.

[2] سورة الأعراف الآية 179.

[3] سورة الأعراف الآية 30.

[4] سورة النحل الآية 43.

[5] رواه أبو داود في الطهارة برقم 284.

[6] رواه البخاري في العلم برقم 69، ومسلم في الزكاة برقم 1719.

السؤال :
ما حكم الصلاة خلف من يذهب إلى قبور الصالحين للتبرك بها، وتلاوة القرآن في الموالد وغيرها بأجر على ذلك؟

الجواب :
هذا فيه تفصيل: إن كان مجرد الاحتفال بالموالد من دون شرك فهذا مبتدع، فينبغي أن لا يكون إماماً لما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة))[1]، والاحتفال بالموالد من البدع، أما إذا كان يدعو الأموات ويستغيث بهم، أو بالجن، أو غيرهم من المخلوقات فيقول: يا رسول الله انصرني أو اشف مريضي، أو يقول: يا سيدي الحسين، أو يا سيدي البدوي، أو غيرهم من الأموات، أو الجمادات كالأصنام، المدد المدد، فهذا مشرك شركاً أكبر لا يصلى خلفه، ولا تصح إمامته – نسأل الله العافية – أما إذا كان يرتكب بدعة كأن يحضر المولد ولكن لا يأتي بشرك، أو يقرأ القرآن عند القبور، أو يصلي عندها، ولا يأتي بشرك، فهذا يكون قد ابتدع في الدين، فيعلم ويوجه إلى الخير وصلاته صحيحة إذا لم يفعلها عند القبور.

أما الصلاة في المقبرة فلا تصح لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد))[2] متفق عليه.

——————————————————————————–

[1] رواه أبو داود في السنة برقم 3991 واللفظ له , وأحمد في مسند الشاميين برقم 16522.

[2] رواه البخاري في الجنائز برقم 1301 ومسلم في المساجد ومواضع الصلاة برقم 823 واللفظ متفق عليه.

السؤال :
هل من الممكن أن لا يأخذ المؤمن بالأسباب إذا وصل إلى درجة معينة من الإيمان لقوة يقينه؟

الجواب :
ليس الأمر كذلك، بل لا بد من الأخذ بالأسباب مهما كان المرء مؤمناً، حتى الرسل عليهم الصلاة والسلام وهم أفضل الخلق وأرفع الناس درجة في الإيمان كانوا يأخذون بالأسباب، وهم أكمل الناس إيماناً وأرجحهم ميزاناً وأكملهم عقولاً، ومع هذا يأخذون بالأسباب، فالنبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد أخذ بالأسباب فحمل السلاح وجعل على رأسه البيضة تقيه السلاح، وظاهر بين درعين أي لبس درعين وهو سيد ولد آدم وأفضل الخلق وأكملهم إيماناً وأكملهم توكلاً على الله عليه الصلاة والسلام، وكان يأكل ويشرب ويجامع النساء ويأخذ بالأسباب، فلا يجوز تعطيل الأسباب لأي أحد من الناس مع القدرة، بل على كل أحد وإن بلغ القمة في الإيمان أن يأخذ بالأسباب، كما أن أفضل الناس وهم الرسل يأخذون بالأسباب.

السؤال :
لنا أخت مريضة وأحياناً نضربها ضرباً خفيفاً، لكننا نتألم نفسياً من ذلك، فهل علينا في ذلك شيء؟

الجواب :
الواجب عليكم مراعاة حالها، وعدم فعل ما يزيد مرضها، وإذا كانت لا تتحمل الضرب لم يجز لكم الضرب، وأما إن كان المرض خفيفاً وهي تخطئ وتعمل بعض الأشياء التي تستحق عليها التأديب الخفيف فلا بأس. لكن يجب أن تراعوا حالها، فإن كان الضرب يضرها فلا تضربوها، أما إذا كانت لا يضرها هذا الضرب الذي تعملونه معها؛ لأن مرضها خفيف والحاجة ماسة إلى تأديبها حتى ترتدع عما لا ينبغي فلا حرج في ذلك.

السؤال :
ما تفسير قول الحق تبارك وتعالى في سورة الرعد: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}[1]؟

الجواب :
الآية الكريمة آية عظيمة تدل على أن الله تبارك وتعالى بكمال عدله وكمال حكمته لا يُغير ما بقوم من خير إلى شر، ومن شر إلى خير ومن رخاء إلى شدة، ومن شدة إلى رخاء حتى يغيروا ما بأنفسهم، فإذا كانوا في صلاح واستقامة وغيروا غير الله عليهم بالعقوبات والنكبات والشدائد والجدب والقحط، والتفرق وغير هذا من أنواع العقوبات جزاء وفاقا قال سبحانه: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ}[2]، وقد يمهلهم سبحانه ويملي لهم ويستدرجهم لعلهم يرجعون ثم يؤخذون على غرة كما قال سبحانه: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ}[3] يعني آيسون من كل خير، نعوذ بالله من عذاب الله ونقمته، وقد يؤجلون إلى يوم القيامة فيكون عذابهم أشد كما قال سبحانه: {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ}[4] والمعنى أنهم يؤجلون ويمهلون إلى ما بعد الموت، فيكون ذلك أعظم في العقوبة وأشد نقمة. وقد يكونون في شر وبلاء ومعاصي ثم يتوبون إلى الله ويرجعون إليه ويندمون ويستقيمون على الطاعة فيغير الله ما بهم من بؤس وفرقة، ومن شدة وفقر إلى رخاء ونعمة، واجتماع كلمة وصلاح حال بأسباب أعمالهم الطيبة وتوبتهم إلى الله سبحانه وتعالى، وقد جاء في الآية الأخرى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}[5] فهذه الآية تبين لنا أنهم إذا كانوا في نعمة ورخاء وخير ثم غيروا بالمعاصي غير عليهم ولا حول ولا قوة إلا بالله، وقد يمهلون كما تقدم والعكس كذلك إذا كانوا في سوء ومعاص، أو كفر وضلال ثم تابوا وندموا واستقاموا على طاعة الله غيَّر الله حالهم من الحالة السيئة إلى الحالة الحسنة، غير تفرقهم إلى اجتماع ووئام، وغير شدتهم إلى نعمة وعافية ورخاء، وغير حالهم من جدب وقحط وقلة مياه ونحو ذلك إلى إنزال الغيث ونبات الأرض وغير ذلك من أنواع الخير.

——————————————————————————–

[1] سورة الرعد الآية 11.

[2] سورة فصلت الآية 46.

[3] سورة الأنعام الآية 44.

[4] سورة إبراهيم الآية 42.

[5] سورة الأنفال من الآية 53.

السؤال :
ما رأيكم في هؤلاء الذين يسمون أنفسهم "بالدراويش" ويطعنون أنفسهم بالخناجر والسكاكين وغيرها، وهم في ذلك قبل أن يقول: يا الله، يقول: يا رفاعي، فما رأي الشرع في ذلك؟ هل يوجد دليل على عملهم؟ وجزاكم الله خيراً.

الجواب :
هؤلاء كذابون ومحتالون، ليس لعملهم أصل بل هم كذبة يستعملون أشياء تلبس على الناس حتى يظن الناس أنهم يطعنون أنفسهم وليس الأمر كذلك. وإنما هو تلبيس وتزوير على العيون وسحر للناس كما قال الله عن سحرة فرعون أنهم استرهبوا الناس وسحروا أعينهم، فالمقصود أن هذا الصنف من الناس – من الفجرة والمحتالين – الذي لا أصل لما يفعلون، ولا يجوز أن يُصدقوا، بل هم كاذبون محتالون ملبسون على الناس، وإذا كانوا يدعون الرفاعي أو غير الرفاعي فهذا شرك أكبر، كالذي يقول: يا رفاعي أو يا رسول الله انصرنا أو اشفع لنا، أو يا علي يا سيدي علي أو يا حسين أو يا فلان أو يا سيدي البدوي أو كذا فكل هذا من الشرك الأكبر، كل هذا من العبادة لغير الله، وكل هذا من جنس عمل عُبَّاد القبور، وعباد اللات والعزى وأشباههم، فهو شرك أكبر نعوذ بالله من ذلك. وهؤلاء الذين يطعنون أنفسهم بالخناجر والسكاكين كله تلبيس وخداع ليس له أصل، بل هم بهذا كذبة فجرة، يجب على ولاة الأمور إذا كان هناك ولي أمر مسلم في بلدهم أن يأخذ على أيديهم وأن يعزرهم ويؤدبهم حتى يتوبوا من أعمالهم الخبيثة.

السؤال :
توفي والد خالتي وزارت قبره مرة وتريد أن تزوره مرة أخرى وسمعت حديثا معناه تحريم زيارة المرأة للقبور، فهل هذا الحديث صحيح؟ وإذا كان صحيحاً فهل عليها إثم يستوجب الكفارة؟

الجواب :
الصحيح أن زيارة النساء للقبور لا تجوز للحديث المذكور، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه لعن زائرات القبور، فالواجب على النساء ترك زيارة القبور والتي زارت القبر جهلاً منها فلا حرج عليها، وعليها أن لا تعود فإن فعلت فعليها التوبة والاستغفار والتوبة تجب ما قبلها. فالزيارة للرجال خاصة، قال صلى الله عليه وسلم: ((زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة))[1] وكانت الزيارة في أول الأمر ممنوعة على الرجال والنساء؛ لأن المسلمين حدثاء عهد بعبادة الأموات والتعلق بالأموات، فمنعوا من زيارة القبور سداً لذريعة الشر وحسماً لمادة الشرك، فلما استقر الإسلام وعرفوا الإسلام شرع الله لهم زيارة القبور لما فيها من العظة والذكرى من ذكر الموت والآخرة، والدعاء للموتى والترحم عليهم، ثم منع الله النساء من ذلك في أصح قولي العلماء؛ لأنهن يفتن الرجال، وربما فُتِنَّ في أنفسهن، ولقلة صبرهن وكثرة جزعهن فمن رحمة الله وإحسانه إليهن أن حرم عليهن زيارة القبور، وفي ذلك أيضاً إحسان للرجال؛ لأن اجتماع الجميع عند القبور قد يسبب فتنة، فمن رحمة الله أن منعن من زيارة القبور.

أما الصلاة فلا بأس، فتصلي النساء على الميت وإنما النهي عن زيارة القبور فليس للمرأة زيارة القبور في أصح قولي العلماء؛ للأحاديث الدالة على منع ذلك، وليس عليها كفارة وإنما عليها التوبة فقط.

——————————————————————————–

[1] رواه مسلم في كتاب الجنائز برقم 1622، ورواه ابن ماجه في الجنائز برقم 1558 واللفظ له.

السؤال :
إن النساء اعتدن في بلادنا اليمن أن يطبخن عصيدة عند ولادة إحدى القريبات أو الصديقات والجارات ويفرقنها على البيوت، وما يتبقى تدعى القريبات والصديقات ليأكلن من هذه العصيدة التي يسمينها "عصيدة بنت النبي" لاعتقادهن أنها هي التي أخرجت المولود ومن يرفض أكلها يقال عنها إنها لا تحب فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم، وأن فاطمة غاضبة عليها. ما حكم هذا العمل؟ وهل يجوز الأكل من هذه العصيدة أم أن أكلها له حكم الذبح لغير الله؟

الجواب :
هذه العصيدة بدعة منكرة لا أساس لها، وليس لبنت النبي صلى الله عليه وسلم عصيدة رضي الله عنها، وليست هي تنفع وتضر، تنفع من والاها وتضر من عاداها، بل النفع والضر بيد الله عز وجل، ولكنها بنت النبي صلى الله عليه وسلم وصحابية جليلة رضي الله عنها، يجب حبها في الله وموالاتها في الله، لكن ليس لها من الأمر شيء لا تنفع ولا تضر أحداً، فالواجب على المؤمن أن يتقي الله وأن يعتصم بالله، وأن يتوكل على الله، ويعبده وحده فهو النافع الضار، فالمؤمن يسأل ربه الإعانة وصلاح أولاده، ويسأل الله ما أهمه من حاجته وحاجة أولاده، أما إيجاد عصيدة باسم بنت النبي صلى الله عليه وسلم فهذه بدعة لا أساس لها. فالواجب تركها، وبنت النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة وهكذا غيرها من الصحابة وهكذا ابن عمه علي وهكذا هو نفسه صلى الله عليه وسلم لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً، ولا يجوز دعاؤهم من دون الله، ولا الاستغاثة بهم من دون الله، ولا طلب المدد، ولا طلب فاطمة ولا طلب علي ولا غيره من الصحابة، فالطلب من الله، والمدد من الله، والعون من الله، كما قال عز وجل عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم في سورة الأعراف: {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}[1]، ويقول جل وعلا لنبيه صلى الله عليه وسلم: {قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلَيَّ}[2]، ويقول جل وعلا لنبيه: {قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا}[3] فالأمر بيد الله سبحانه وتعالى. فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يملك ضراً ولا رشداً فابنته فاطمة من باب أولى أنها لا تملك شيئاً، وقد نزل بها الموت بعد وفاة أبيها لستة أشهر فما دفعت عن نفسها شيئاً رضي الله عنها وأرضاها، فالحاصل أن هذه العصيدة بدعة ومنكرة ولا يجوز فعلها ولا تعاطيها، بل إذا ولدت المرأة يدعى لها بالعافية والشفاء وتنصح بما تحتاج إليه، وتعان إذا كانت فقيرة بما يعينها على حاجاتها من النقود والطعام، أما هذه العصيدة فيجب تركها والحذر منها، وترك هذا الاعتقاد الفاسد.

نسأل الله السلامة والعافية من مضلات الفتن إنه سميع قريب.

——————————————————————————–

[1] سورة الأعراف الآية 188.

[2] سورة الأنعام الآية 50.

[3] سورة الجن الآية 21.

السؤال :
فسروا لنا قول الحق جل وعلا: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}[1].

الجواب :
هذه الآية واضحة لمن تأملها، فإبراهيم عليه الصلاة والسلام خليل الرحمن قد بعثه الله إلى قومه يدعوهم إلى توحيد الله وينذرهم الشرك بالله، وكان في زمانه ملك يقال له: "النمروذ" يدعي أنه الرب وأنه رب العالمين، وقد مُنح ملك الأرض فيما ذكروا. فإن الأرض قد ملكها أربعة كافران وهما: "النمروذ" هذا "وبختنصر" ومسلمان وهما: "ذو القرنين" و"سليمان بن داود" عليهما السلام، فالحاصل أن هذا النمروذ كان جباراً عنيداً، وكان يدعي الملك ويدعي أنه رب العالمين، ويدعي أنه يحيي ويميت، فلهذا قال له إبراهيم: (ربي الذي يحيي ويميت)، قال الخبيث النمروذ: (أنا أحيي وأميت) وذكر المفسرون أنه ذكر لإبراهيم أنه يؤتى بالشخصين يستحقان القتل فيعفو عن واحد ويقتل الآخر ويزعم أن هذا هو معنى الإحياء والإماتة، يعفو عمن استحق القتل فيقول أحييته، وهذه مكابرة وتلبيس فليس هذا هو المقصود، وإنما المقصود أن يخرج من الحجر ومن النطفة، ومن الأرض حياً بعد موت، وهذا لا يستطيعه إلا الله سبحانه وتعالى، فهو الذي يخرج النبات ويحيي النطف حتى تكون حيوانات. فالمقصود أن هذا لا يستطيعه إلا الله ولكنه كابر ولبس، فانتقل معه إبراهيم إلى حجة أوضح للناس وأبين للناس حتى لا يستطيع أن يقول شيئاً في ذلك، فبين له عليه الصلاة والسلام أن الله يأتي بالشمس من المشرق فإن كنت رباً فأَتِ بها من المغرب فبهت واتضح للناس بطلان كيده، وأنه ضعيف مخلوق لا يستطيع أن يأتي بالشمس من المغرب بدلاً من المشرق، واتضح للناس ضلاله ومكابرته، وصحة ما قاله إبراهيم عليه الصلاة والسلام.

——————————————————————————–

[1] سورة البقرة الآية 258.

السؤال :
أُناس عندنا في اليمن يبنون مساجد وفيهم خير ولكن لا يفقهون السنة ويوظفون فيها أُناساً مبتدعين يعني عقائدهم فاسدة، وأهل السنة يزاحمون فيها ويحتلون المساجد فما حكم عملهم هذا؟

الجواب :
يكون العمل بالحكمة لا يكون بالشدة، أو بمراجعة ولاة الأمور حتى لا يكون شقاق وفتن وحتى يوظفوا أهل السنة والجماعة ولا يكون وراء ذلك فتنة، وإذا كان قد بناها أهل البدع لا بد أن يكون هناك حيلة حتى لا يقع فتنة؛ لأنهم يقولون: نحن بنيناها لماذا تأخذونها منا تغصبونها حطوا لكم مساجد أنتم يا أهل السنة، وعليهم أن يعالجوا الأمور بالهدوء حتى يوظف أهل السنة بالإمامة والأذان.

السؤال :
سمعت مؤخراً أن من لم يُكفر الكافر أو يشك في كفره فهو كافر، كما أن من يشك في كفر تارك الصلاة أو المستهزئ بحد من حدود الله فهو كافر، فهل هذا صحيح؟

الجواب :
قد دلت الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة على وجوب البراءة من المشركين واعتقاد كفرهم متى علم المؤمن ذلك، واتضح له كفرهم وضلالهم.
كما قال الله عز وجل في كتابه العظيم: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (27) وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (28)}[1].
أي لعلهم يرجعون إليها في تكفير المشركين والبراءة منهم، والإيـمان بأن الله هو معبودهم الحق سبحانه وتعالى. وقال عز وجل: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ}[2] وهذا هو دين إبراهيم وملة إبراهيم والأنبياء جميعاً. البراءة من عابد غير الله، واعتقاد كفرهم وضلالهم حتى يؤمنوا بالله وحده سبحانه وتعالى.
فالواجب على المسلم أن يتبرأ من عابد غير الله، وأن يعتقد كفرهم وضلالهم حتى يؤمنوا بالله وحده سبحانه، كما حكى الله عن إبراهيم والأنبياء جميعاً، وهكذا قوله سبحانه وتعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا}[3].
والكفر بالطاغوت معناه البراءة من عبادة غير الله واعتقاد بطلانها، وأن الواجب على كل مكلف أن يعبد الله وحده، وأن يؤمن به، وأن يعتقد أن الله وحده هو المستحق للعبادة، وأن ما عبده الناس من دون الله من أصنام وأشجار وأحجار أو جن أو ملائكة أو غير ذلك فإنه معبود بالباطل.
قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ}[4].
فالمؤمن إذا علم أن فلاناً يعبد غير الله وجب عليه البراءة منه واعتقاد بطلان ما هو عليه، وتكفيره بذلك إذا كان ممن بلغته الحجة، أي كان بين المسلمين، أو علم أنه بلغته الحجة، كما قال تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ}[5]، وقال تعالى: {هَذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ}[6].
فالله أوحى القرآن لنبيه عليه السلام وجعله بلاغاً للناس، فمن بلغه القرآن أو السنة ولم يرجع عن كفره وضلاله وجب اعتقاد بطلان ما هو عليه وكفره.
ومن هذا الحديث الصحيح وهو قوله عليه الصلاة والسلام: ((والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بما أرسلت به إلا كان من أهل النار))[7] أخرجه مسلم في صحيحه.
فبيّن عليه الصلاة والسلام أن كل إنسان متى بلغه ما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم ثم مات ولم يؤمن به صار من أهل النار – أي صار كافراً من أهل النار؛ لكونه لم يستجب لما بلغه عن رسول الله.
وهذا معنى قوله تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ}، وقوله سبحانه: {هَذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ}.
وفي صحيح مسلم عن طارق بن أشيم رضي الله عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: ((من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله))[8] وفي لفظ آخر: ((من وحد الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمـه))[9] فجعل تحريم الدم والمال مربوطاً بقوله: ((لا إله إلا الله))، وتوحيده لله وكفره بالطاغوت فلا يحرم ماله ودمه حتى يوحد الله، وحتى يكفر بالطاغوت – أي يكفر بما عبد من دون الله – لأن الطاغوت هو ما عبد من دون الله، ومعنى الآية الكريـمة: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا}[10].
والذي يعلم الكافر وما عليه من باطل ثم لا يكفره أو يشك في كفره معناه أنه مكذب لله ولرسوله، غير مؤمن بما حكم الله عليهم من الكفر كاليهود والنصارى فهم كفار بنص القرآن، ونص السنة، فالواجب على المكلفين من المسلمين اعتقاد كفرهم وضلالهم، ومن لم يكفرهم أو شك في كفرهم يكون مثلهم؛ لأنه مكذب لله ولرسوله شاك فيما أخبر الله به ورسوله، وهكذا من شك في الآخرة، شك هل هناك جنة أو لا، أو هل هناك نار أو لا، أو هل هناك بعث أو لا، وهل يبعث الله الموتى، فليس عنده إيـمان ويقين فهذا كافر حتى يؤمن بالبعث والنشور، وبالجنة والنار، وأن الله أعد الجنة للمتقين، وأعد النار للكافرين، فلا بد من الإيـمان بهذا بإجماع المسلمين.
وهكذا من شك أن الله يستحق العبادة، يكون كافراً بالله عز وجل؛ لأن الله سبحانه يقول: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ}[11]، ويقول سبحانه: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ}[12]، وقال تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}[13]، وقال: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء}[14]. والآيات في هذا كثيرة.
وهكذا من شك في الرسول صلى الله عليه وسلم وقال لا أعلم أن محمداً رسول الله أم لا؟ أي عنده شك فيكون حكمه حكم من أنكر الرسالة أو كذب بها يكون كافراً حتى يؤمن يقيناً أن محمداً رسول الله.
وهكذا المرسلون الذين بينّهم الله، كهود ونوح وصالح وموسى وعيسى من شك في رسالتهم أو كذبهم يكون كافراً، وهكذا من استهزئ بالدين أو سب الدين يكون كافراً، كما قال تعالى: {قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ (65) لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}[15].
والذي يسب الدين ويسب الرسول مثل المستهزئ أو أقبح وأكفر.
أما من ترك الصلاة ولم يجحد وجوبها فهذا فيه خلاف بين العلماء:
1- منهم من كفره، وهو الصواب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر))[16] وقوله: ((بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة))[17].
2- وقال آخرون من أهل العلم: إنه لا يكفر بذلك؛ لأنه لم يجحد وجوبها، بل يكون عاصياً وكافراً كفراً دون كفر وشركاً دون شرك، لكن لا يكون كافراً كفراً أكبر. قاله جمع من أهل العلم. ومن شك في كفر هذا لا يكون كافراً؛ لأنه محل اجتهاد بين أهل العلم، فمن رأى بالأدلة الشرعية أنه كافر وجب عليه تكفيره، ومن شك في ذلك، ولم تظهر له الأدلة ورأى أنه لا يكفر كفراً أكبر بل كفر أصغر فهذا معذور في اجتهاده، ولا يكون كافراً بذلك.
أما من جحد وجوبها وقال الصلاة غير واجبة، فهذا كافر عند الجميع، ومن شك في كفره فهو كافر نعوذ بالله، وهكذا من قال إن الزكاة لا تجب أي جحد وجوبها أو صيام رمضان جحد وجوبه، فهذا يكفر بذلك؛ لأنه مكذب لله ولرسوله، ومكذب لإجماع المسلمين فيكون كافراً.
ومن شك في كفره فهو كافر بعدما يبين له الدليل ويوضح له الأمر، يكون كافراً بذلك لكونه كذب الله ورسوله، وكذب إجماع المسلمين.
وهذه أمور عظيمة يجب على طالب العلم التثبت فيها، وعدم العجلة فيها حتى يكون على بينة وعلى بصيرة، وهكذا العامة يجب عليهم في ذلك أن يتثبتوا، وألاَّ يقدموا على شيء حتى يسألوا أهل العلم، وحتى يتبصروا؛ لأن هذه مسائل عظيمة، مسائل تكفير وليست مسائل خفيفة.
فالواجب على طلبة العلم وعلى أهل العلم أن يوضحوا للناس الحكم بالأدلة الشرعية، والواجب على من أشكل عليه شيء ألاَّ يعجل وأن ينظر في الأدلة وأن يسأل أهل العلم حتى يكون على بصيرة وعلى بينة في ذلك، والله ولي التوفيق.
[1] سورة الزخرف، الآيات 26- 28.

[2] سورة الممتحنة، الآية 4.

[3] سورة البقرة، الآية 256.

[4] سورة الحج، الآية 62.

[5] سورة الأنعام، الآية 19.

[6] سورة إبراهيم، الآية 52.

[7] أخرجه مسلم في كتاب الإيـمان، باب وجوب الإيـمان برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم برقم 153.

[8] أخرجه مسلم في كتاب الإيـمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إلـه إلا الله، برقم 23.

[9] أخرجه أحمد في مسند القبائل، حديث طارق بن أشيم رضي الله عنه برقم 26671.

[10] سورة البقرة، الآية 256.

[11] سورة لقمان، الآية 30.

[12] سورة الإسراء، الآية 23.

[13] سورة الفاتحة، الآية 5.

[14] سورة البينة، الآية 5.

[15] سورة التوبة، الآيتان 65، 66.

[16] أخرجه الترمذي في كتاب الإيمان، باب ما جاء في ترك الصلاة برقم 2621، والنسائي في كتاب الصلاة، باب الحكم في تارك الصلاة برقم 463، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء فيمن ترك الصلاة برقم 1079، وأحمد في باقي مسند الأنصار، حديث بريدة الأسلمي رضي الله عنه برقم 22428.

[17] أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة برقم 82.

السؤال :
هل "لا إلـه إلا الله" قول باللسان أو قول يحتاج إلى عمل؟

الجواب :
هذه الكـلمة هي أعظم الكلام الذي يتكلم به الناس وأفضل الكـلام، وهي قول وعمـل، ولا يكفـي مجرد القول، ولو كفى مجرد القول لكان المنافقون مسلمين؛ لأنهم يقولونها، وهم مع هذا كفار، بل في الدرك الأسفل من النار؛ لأنهم يقولونها باللسان من دون عقيدة ولا إيـمان، فلا بد من قولها باللسان مع اعتقاد القلب وإيـمان القلب بأنه لا معبود حق إلا الله.
ولا بد أيضاً من أداء حقها بأداء الفرائض، وترك المحارم؛ لأن هذا من حق لا إله إلا الله، قال عليه الصلاة والسلام: ((أُمرت أن أُقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله)).
وفي لفظ آخر: ((أُمرت أن أُقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله عز وجل)) متفق على صحته.
فالحاصل أنه لا بد من قول مع يقين، ومع علم ومع عمل، لا مجرد القول باللسان، فإن اليهود يقولونها، والمنافقون يقولونها، ولكن لا تنفعهم، لماَّ لم يحققوها بالعمل والعقيدة، فلا بد من العقيدة بأنه لا معبود بحق إلا الله، وأن ما عبده الناس من أصنام ومن أشجار أو أحجار أو قبور أو أنبياء أو ملائكة أو غيرهم فإنه باطل، وأن هذا شرك بالله عز وجل، والإيـمان حق لله وحده، وهذا هو معنى لا إله إلا الله، فإن معناها: لا معبود حق إلا الله، كما قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ}[1]، وقال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء}[2]، وقال سبحانه: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}[3]، وقال عز وجل: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ}[4]، وقال سبحانه: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ (2) أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ}[5]، وقال عليه الصلاة والسلام: ((من قال لا إله إلا الله وكفر بما يُعبد من دون الله حرم ماله ودمه))، وفي لفظ آخر عند مسلم: ((من وحد الله وكفر بما يُعبد من دون الله حرم ماله ودمه)). فدل على أنه لا بد من التوحيد والإخلاص لله.
ولما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً رضي الله عنه إلى اليمن معلماً ومرشداً وأميراً وقائداً، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((ادعهم إلى أن يوحدوا الله))[6]، وفي لفظ آخر: ((ادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإذا فعلوا ذلك فأخبرهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة، فإن هم أطاعوك فأخبرهم أن الله افترض عليهم صدقة تُؤخد من أغنيائهم وترد إلى فقرائهم…))[7] الحديث.
فالخلاصة أنه لا بد من الإيمان بها قولاً وعملاً مع النطق، فيشهد أن لا إله إلا الله عن علم ويقين وإخلاص وصدق ومحبة لما دلت عليه من التوحيد، وانقياد لحقها وقبول لذلك، وبراءة مما عُبد من دون الله تعالى. هكذا يكون الإيمان بهذه الكلمة، يقولها عن يقين وأنه لا معبود بحق إلا الله، وعن علم ليس فيه جهل ولا شك، وعن إخلاص في ذلك لا رياء ولا سمعة، وعن محبة لما دلت عليه من التوحيد والإخلاص، وعن صدق، لا كالمنافقين يقولونها باللسان ويكذبونها في الباطن.
ومع قبول لما دلت عليه من التوحيد وانقياد لذلك، ومحبة لذلك، والتزام به مع البراءة من كل ما يُعبد من دون الله، والكفر بكل ما يُعبد من دون الله، كما قال سبحانه: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[8].
والكفر بالطاغوت معناه البراءة مما عُبد من دون الله، واعتقاد بطلانه، وأن تتبرأ من عبادة غير الله، وتعتقد بطلان ذلك، وأن العبادة بحق هي لله وحده سبحانه وتعالى ليس له شريك في ذلك، لا ملك ولا نبي ولا شجر ولا حجر ولا ميت ولا غير ذلك.
[1] سورة لقمان، الآية 30.

[2] سورة البينة، الآية 5.

[3] سورة الفاتحة، الآية 5.

[4] سورة الإسراء، الآية 23.

[5] سورة الزمر، الآيتان 2، 3.

[6] أخرجه البخاري في كتاب التوحيد، باب ما جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم برقم 7372.

[7] أخرجه البخاري في كتاب الزكاة، باب وجوب الزكاة برقم 1395، ومسلم في كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام برقم 19.

[8] سورة البقرة، الآية 256.

السؤال :
يقول السائل: إنني منذ فترة طويلة كنت أرعى الغنم، وجاء بين غنمنا عناق فذبحتها أنا وراعٍ معي وأكلناها، ثم بحثنا عن صاحبها لنعطيه ثمنها فلم نجده – وثمنها في ذلك الوقت يصل إلى 25 جنيهاً سودانياً – فكيف توجهوننا الآن – جزاكم الله خيراً -؟

الجواب :
عليك أن تتصدق أنت وصاحبك بقيمتها بالنية عن صاحبها، إذا كانت المدة طويلة، أما إذا كانت المدة قصيرة، فعليك تعريفها سنة كاملة؛ تقول: من له العناق؟ من له العناق؟ لعلها تعرف، فمتى عرفها أحد فأعطوه قيمتها، وإذا لم تعرف فلا شيء عليكم.
وأما إذا كانت المدة طويلة وقد فات وقت التعريف، وقد نسيها صاحبها، أو ذهب عن المكان، أو ما أشبه ذلك،، فالأحوط لك ولصاحبك أن تتصدقا بقيمتها بالنية عن صاحبها.
أما إذا أمكن تعريفها سنة كاملة؛ لعل صاحبها يعرفها فتعرفها سنة كاملة في مجامع الناس، تقول: من له العناق؟ من له العناق التي وجدت في محل كذا وكذا؟ لعلها تعرف، فإن عرفت، فإنك تعطيه القيمة إن طلبها، وإن سمح فلا بأس، ولا شيء عليك وعلى صاحبك.
أما إذا كانت المدة طويلة وقد مضى دهر طويل، فالغالب أن صاحبها لا يكون موجوداً، ولا يلزم التعريف حينئذ؛ فتصدق بثمنها بالنية عن صاحبها، وإذا عرفتها احتياطاً لعله يعرف، هذا أيضاً أكمل وأطيب وأحوط.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.