نصيحة موجهة إلى الكاتب / أنمار حامد مطاوع
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده :
فقد اطلعت واطلع غيري على المقال المنشور في جريدة عكاظ العدد 14483 في 3/8/1421هـ تحت عنوان ( قيادة المرأة تحت إشراف ولي أمرها ) للكاتب أنمار حامد مطاوع ، وقد اشتمل المقال على افكار وعادات دخيلة على بلادنا وعاداتها تتضمن الدعوة الصريحة إلى قيادة المرأة للسيارة وأورد الكاتب المذكور ضوابط – حسب زعمه – لذلك ، مع انه يعلم وكلنا يعلم أنها ضوابط لا تسمن ولا تغني من جوع وأن هدف الكاتب واضح جداً وهو إخراج المرأة من حصنها الحصين لتقود سيارة ، ثم نشر مقال آخر لنفس الكاتب بالجريدة المذكورة المؤرخة في 24/12/1421هـ تحت عنوان ( دكتورات يشرفن على طلاب الدراسات العليا ) وقد تضمن المقال رغبة الكاتب / أنمار المذكور في السماح لعضوات هيئة التدريس للإشراف على رسائل ماجستير ودكتواره قسم الطلاب وذلك في دعوة صريحة للإختلاط داخل هيئة التدريس ليكون خطوة لما بعدها من حصول الإختلاط في الكليات والمحاضرات ………الخ .
ولم يقف الكاتب أنمار عند هذا الحد ، بل نشر مقال ثالث للكاتب المذكور وبالجريدة المشار إليها أيضاَ والمؤرخة في 6/2/1422هـ تحت عنوان ( توفير سائقات لأتوبيسات مدارس البنات ) قد تضمن المقال محاولة الكاتب الثالثة خلال اشهر قليلة من إخراج المرأة من بيتها ودعوتها إلى الاختلاط بالرجال وقيادتها للسيارة ، والظاهر – ولله الحمد – أن محاولات الكاتب أنمار كلها قد باءت بالفشل لأن المجتمع يعي جيداً ما يريده الكاتب أنمار ومن سار على شاكلته ومع ذلك كله فإني أدعو/ الكاتب أنمار إلى التوبة إلى الله جل وعلا وتصحيح الأخطاء التي ارتكبها في مقالاته المذكورة أعلاه ، وليعلم أنه لا يمكن أن تتحقق لنا السعادة والحياة الهنيئة إلا باتباع منهج هذا الدين ، أما أن يقوم شخص ويصدر لنا أفكاراً غربية في ديار التوحيد ، فأقول أن هذا أمر خطير جداً ويَخشى على دين صاحبه ، وأظن أن الكاتب أنمار يعلم أن كثيراً من الغربيين ينادون بعودة المرأة إلى البيت ، ألا نستحي نحن المسلمين من دعوة المرأة إلى خروجها من البيت واختلاطها بالرجال وقيادتها للسيارة ، وأظن أن الكاتب أنمار يعلم أيضاً – وهو من أهل مكة فيما أعلم – أن الإسلام حرص على سد منافذ الاختلاط حتى في أطهر بقعة في الأرض وهي المساجد ، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وأن خير صفوف النساء آخرها وشرها أولها ، وإنما كانت خير صفوف النساء آخرها لبعدها عن الرجال وكذلك كانت شر صفوف النساء أولها لقربها من الرجال ، فإذا كان ذلك في المساجد فماذا يقول الكاتب أنمار عن الاختلاط في الجامعات والكليات وغيرها ؟؟؟ .
وبهذه المناسبة أود أن أعرض على الكاتب / أنمار وكذلك القراء الكرام الفتوى الصادرة من سماحة العلامة الشيخ /عبد العزيز بن باز – رحمه الله – حول قيادة المرأة للسيارة حيث أجاب سماحته بما يلي ( لاشك أن ذلك لا يجوز ، لأن قيادتها للسيارة تؤدي إلى مفاسد كثيرة وعواقب وخيمة ، منها الخلوة المحرمة بالمرأة ، ومنها السفور ، ومنها الاختلاط بالرجال بدون حذر ، ومنها ارتكاب المحظور الذي من أجله حرمت هذه الأمور . والشرع المطهر منع الوسائل المؤدية إلى المحرم واعتبرها محرمة . وقد أمر الله جل وعلا نساء النبي ونساء المؤمنين بالاستقرار في البيوت ، والحجاب ، وتجنب إظهار الزينة لغير محارمهن لما يؤدي إليه ذلك كله من الإباحية التي تقضي على المجتمع ، قال تعالى ( وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله ) " الأحزاب : 33 " الآية ، وقال تعالى ( ياأيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين ) " الأحزاب 59 " وقال تعالى ( وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربين بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون ) " النور 31 " .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( ما خلا رجل بأمرأة إلا كان الشيطان ثالثهما ) فالشرع المطهر منع جميع الأسباب المؤدية إلى الرذيلة بما في ذلك رمي المحصنات الغافلات بالفاحشة وجعل عقوبته من أشد العقوبات صيانة للمجتمع من نشر أسباب الرذيلة . وقيادة المرأة من الأسباب المؤدية إلى ذلك . وهذا لا يخفى ، ولكن الجهل بالأحكام الشرعية وبالعواقب السيئة التي يفضي إليها التساهل بالوسائل المفضية إلى المنكرات مع ما يبتلى به الكثير من مرضى القلوب ومحبة الإباحية والتمتع بالنظر إلى الأجنبيات ، كل هذا بسبب الخوض في هذا الأمر وأشباهه بغير علم وبغير مبالاة بما وراء ذلك من الأخطار ، وقال الله تعالى ( قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ) " الأعراف 33 ) وقال سبحانه ( ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين * إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لاتعلمون ) " البقرة 168-169 " ، وقال صلى الله عليه وسلم ( ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء ) . وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال ( كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت : يا رسول الله ، إنا كنا في جاهلية وشر فجاء الله بهذا الخير ، فهل بعده من شر ؟ قال : نعم ، قلت : وهل بعد ذلك الشر من خير ؟ قال نعم وفيه دخن ، قلت : وما دخنه ؟ قال : قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر قلت : فهل بعد ذلك الخير من شر ؟ قال : نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها . قلت : يا رسول الله صفهم لنا ؟ قال : هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا ، قلت : فما تأمرني إن أدركني ذلك ؟ قال : تلزم جماعة المسلمين وإمامهم . قلت : فإن لم يكن لهم إمام ولا جماعة ؟ قال : فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدرك الموت وأنت على ذلك ). " متفق عليه " .
وإني أدعو كل مسلم أن يتق الله في قوله وفي عمله وأن يحذر الفتن والداعين إليها وأن يبتعد عن كل ما يسخط الله جل وعلا أو يفضي إلى ذلك ، وأن يحذر كل الحذر أن يكون من هؤلاء الدعاة الذين أخبر عنهم النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الشريف . وقانا الله شر الفتن وأهلها وحفظ لهذه الأمة دينها وكفاها شر دعاة السوء ووفق صحفنا وسائر المسلمين لما فيه رضاه وصلاح أمر المسلمين ونجاتهم في الدنيا والآخرة إنه ولي ذلك والقادر عليه .. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
وكذلك اعرض على الكاتب أنمار الفتوى الصادرة من سماحة الشيخ / محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – حول نفس الموضوع فحينما سئل سماحته عن حكم قيادة المرأة للسيارة وما رأيكم بالقول " إن قيادة المرأة للسيارة أخفف ضرراً من ركوبها مع السائق الأجنبي أجاب سماحته بما يلي ( الجواب على هذا السؤال ينبني على قاعدتين مشهورتين بين علماء المسلمين : القاعدة الأولى: أن ما أفضى إلى المحرم فهو محرم والقاعدة الثانية : أن درء المفاسد إذا كانت مكافئة للمصالح أو أعظم مقدم على جلب المصالح فدليل القاعدة الأولى قوله تعالى ( ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم )" الأنعام 108 " فنهى الله تعالى عن سب آلهة المشركين مع أنه مصلحة لأنه يفضي إلى سب الله تعالى ودليل القاعدة الثانية قوله تعالى ( يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما ) " البقرة 219 " وقد حرم الله الخمر والميسر مع ما فيهما من المنافع درءاً للمفسدة الحاصلة بتناولهما وبناءً على هاتين القاعدتين يتبين حكم قيادة المرأة للسيارة فإن قيادة المرأة للسيارة تتضمن مفاسد كثيرة فمن مفاسدها : نزع الحجاب لأن قيادة السيارة سيكون بها كشف الوجه الذي هو محل الفتنة ومحط أنظار الرجال ولا تعتبر المرأة جميلة أو قبيحة على الإطلاق إلا بوجهها ، أي أنه إذا قيل جميلة أو قبيحة لم ينصرف الذهن إلا إلى الوجه ، وإذا قصد غيره فلا بد من التقييد ، فيقال جميلة اليدين ، جميلة الشعر ، جميلة القدمين ، وبهذا عرف أن الوجه مدار القصد ، وربما يقول قائل إنه يمكن أن تقود المرأة السيارة بدون نزع الحجاب بأن تتلثم المرأة وتلبس في عينيها نظارتين سوداوين والجواب عن ذلك ا يقال هذا خلاف الواقع من عاشقات قيادة السيارة واسأل من شاهدهن في البلاد الأخرى وعلى فرض أنه يمكن تطبيقه في ابتداء الأمر فلن يدوم طويلاً بل سيتحول في المدى القريب إلى ما عليه النساء في البلاد الأخرى كما هي سنة التطور المتدهور في أمور بدأت هينة مقبولة بعض الشئ ثم تدهورت منحدرة إلى محاذير مرفوضة ومن مفاسد قيادة المرأة للسيارة نزع الحياء منها والحياء من الإيمان كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم والحياء هو الخلق الكريم الذي تقتضيه طبيعة المرأة وتحتمي به من التعرض للفتنة ولهذا كانت مضرب المثل في فيقال " أحياء من العذراء في خدرها " وإذا نزع الحياء من المرأة فلا تسأل عنها. ومن مفاسدها أنها سبب لكثرة خروج المرأة من البيت والبيت خير لها كما قال ذلك أعلم الخلق بالخلق محمد صلى الله عليه وسلم لأن عاشقي القيادة يرون فيها متعة ، ولهذا تجدهم يتجولون في سياراتهم هنا وهناك بدون حاجة ؟ لما يحصل لهم من المتعة بالقيادة ومن مفاسدها أن المرأة تكون طليقة تذهب إلى ما شاءت ومتى شاءت وحيث شاءت إلى ما شاءت من أي غرض تريده ، لأنها وحدها في سيارتها متى شاءت في أي ساعة ليل أو نهار وربما تبقى إلى ساعة متأخرة من الليل وإذا كان الناس يعانون من هذا في بعض الشباب فما بالك بالشابات ؟؟! حيث شاءت يميناً وشمالاً في عرض البلد وطوله ، وربما خارجه أيضاً ومن مفاسد قيادة المرأة للسيارة أنها سبب لتمرد المرأة على أهلها وزوجها ، فلأدنى سبب يثيرها في البيت تخرج منه وتذهب في سيارتها إلى حيث ترى أنها تروح عن نفسها فيه ، كما يحصل ذلك من بعض الشباب وهو أقوى تحملاً من المرأة ومن مفاسدها أنها سبب للفتنة في مواقف عديدة 1- في الوقوف عند إشارات الطرق 2- في الوقوف عند محطات البنزين 3- في الوقوف عند نقطة التفتيش 4- في الوقوف عند رجال المرور عند التحقيق في مخالفة أو حادث 5- في الوقوف لملء إطار السيارة بالهواء " البنشر " 6- في الوقوف عند خلل يقع في السيارة في أثناء الطريق فتحتاج المرأة إلى إسعافها فماذا تكون حالتها حينئذ ربما تصادف رجلاً سافلاً يساومها على عرضها في تخليصها من محنتها ، لا سيما إذا عظمت حاجتها حتى بلغت حد الضرورة ومن مفاسد قيادة المرأة للسيارة كثرة ازدحام الشوارع أو حرمان بعض الشباب من قيادة السيارات وهو احق بذلك من المرأة واجدر ومن مفاسد قيادة المرأة للسيارات كثرة الحوادث ، لأن المرأة بمقتضى طبيعتها أقل من الرجل حزماً ، وأقصر نظراً وأعجز قدرة ، فإذا داهمها الخطر عجزت عن التصرف ومن مفاسدها أنها سبب للإرهاق في النفقة فإن المرأة بطبيعتها تحب أن تكمل نفسها مما يتعلق بها من لباس وغيره ، ألا ترى إلى تعلقها بالأزياء كلما ظهر زي رمت بما عندها وبادرت إلى الجديد ، وإن كان أسوأ مما عندها. ألا ترى إلى غرفتها ماذا تعلق على جدرانها من الزخرفة . ألا ترى إلى ماصتها وإلى غيرها من أدوات حاجاتها . وعلى قياس ذلك – بل لعله أولى منه – السيارة التي تقودها ، فكلما ظهر موديل جديد فسوف تترك الأول إلى هذا الجديد . وأما قول السائل : وما رأيكم بالقول : " إن قيادة المرأة للسيارة أخفف ضرراً من ركوبها مع السائق الأجنبي " ؟ فالذي أرى أن كل واحد منهما فيه ضرر ، وأحدها أضر من الثاني من وجه ، ولكن ليس هناك ضرورة توجب ارتكاب أحدهما .
وأعلم أنني بسطت القول في هذا الجواب لما حصل من المعمعة والضجة حول قيادة المرأة للسيارة والضغط المكثف على المجتمع السعودي المحافظ على دينه وأخلاقه ليستمرئ قيادة المرأة للسيارة ويستسيغها . وهذا ليس بعجيب لو وقع من عدو متربص بهذا البلد الذي هو آخر معقل للإسلام يريد أعداء الإسلام أن يقضوا عليه ، ولكن هذا من أعجب العجب إذا وقع من قوم من مواطنينا ومن أبناء جلدتنا يتكلمون بألسنتنا ، ويستظلون برايتنا ، قوم انبهروا بما عليه دول الكفر من تقدم مادي دنيوي فأعجبوا بما هم عليه من أخلاق تحرروا بها من قيود الفضيلة إلى قيود الرذيلة وصاروا كما قال ابن القيم في نونيته : هربوا من الرق الذي خلقوا له —- وبلو برق النفس والشيطان ، وظن هؤلاء أن دول الكفر وصلوا إلى ما وصلوا إليه من تقدم مادي بسبب تحررهم هذا التحرر ، وما ذلك إلا لجهلهم أو جهل الكثير منهم بأحكام الشريعة وأدلتها الأثرية والنظرية ، وماتنطوي عليه من حكم وأسرار تتضمن مصالح الخلق في معاشهم ومعادهم ودفع المفاسد . فنسأل الله تعالى لنا ولهم الهداية والتوفيق لما فيه الخير والصلاح في الدنيا والآخرة .
وختاماً أدعو الكاتب أنمار إلى التوبة مما سلف واذكره بأنه يستطيع أن يجعل قلمه لخدمة الإسلام والمسلمين بدلاً من أن يكون سيفاً مسلطاً على الإسلام – نسأل الله العافية ، كما اذكر الكاتب أنمار أن الدال على الخير كفاعله كنا أن الدال على الشر كفاعله كما اذكره أخيراً بيوم عصيب تجتمع فيه الخلائق وذلك لكي يحاسبهم الله على ما قدموا من عمل في هذه الدنيا قال تعالى ( واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ، ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون ) أسأل الله أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
كتبه
غيــــــــور
14/2/1422هـ
——————
غيور2
لا يخفى على من عنده بصيرة في الدين أن أي عمل من الأعمال المباحة التي يمارسها الإنسان والتي لم يرد فيها نص من الشارع الحكيم فإن إباحته لا تظل على ما هي عليه إذا كان فعله يؤدي إلى أمر مكروه أو محرَّم ، لأن من مقاصد الشريعة إيجاد المصالح وإزالة المفاسد .
وقيادة المرأة للسيارة – على سبيل المثال – في حد ذاته عمل مباح ، ولكن المتأمل للآثار الناتجة عن قيادة المرأة للسيارة بعدل وتجرد وواقعية يجد أن مفاسدها أعظم بكثير من مصالحها ، فتأخذ القيادة عندئذ حكم ما أدت إليه مع إبقاء حكم الإباحة لذات الفعل ! ومن مفاسد قيادة المرأة للسيارة الآتي :
1. إن أمر قيادة المرأة للسيارة مرتبط بأمر آخر خطير جدا ! ألا وهو ما يترتب عليه غالبا من كثرة خروج المرأة من البيت ، لحاجة وبدون حاجة ، لكون السيارة تحت تصرفها ، تحركها متى شاءت ، وتوقفها متى شاءت ، فستكثر الخروج للتنزه وللاستمتاع بقيادة السيارة ، ولزيارة صديقاتها ، وارتياد الأسواق وغير ذلك من الأسباب ، بينما الواجب على المرأة أن تقر في بيتها ولا تخرج إلا لحاجة كما أمر بذلك الله زوجات النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى (وقرن في بيوتكن) . فإذا كان هذا في حق أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ونساء العهد النبوي فكيف بغيرهن من النساء في العصور المتأخرة ؟
بل إن الرسول الله صلى الله عليه وسلم رغَّب المرأة أن تصلي في بيتها ، وأخبر أن ذلك خير لها من الصلاة في المسجد فكيف بمن تخرج لغير غرض الصلاة ؟ قال صلى الله عليه وسلم : " لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وبيوتهن خير لهن ".
وقال صلى الله عليه وسلم : " إن المرأة إذا خرجت استشرفها الشيطان " ، أي رفعها في عيون الناس .
وقالت عائشة رضي الله عنها عن خروج النساء للصلاة في المسجد : " لو أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن كما مُنِعَتْ نساءُ بني إسرائيل . قلت لعَمْرَة : أَوَ مُنِعْنَ ؟ قالت : نعم ".
وقال ابن مسعود : " ما قربت امرأة إلى الله بأعظم من قعودها في بيتها ".
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو تركنا هذا الباب للنسـاء " ، قال نافع : فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات .
وعن حمزة بن أبي أسيد الأنصاري عن أبيه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول للنساء وقد اختلطن بالرجال في الطريق : " استأخرن فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق ، عليكن بحافات الطريق " ، فكانت المرأة تلتصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به .
وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم قام النساء حين يقضي تسليمه ، ومكث يسيرا قبل أن يقوم : قال ابن شهاب : فأرى – والله أعلم – أن مكثه لكي ينفذ (أي يخرج) النساء قبل أن يدركهن من انصرف من القوم .
وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها ، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها ".
قال الإمام النووي في شرح هذا الحديث : وإنما فُضل آخر صفوف النساء الحاضرات مع الرجال لبعدهن من مخالطة الرجال ورؤيتهم وتعلق القلب بهم عند رؤية حركاتهم وسماع كلامهم ونحو ذلك ، وذُم أول صفوفهن لعكس ذلك .
2. أن في كثرة خروج المرأة من منـزلها تعرضا لأعين الناس المحيطين بها وإن كانت عفيفة ، ومن ثم تعلقهم بها ، ومعرفتهم لها ، كلما دخلت وخرجت ، ونزلت من السيارة أو صعدت ، وهذا من أعظم أسباب تعرض النساء العفيفات للشرور ، لا سيما المرأة المتصفة بالزينة الظاهرة كالطول ونحوه ، هذا إذا افترضنا أنه لم يخرج منها شيء من زينتها الباطنة كالوجه والكفين والقدمين ونحو ذلك ، فكيف إذا خرجت ؟
3. كذلك فإن اعتياد المرأة للخروج من المنـزل سينشأ منه تدريجيا عدم اكتراث الزوج من كثرة خروجها وتطبُّعه على ذلك ، لأن وجود السيارة مدعاة لكثرة الخروج ، وعند حصول عدم الاكتراث من الزوج ستنفتح أبواب الشر أمام المرأة ، والله الهادي .
4. أن في قيادة المرأة للسيارة تسهيلا لبعدها عن عيون الناس ، فربما زين لها الشيطان بذلك الذهاب إلى أماكن بعيدة لفعل الفاحشة أو الاتصال مع من يحرم عليها الاتصال به ، وقد لا يكون ذلك في أول الأمر ولكن الشيطان يزين ذلك شيئا فشيئا ، لا سيما مع كثرة المغريات والمثيرات لكلا الجنسين في الوقت الحاضر ، وانتشار الزنا ، وكثرة الذئاب البشرية اللاهثة وراء الجنس ، وفي الحديث : " إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ".
5. أن كثرة خروج المرأة سبب لحصول الشكوك بين الزوجين إذ أن الزوج لن يأمن أن تكون زوجته على اتصال بغيره لسهولة اتصالها بغيره من الرجال ، ويتأكد ذلك كلما حصل تأخير في رجوع المرأة إلى البيت أو خروجها بدون إذنه أو إذا خرجت متزينة ، وإذا كثرت الشكوك بين الزوجين فلا تسأل عن العلاقة بينهما كيف تصير ! بل ربما صارت قيادة المرأة للسيارة رافداً قوياً وسبباً جديداً من أسباب الطلاق في المجتمع ، بخلاف المرأة اللازمة بيتها فإن زوجها في مأمن عليها .
6. أن كثرة خروج المرأة من المنـزل سبب في سقوطها من أعين الناس المحافظين على دينهم وقيمهم ، فلا يرغب بها الرجال الأخيار ، ولو رغبوا فيها فالغالب أن العلاقة بينهما لا تستمر ، لأنها ستكون مسترجلة ، تشعر بإمكانية استقلالها بالقوامة على نفسها ، واستغنائها عن زوجها ، ومن ثم لا يستطيع زوجها أن يضبطها أو أن يقوم على تصرفاتها ، ولهذا فإن نسبة الطلاق في البلاد التي يكثر خروج النساء فيها عالية جدا .
7. أن في قيادة المرأة للسيارة إذهاباً لحياء المرأة وأنوثتها ، وخروجاً لها عن طبيعتها بسبب ما اعتادت عليه من كثرة خروجها من بيتها ، بخلاف المرأة القليلة الخروج من بيتها ، القليلة الاحتكاك بالرجال ، ولذا فإنك ترى المرأة الخراجة الولاجة قليلة الحياء ، عالية الصوت ، لا تشبه بنات جنسها في حيائها وعفتها .
8. أن قيادة المرأة للسيارة يلزم منه نزع حجابها وكشف وجهها لتتمكن من رؤية الطريق ، ومن المعلوم أن الوجه هو عنوان الجمال ، ومحط أنظار النساء والرجال ، وإذا كان الله قد نهى المرأة عن أن تضرب برجلها إذا كان في رجلها خلخال لئلا يفتتن الرجال بصوت الخلخال فكيف ستكون الفتنة بمن كشفت وجهها ؟
فلو قال قائل : إنه يمكن لها أن تقود السيارة بدون كشف الوجه بأن تلبس نقابا مثلا أو برقعا !
فالجواب أنها لو غطت وجهها أثناء القيادة فلا بد من كشفه عند نقاط التفتيش لمطابقة الوثائق الأمنية !
ثانيا : أن لبسها للنقاب أو البرقع فيه مشقة عليها أثناء القيادة ، وربما سبب لها ذلك إرباكاً أثناء القيادة وصعوبة في الالتفات إلى من هو على جانبي الطريق ، وفي هذا من الخطورة ما فيه ، ولذا فإن قيادة المنقبة والمبرقعة للسيارة قد منعت رسميا في البلاد التي يتنقب فيها النساء أو يتبرقعن عند قيادتهن للسيارة !
9. وفضلا عن انكشاف محاسن المرأة ، فإنها ستضطر للحديث مع الرجال عند محطات البنزين ونقاط التفتيش أو عندما تتعطل سيارتها في الطريق وفي هذا من الفتنة ما فيه ، أو في ورش صيانة السيارات ، ومن المعلوم أن ورش الإصلاح بدون استثناء يتولاها الرجال ، وهذه الفرصة ستتيح لمرضى القلوب تيسير أمر إغرائها مستغلين حاجتها لمساعدتهم . وقد رتب أحد الشعراء مراحل الغواية بقوله :
نظرة فابتسامة فسلام
فكلام فموعد فلقاء
ناهيك عما يمكن أن يحصل للمخالفات من النساء إذا نُقلن إلى الحجز بسبب المخالفات المرورية ، وحُجزن المدة القانونية وراء القضبان !
بينما المرأة التي لزمت بيتها قد كفاها الله ذلك كله ، والمعصوم من عصمه الله عز وجل .
10. أن انفراد المرأة بسيارتها يعرضها لضعاف النفوس بإغوائها ومغازلتها ، أو التخطيط لوقوعها في قبضتهم كرهاً أو اختيارا ، مستغلين ضعفها ، وبعدها عمن هي في حفظه وعنايته
وقد وصل الحال ببعض قليلي المروءة والحياء إلى أن يتحرشوا بالمرأة وهي مع محرمها أو بين الناس في الأماكن العامة والأسواق ! فكيف إذا كانت في السيارة والطرقات وحدها ؟
وهنا قد يقول قائل : إن فتاة الغرب لا يحصل تعرض لها أثناء قيادتها للسيارة !
فالجواب : لو سلمنا بصحة هذه المعلومة فإن ما يراد من الفتاة الغربية مهيأ منها دون حاجة إلى بذل مراودة أثناء قيادتها للسيارة ، فقد صار الوصول لها أسهل من ذلك بكثير في العمل المختلط مثلا وفي غيره ، فقيادة السيارة كانت وسيلة لحصول أمر قد تحقق الآن ، فما عادت القيادة الآن أمراً ذا بال ! فعلى الفتاة التي عافاها الله من ذلك أن تكون يقظة قبل أن تقع في المصيدة ، وألا تغتر بما عليه أكثر الناس ، فأكثر الناس ليسوا على الهدى المستقيم كما قال تعالى (وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله) .
11. أن في قيادة المرأة للسيارة فتحاً لباب مسدود أمام النساء المنحطات في دينهن وخلقهن في زيادة الشر ونشر الرذيلة في المجتمع ، وفي منعهن عن القيادة تضييق لهن عن التوسع في ذلك ، وهذا هو الواجب .
12. أن قيادة المرأة للسيارة من دواعي زيادة اعتماد الرجل على زوجته في قضاء حاجيات البيت كتوصيل الأولاد إلى المدرسة وزيارة الأقارب وشراء الأغراض المنـزلية ونحو ذلك من الأمور التي ربما تتطلب السفر إلى المدن المجاورة ، وفي هذا من إرهاق المرأة بالواجبات المنـزلية ما لا يخفى .
وهنا قد يقول قائل : أن المرأة في بيتها أميرة ومديرة ومدبرة لشؤون حياتها الزوجية ، وهذا يقتضي السماح لها بقيادة السيارة لتغطية حاجياتها المنـزلية !
فنقول إن هذا الاقتضاء غير صحيح ، فإن المرأة إن كانت ذات زوج فزوجها مسؤول عن تأمين حاجاتها من خارج منـزلها كما قال تعالى (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم) ، وإن لم تكن ذات زوج فأهلها من الرجال مسؤولون عن ذلك ، وقد يكون لديها أو لدى زوجها من اليسار ما يمكِّنه من تأمين خادم يقوم بتلبية طلبات المنـزل من خارجه.
13. أن في اعتماد الرجال على النساء في قضاء حاجيات البيت ضرراً على الرجال أنفسهم ، من جهة أن في ذلك ذوباناً لشخصياتهم أمام الأولاد وأمام المرأة أيضا ، ونقص الغيرة والرجولة ، وعدم هيبة الأولاد لهم ، بخلاف ما لو كان الرجل هو القائم على شئون البيت الداخلية والخارجية فإنه سيكون له مكانة في البيت ، والعكس بالعكس .
14. أن قيادة المرأة للسيارة وما يلحق ذلك من كثرة الخروج من المنـزل يترتب عليه أيضا تفريط في حق البيت والأولاد بقدر ما تخرج ربته منه ، ومن المعلوم أن العناية بشئون البيت هي الوظيفة الأساسية للمرأة المسلمة ، ونحن نرى الآن ثمرات خروج المرأة للعمل لفترة بسيطة محددة ، كالتدريس مثلا ، فأصبحت التربية والحضانة في كثير من بيوت الموظفات من مهمات الخدم ، وغالبهم من الأعاجم الذين لا يحسنون تربية الأولاد ، وربما كانوا من النصارى أو الوثنيين ! وهنا تكون المصائب الثلاث : الأولى أن الأب لا يقوم بشؤون بيته ، والأم لا تقوم بشؤون منـزلها ، والأولاد بيد الخدم ، ومن ثم على المجتمع السلام .
15. أن إقبال بعض النساء – هداهن الله – على قيادة السيارة ليس نابعا من حاجتهن لذلك ، وإنما هو تقليد للغرب الكافر ، أو بدافع الإعجاب بالنفس وحب الظهور والتفاخر أمام بنات جنسهن ، فالدافع هو اتباع الهوى ، ليس إلا ، وقد نهى الله عموم الناس عن اتباع الهوى فقال (ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله). والواجب أن يكون الإنسان معتزا بعاداته التي ليس فيها مخالفة للشريعة ، وألا يكون ذنبا لغيره ، فهذا ضعف وخور ، وذل وتبعية ، كيف والأمر مرتبط بدينه وآخرته ؟
وفي هذا أيضا إجابة أيضا على المطالبين بقيادة المرأة للسيارة بحجة كثرة السائقين الأجانب ! إذ أن الحال في دول الخليج التي سمحت بقيادة المرأة خير شاهد على بطلان هذا الكلام ، ففي الوقت الذي تقود المرأة عندهم السيارة يوجد السائقون في معظم البيوت ، بسبب أن قيادة المرأة كما ذكرنا لم تكن للحاجة – كما يذكر المطالبون بها عندنا – بل كانت من قبيل الترفه ، فلم يستغنوا بها عن السائق الأجنبي.
16. أنه مما لا شك فيه أن حوادث السيارات أمر منتشر كثيرا في المدن ، وفي قيادة المرأة للسيارة مضاعفة لتلك الحوادث لأن عدد السيارات سيزيد تلقائيا ، كيف وقد عُلم أن المرأة ضعيفة السيطرة على نفسها فضلا عن سيارتها ، خصوصا إذا حصل لها شيء من الأمور التي تعرُض لكل قائد سيارة كانفجار إطار أو اعتراض شخص أو سيارة أمامها ، فإذا داهمها الخطر عجزت عن التصرف ، وربما هلكت أو أهلكت ، ناهيك عما يحصل في الحوادث من الترويع وانكشاف العورات ، والله الحافظ .
17. أن قيادة المرأة للسيارة سيترتب عليها زيادة أعباء مالية على كاهل الأسرة ، وذلك بقيمة السيارة وما يلحق ذلك من مصاريف الوقود والصيانة ونحو ذلك ، لا سيما والمرأة بطبيعتها تحب الكمال في كل حاجاتها ، فلعلها كلما ظهر طراز جديد من السيارات أصرت على شرائه ولو كلفها ذلك مالاً كثيراً ، وقد أمر الله بالاقتصاد في الإنفاق ، قال تعالى (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما) ، وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : " اللهم إني أسألك القصد في الغنى والفقر ".
18. أن زيادة الأعباء المالية على الأسرة ستضطر المرأة إلى البحث عن وظيفة لتجد منها دخلا يسد الأعباء المالية الجديدة ، وهذا فيه زيادة أعباء مالية وبدنية على المرأة ، كما أن فيه تفريطاً بحقوق البيت الذي تركته للخدم بدون حاجة ماسة .
19. أن في قيادة المرأة للسيارة فتح باب لشرور كثيرة أخرى ! فمن ذلك فقدان الاستقرار البيتي ، والسفر بدون محرم ، والخلوة بالرجال الأجانب ، ولن يستطيع أحد أن يضبط ذلك كله لا أهل الحسبة ولا رب البيت ولا حتى ولي الأمر ، بخلاف المرأة اللازمة بيتها فإن أولادها سيشعرون بدفء الأمومة وجمال الاستقرار البيتي ، وتربيتهم على العفة والحياء ، وشعورهم بمكانة والدهم في البيت ، ووجود الترابط فيما بينهم لكثرة اجتماعهم في البيت بخلاف الأسرة التي لا يعرف كل واحد فيها أين مكان الآخر !
20. أن في المطالبة بقيادة المرأة معصية لولاة الأمور وهم الأمراء والعلماء ، فأما الأمراء فقد بين الأمير نايف بن عبد العزيز حفظه الله – رجل الأمن الأول – أن هذا الأمر مرفوض جملة وتفصيلا في مجتمعنا ، وليس عند الحكومة أدنى توجه لذلك بل التوجه نحو محاربته ، لأنه سيسبب زيادة في معدلات الجريمة والاعتداء .
وأما العلماء فقد أفتى السادة العلماء أئمة الدين الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ عبد الرزاق عفيفي والشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمهم الله والشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ والشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين والشيخ صالح بن فوزان آل فوزان وغيرهم حفظهم الله من أهل العلم والخبرة والعدل والإنصاف والنظر في عواقب الأمور والحرص على حماية أديان الناس وأعراضهم بتحريم ذلك ، فالواجب طاعتهم لأنهم أمروا بطاعة الله ، قال تعالى (ولو ردوه إلى الله والرسول وأولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) ، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : " من يطع أميري فقد أطاعني ، ومن عصا أميري فقد عصاني" ، والله أعلم .
وخلاصة القول خمسة أمور :
1. أن قيادة المرأة للسيارة تعتبر وسيلة عظيمة لحصول الشرور ، ومن قواعد الشريعة أن ما كان وسيلة إلى محرم فهو محرم ، فالواجب على المسلم أن يبتعد عما يقربه إلى الشر والهلاك وعما فيه مضرة له في دينه ، لقول ربنا تبارك وتعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين) ، وقوله صلى الله عليه وسلم : " فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه ".
2. أن واقع النساء في البلاد التي تقود فيها المرأة السيارة خير شاهد على ما قررنا آنفا ، فالواجب الحذر وألا يجعل الإنسان نفسه محطة تجارب لربما أوبقت دنياه وآخرته ، وكانت عاقبتها سيئة على سمعته وعرضه ، والعاقل من اتعظ بغيره لا من اتعظ بنفسه .
3. إن أمر قيادة المرأة للسيارة هي خطوة أولى ستتبعها خطوات كثيرة ، وحبة أولى في عقد إذا انفرط تلتها باقي الحبات ، والمعصوم من عصمه الله عز وجل .
4. أن الذين ينادون بقيادة المرأة للسيارة هم الذين ينادون بحرية المرأة ومساواتها بالرجل ، والحق أنهم يريدون بذلك حرية الوصول إليها ، والتمتع بها ، معترضين بذلك على شرع الله المنـزل ، وما جبلت عليه فطرة المرأة ، وما اتفق عليه السادة العلماء ، أئمة الدين في هذه البلاد حماها الله .
5. أن الذين يطالبون بذلك ليسوا من أهل الدين والاستقامة ، والجهاد والحسبة ، بل هم إما علمانيون يظهرون الإسلام ويبطنون التمرد على أحكام الشرع ، أو فساق يريدون التمتع بالمرأة ، أو جهال حسنوا النوايا ، لا يقدرون عواقب الأمور ، يمشون وراء كل ناعق بحجة الحضارة والمدنية – زعموا – والله الهادي .
شبهة والجواب عليها
يحتج بعضهم بالضرورة ، حيث أن هناك أسراً لا يوجد من يعولهم ، وأرامل لا ولي يقوم على شؤونهم ، والسماح لنساء هؤلاء بالقيادة فيه دفع لحاجتهم ، وتخفيف لضرورتهم !
قلت : وهذا القول باطل من أربعة وجوه :
1. أن أحكام الشرع مبنية على المصلحة الراجحة ، لا المغمورة ، ولا يشك عاقل في ترجح مفاسد قيادة المرأة للسيارة على مصالحها ، لكون المصلحة المذكورة تختص بفئة قليلة من المجتمع – لو سلمنا بذلك – ، بينما المفسدة عامة على المجتمع بأكمله ، فليس من العدل في شئ أن يُغض النظر عن المفاسد الكبيرة في سبيل تحقيق مصالح يسيرة .
2. أن غالب المطالبين والمطالبات بقيادة المرأة هم من الموسرين ، وليسوا من المعسرين ، بدليل أنك تجد عند الواحد منهم عدة سيارات ، بل لكل منهم في الغالب سائق أو عدة سائقين ، كما هو الحال في بعض الدول . فدل ذلك على أن هذه الحجة غير صحيحة ، وأن للمطالبين رغبات وأهدافاً أخرى ، وليس المقصود نصرة الأرامل فتلك شنشنة نعرفها من أخزم ، وإن وراء الأكمة ما وراءها !
3. أن الأرامل والمحتاجات في المجتمع لن يستفدن من السماح للمرأة بقيادة السيارة شيئا ، لأن غالبهن لا يستطيع شراء السيارة فضلاً عن تحمل تبعاتها لكونهن لا يستطعن تحمل تبعات بيوتهن أصلا !
4. أن أمهات الأسر الفقيرة إذا كن بحاجة إلى قيادة السيارة فليحضرن سائقاً يقضين به ضرورتهن – مع عدم الخلوة بهن بحال من الأحوال .
5. أن كثيرا من حاجات النقل الضرورية للأسرة قد وفرتها الدولة حفظها الله ، فالتعليم العام والجامعي يتوفر فيه حافلات نقل مجانية ، والمستشفيات قد وفرت لها الدولة سيارات الإسعاف لنقل المرضى من أي مكان في البلد إلى المستشفيات ، فضلا عن الجمعيات الخيرية التي تقوم على الأسر المحتاجة ، والترابط الاجتماعي المتميز في هذا البلد بين غالب الأقارب والجيران .
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
أخوكم ماجد سليمان
Mrassi11@yahoo.com
كتبها الشيخ احسان العتيبي في أنا المسلم
====
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
لا يخفى على من عنده بصيرة في الدين أن أي عمل من الأعمال المباحة التي يمارسها الإنسان والتي لم يرد فيها نص من الشارع الحكيم فإن إباحته لا تظل على ما هي عليه إذا كان فعله يؤدي إلى أمر مكروه أو محرَّم ، لأن من مقاصد الشريعة إيجاد المصالح وإزالة المفاسد .
وقيادة المرأة للسيارة – على سبيل المثال – في حد ذاته عمل مباح ، ولكن المتأمل للآثار الناتجة عن قيادة المرأة للسيارة بعدل وتجرد وواقعية يجد أن مفاسدها أعظم بكثير من مصالحها ، فتأخذ القيادة عندئذ حكم ما أدت إليه مع إبقاء حكم الإباحة لذات الفعل ! ومن مفاسد قيادة المرأة للسيارة الآتي :
1. إن أمر قيادة المرأة للسيارة مرتبط بأمر آخر خطير جدا ! ألا وهو ما يترتب عليه غالبا من كثرة خروج المرأة من البيت ، لحاجة وبدون حاجة ، لكون السيارة تحت تصرفها ، تحركها متى شاءت ، وتوقفها متى شاءت ، فستكثر الخروج للتنزه وللاستمتاع بقيادة السيارة ، ولزيارة صديقاتها ، وارتياد الأسواق وغير ذلك من الأسباب ، بينما الواجب على المرأة أن تقر في بيتها ولا تخرج إلا لحاجة كما أمر بذلك الله زوجات النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى (وقرن في بيوتكن) . فإذا كان هذا في حق أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ونساء العهد النبوي فكيف بغيرهن من النساء في العصور المتأخرة ؟
بل إن الرسول الله صلى الله عليه وسلم رغَّب المرأة أن تصلي في بيتها ، وأخبر أن ذلك خير لها من الصلاة في المسجد فكيف بمن تخرج لغير غرض الصلاة ؟ قال صلى الله عليه وسلم : " لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وبيوتهن خير لهن ".
وقال صلى الله عليه وسلم : " إن المرأة إذا خرجت استشرفها الشيطان " ، أي رفعها في عيون الناس .
وقالت عائشة رضي الله عنها عن خروج النساء للصلاة في المسجد : " لو أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن كما مُنِعَتْ نساءُ بني إسرائيل . قلت لعَمْرَة : أَوَ مُنِعْنَ ؟ قالت : نعم ".
وقال ابن مسعود : " ما قربت امرأة إلى الله بأعظم من قعودها في بيتها ".
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو تركنا هذا الباب للنسـاء " ، قال نافع : فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات .
وعن حمزة بن أبي أسيد الأنصاري عن أبيه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول للنساء وقد اختلطن بالرجال في الطريق : " استأخرن فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق ، عليكن بحافات الطريق " ، فكانت المرأة تلتصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به .
وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم قام النساء حين يقضي تسليمه ، ومكث يسيرا قبل أن يقوم : قال ابن شهاب : فأرى – والله أعلم – أن مكثه لكي ينفذ (أي يخرج) النساء قبل أن يدركهن من انصرف من القوم .
وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها ، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها ".
قال الإمام النووي في شرح هذا الحديث : وإنما فُضل آخر صفوف النساء الحاضرات مع الرجال لبعدهن من مخالطة الرجال ورؤيتهم وتعلق القلب بهم عند رؤية حركاتهم وسماع كلامهم ونحو ذلك ، وذُم أول صفوفهن لعكس ذلك .
2. أن في كثرة خروج المرأة من منـزلها تعرضا لأعين الناس المحيطين بها وإن كانت عفيفة ، ومن ثم تعلقهم بها ، ومعرفتهم لها ، كلما دخلت وخرجت ، ونزلت من السيارة أو صعدت ، وهذا من أعظم أسباب تعرض النساء العفيفات للشرور ، لا سيما المرأة المتصفة بالزينة الظاهرة كالطول ونحوه ، هذا إذا افترضنا أنه لم يخرج منها شيء من زينتها الباطنة كالوجه والكفين والقدمين ونحو ذلك ، فكيف إذا خرجت ؟
3. كذلك فإن اعتياد المرأة للخروج من المنـزل سينشأ منه تدريجيا عدم اكتراث الزوج من كثرة خروجها وتطبُّعه على ذلك ، لأن وجود السيارة مدعاة لكثرة الخروج ، وعند حصول عدم الاكتراث من الزوج ستنفتح أبواب الشر أمام المرأة ، والله الهادي .
4. أن في قيادة المرأة للسيارة تسهيلا لبعدها عن عيون الناس ، فربما زين لها الشيطان بذلك الذهاب إلى أماكن بعيدة لفعل الفاحشة أو الاتصال مع من يحرم عليها الاتصال به ، وقد لا يكون ذلك في أول الأمر ولكن الشيطان يزين ذلك شيئا فشيئا ، لا سيما مع كثرة المغريات والمثيرات لكلا الجنسين في الوقت الحاضر ، وانتشار الزنا ، وكثرة الذئاب البشرية اللاهثة وراء الجنس ، وفي الحديث : " إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ".
5. أن كثرة خروج المرأة سبب لحصول الشكوك بين الزوجين إذ أن الزوج لن يأمن أن تكون زوجته على اتصال بغيره لسهولة اتصالها بغيره من الرجال ، ويتأكد ذلك كلما حصل تأخير في رجوع المرأة إلى البيت أو خروجها بدون إذنه أو إذا خرجت متزينة ، وإذا كثرت الشكوك بين الزوجين فلا تسأل عن العلاقة بينهما كيف تصير ! بل ربما صارت قيادة المرأة للسيارة رافداً قوياً وسبباً جديداً من أسباب الطلاق في المجتمع ، بخلاف المرأة اللازمة بيتها فإن زوجها في مأمن عليها .
6. أن كثرة خروج المرأة من المنـزل سبب في سقوطها من أعين الناس المحافظين على دينهم وقيمهم ، فلا يرغب بها الرجال الأخيار ، ولو رغبوا فيها فالغالب أن العلاقة بينهما لا تستمر ، لأنها ستكون مسترجلة ، تشعر بإمكانية استقلالها بالقوامة على نفسها ، واستغنائها عن زوجها ، ومن ثم لا يستطيع زوجها أن يضبطها أو أن يقوم على تصرفاتها ، ولهذا فإن نسبة الطلاق في البلاد التي يكثر خروج النساء فيها عالية جدا .
7. أن في قيادة المرأة للسيارة إذهاباً لحياء المرأة وأنوثتها ، وخروجاً لها عن طبيعتها بسبب ما اعتادت عليه من كثرة خروجها من بيتها ، بخلاف المرأة القليلة الخروج من بيتها ، القليلة الاحتكاك بالرجال ، ولذا فإنك ترى المرأة الخراجة الولاجة قليلة الحياء ، عالية الصوت ، لا تشبه بنات جنسها في حيائها وعفتها .
8. أن قيادة المرأة للسيارة يلزم منه نزع حجابها وكشف وجهها لتتمكن من رؤية الطريق ، ومن المعلوم أن الوجه هو عنوان الجمال ، ومحط أنظار النساء والرجال ، وإذا كان الله قد نهى المرأة عن أن تضرب برجلها إذا كان في رجلها خلخال لئلا يفتتن الرجال بصوت الخلخال فكيف ستكون الفتنة بمن كشفت وجهها ؟
فلو قال قائل : إنه يمكن لها أن تقود السيارة بدون كشف الوجه بأن تلبس نقابا مثلا أو برقعا !
فالجواب أنها لو غطت وجهها أثناء القيادة فلا بد من كشفه عند نقاط التفتيش لمطابقة الوثائق الأمنية !
ثانيا : أن لبسها للنقاب أو البرقع فيه مشقة عليها أثناء القيادة ، وربما سبب لها ذلك إرباكاً أثناء القيادة وصعوبة في الالتفات إلى من هو على جانبي الطريق ، وفي هذا من الخطورة ما فيه ، ولذا فإن قيادة المنقبة والمبرقعة للسيارة قد منعت رسميا في البلاد التي يتنقب فيها النساء أو يتبرقعن عند قيادتهن للسيارة !
9. وفضلا عن انكشاف محاسن المرأة ، فإنها ستضطر للحديث مع الرجال عند محطات البنزين ونقاط التفتيش أو عندما تتعطل سيارتها في الطريق وفي هذا من الفتنة ما فيه ، أو في ورش صيانة السيارات ، ومن المعلوم أن ورش الإصلاح بدون استثناء يتولاها الرجال ، وهذه الفرصة ستتيح لمرضى القلوب تيسير أمر إغرائها مستغلين حاجتها لمساعدتهم . وقد رتب أحد الشعراء مراحل الغواية بقوله :
نظرة فابتسامة فسلام
فكلام فموعد فلقاء
ناهيك عما يمكن أن يحصل للمخالفات من النساء إذا نُقلن إلى الحجز بسبب المخالفات المرورية ، وحُجزن المدة القانونية وراء القضبان !
بينما المرأة التي لزمت بيتها قد كفاها الله ذلك كله ، والمعصوم من عصمه الله عز وجل .
10. أن انفراد المرأة بسيارتها يعرضها لضعاف النفوس بإغوائها ومغازلتها ، أو التخطيط لوقوعها في قبضتهم كرهاً أو اختيارا ، مستغلين ضعفها ، وبعدها عمن هي في حفظه وعنايته
وقد وصل الحال ببعض قليلي المروءة والحياء إلى أن يتحرشوا بالمرأة وهي مع محرمها أو بين الناس في الأماكن العامة والأسواق ! فكيف إذا كانت في السيارة والطرقات وحدها ؟
وهنا قد يقول قائل : إن فتاة الغرب لا يحصل تعرض لها أثناء قيادتها للسيارة !
فالجواب : لو سلمنا بصحة هذه المعلومة فإن ما يراد من الفتاة الغربية مهيأ منها دون حاجة إلى بذل مراودة أثناء قيادتها للسيارة ، فقد صار الوصول لها أسهل من ذلك بكثير في العمل المختلط مثلا وفي غيره ، فقيادة السيارة كانت وسيلة لحصول أمر قد تحقق الآن ، فما عادت القيادة الآن أمراً ذا بال ! فعلى الفتاة التي عافاها الله من ذلك أن تكون يقظة قبل أن تقع في المصيدة ، وألا تغتر بما عليه أكثر الناس ، فأكثر الناس ليسوا على الهدى المستقيم كما قال تعالى (وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله) .
11. أن في قيادة المرأة للسيارة فتحاً لباب مسدود أمام النساء المنحطات في دينهن وخلقهن في زيادة الشر ونشر الرذيلة في المجتمع ، وفي منعهن عن القيادة تضييق لهن عن التوسع في ذلك ، وهذا هو الواجب .
12. أن قيادة المرأة للسيارة من دواعي زيادة اعتماد الرجل على زوجته في قضاء حاجيات البيت كتوصيل الأولاد إلى المدرسة وزيارة الأقارب وشراء الأغراض المنـزلية ونحو ذلك من الأمور التي ربما تتطلب السفر إلى المدن المجاورة ، وفي هذا من إرهاق المرأة بالواجبات المنـزلية ما لا يخفى .
وهنا قد يقول قائل : أن المرأة في بيتها أميرة ومديرة ومدبرة لشؤون حياتها الزوجية ، وهذا يقتضي السماح لها بقيادة السيارة لتغطية حاجياتها المنـزلية !
فنقول إن هذا الاقتضاء غير صحيح ، فإن المرأة إن كانت ذات زوج فزوجها مسؤول عن تأمين حاجاتها من خارج منـزلها كما قال تعالى (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم) ، وإن لم تكن ذات زوج فأهلها من الرجال مسؤولون عن ذلك ، وقد يكون لديها أو لدى زوجها من اليسار ما يمكِّنه من تأمين خادم يقوم بتلبية طلبات المنـزل من خارجه.
13. أن في اعتماد الرجال على النساء في قضاء حاجيات البيت ضرراً على الرجال أنفسهم ، من جهة أن في ذلك ذوباناً لشخصياتهم أمام الأولاد وأمام المرأة أيضا ، ونقص الغيرة والرجولة ، وعدم هيبة الأولاد لهم ، بخلاف ما لو كان الرجل هو القائم على شئون البيت الداخلية والخارجية فإنه سيكون له مكانة في البيت ، والعكس بالعكس .
14. أن قيادة المرأة للسيارة وما يلحق ذلك من كثرة الخروج من المنـزل يترتب عليه أيضا تفريط في حق البيت والأولاد بقدر ما تخرج ربته منه ، ومن المعلوم أن العناية بشئون البيت هي الوظيفة الأساسية للمرأة المسلمة ، ونحن نرى الآن ثمرات خروج المرأة للعمل لفترة بسيطة محددة ، كالتدريس مثلا ، فأصبحت التربية والحضانة في كثير من بيوت الموظفات من مهمات الخدم ، وغالبهم من الأعاجم الذين لا يحسنون تربية الأولاد ، وربما كانوا من النصارى أو الوثنيين ! وهنا تكون المصائب الثلاث : الأولى أن الأب لا يقوم بشؤون بيته ، والأم لا تقوم بشؤون منـزلها ، والأولاد بيد الخدم ، ومن ثم على المجتمع السلام .
15. أن إقبال بعض النساء – هداهن الله – على قيادة السيارة ليس نابعا من حاجتهن لذلك ، وإنما هو تقليد للغرب الكافر ، أو بدافع الإعجاب بالنفس وحب الظهور والتفاخر أمام بنات جنسهن ، فالدافع هو اتباع الهوى ، ليس إلا ، وقد نهى الله عموم الناس عن اتباع الهوى فقال (ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله). والواجب أن يكون الإنسان معتزا بعاداته التي ليس فيها مخالفة للشريعة ، وألا يكون ذنبا لغيره ، فهذا ضعف وخور ، وذل وتبعية ، كيف والأمر مرتبط بدينه وآخرته ؟
وفي هذا أيضا إجابة أيضا على المطالبين بقيادة المرأة للسيارة بحجة كثرة السائقين الأجانب ! إذ أن الحال في دول الخليج التي سمحت بقيادة المرأة خير شاهد على بطلان هذا الكلام ، ففي الوقت الذي تقود المرأة عندهم السيارة يوجد السائقون في معظم البيوت ، بسبب أن قيادة المرأة كما ذكرنا لم تكن للحاجة – كما يذكر المطالبون بها عندنا – بل كانت من قبيل الترفه ، فلم يستغنوا بها عن السائق الأجنبي.
16. أنه مما لا شك فيه أن حوادث السيارات أمر منتشر كثيرا في المدن ، وفي قيادة المرأة للسيارة مضاعفة لتلك الحوادث لأن عدد السيارات سيزيد تلقائيا ، كيف وقد عُلم أن المرأة ضعيفة السيطرة على نفسها فضلا عن سيارتها ، خصوصا إذا حصل لها شيء من الأمور التي تعرُض لكل قائد سيارة كانفجار إطار أو اعتراض شخص أو سيارة أمامها ، فإذا داهمها الخطر عجزت عن التصرف ، وربما هلكت أو أهلكت ، ناهيك عما يحصل في الحوادث من الترويع وانكشاف العورات ، والله الحافظ .
17. أن قيادة المرأة للسيارة سيترتب عليها زيادة أعباء مالية على كاهل الأسرة ، وذلك بقيمة السيارة وما يلحق ذلك من مصاريف الوقود والصيانة ونحو ذلك ، لا سيما والمرأة بطبيعتها تحب الكمال في كل حاجاتها ، فلعلها كلما ظهر طراز جديد من السيارات أصرت على شرائه ولو كلفها ذلك مالاً كثيراً ، وقد أمر الله بالاقتصاد في الإنفاق ، قال تعالى (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما) ، وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : " اللهم إني أسألك القصد في الغنى والفقر ".
18. أن زيادة الأعباء المالية على الأسرة ستضطر المرأة إلى البحث عن وظيفة لتجد منها دخلا يسد الأعباء المالية الجديدة ، وهذا فيه زيادة أعباء مالية وبدنية على المرأة ، كما أن فيه تفريطاً بحقوق البيت الذي تركته للخدم بدون حاجة ماسة .
19. أن في قيادة المرأة للسيارة فتح باب لشرور كثيرة أخرى ! فمن ذلك فقدان الاستقرار البيتي ، والسفر بدون محرم ، والخلوة بالرجال الأجانب ، ولن يستطيع أحد أن يضبط ذلك كله لا أهل الحسبة ولا رب البيت ولا حتى ولي الأمر ، بخلاف المرأة اللازمة بيتها فإن أولادها سيشعرون بدفء الأمومة وجمال الاستقرار البيتي ، وتربيتهم على العفة والحياء ، وشعورهم بمكانة والدهم في البيت ، ووجود الترابط فيما بينهم لكثرة اجتماعهم في البيت بخلاف الأسرة التي لا يعرف كل واحد فيها أين مكان الآخر !
20. أن في المطالبة بقيادة المرأة معصية لولاة الأمور وهم الأمراء والعلماء ، فأما الأمراء فقد بين الأمير نايف بن عبد العزيز حفظه الله – رجل الأمن الأول – أن هذا الأمر مرفوض جملة وتفصيلا في مجتمعنا ، وليس عند الحكومة أدنى توجه لذلك بل التوجه نحو محاربته ، لأنه سيسبب زيادة في معدلات الجريمة والاعتداء .
وأما العلماء فقد أفتى السادة العلماء أئمة الدين الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ عبد الرزاق عفيفي والشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمهم الله والشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ والشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين والشيخ صالح بن فوزان آل فوزان وغيرهم حفظهم الله من أهل العلم والخبرة والعدل والإنصاف والنظر في عواقب الأمور والحرص على حماية أديان الناس وأعراضهم بتحريم ذلك ، فالواجب طاعتهم لأنهم أمروا بطاعة الله ، قال تعالى (ولو ردوه إلى الله والرسول وأولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) ، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : " من يطع أميري فقد أطاعني ، ومن عصا أميري فقد عصاني" ، والله أعلم .
وخلاصة القول خمسة أمور :
1. أن قيادة المرأة للسيارة تعتبر وسيلة عظيمة لحصول الشرور ، ومن قواعد الشريعة أن ما كان وسيلة إلى محرم فهو محرم ، فالواجب على المسلم أن يبتعد عما يقربه إلى الشر والهلاك وعما فيه مضرة له في دينه ، لقول ربنا تبارك وتعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين) ، وقوله صلى الله عليه وسلم : " فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه ".
2. أن واقع النساء في البلاد التي تقود فيها المرأة السيارة خير شاهد على ما قررنا آنفا ، فالواجب الحذر وألا يجعل الإنسان نفسه محطة تجارب لربما أوبقت دنياه وآخرته ، وكانت عاقبتها سيئة على سمعته وعرضه ، والعاقل من اتعظ بغيره لا من اتعظ بنفسه .
3. إن أمر قيادة المرأة للسيارة هي خطوة أولى ستتبعها خطوات كثيرة ، وحبة أولى في عقد إذا انفرط تلتها باقي الحبات ، والمعصوم من عصمه الله عز وجل .
4. أن الذين ينادون بقيادة المرأة للسيارة هم الذين ينادون بحرية المرأة ومساواتها بالرجل ، والحق أنهم يريدون بذلك حرية الوصول إليها ، والتمتع بها ، معترضين بذلك على شرع الله المنـزل ، وما جبلت عليه فطرة المرأة ، وما اتفق عليه السادة العلماء ، أئمة الدين في هذه البلاد حماها الله .
5. أن الذين يطالبون بذلك ليسوا من أهل الدين والاستقامة ، والجهاد والحسبة ، بل هم إما علمانيون يظهرون الإسلام ويبطنون التمرد على أحكام الشرع ، أو فساق يريدون التمتع بالمرأة ، أو جهال حسنوا النوايا ، لا يقدرون عواقب الأمور ، يمشون وراء كل ناعق بحجة الحضارة والمدنية – زعموا – والله الهادي .
شبهة والجواب عليها
يحتج بعضهم بالضرورة ، حيث أن هناك أسراً لا يوجد من يعولهم ، وأرامل لا ولي يقوم على شؤونهم ، والسماح لنساء هؤلاء بالقيادة فيه دفع لحاجتهم ، وتخفيف لضرورتهم !
قلت : وهذا القول باطل من أربعة وجوه :
1. أن أحكام الشرع مبنية على المصلحة الراجحة ، لا المغمورة ، ولا يشك عاقل في ترجح مفاسد قيادة المرأة للسيارة على مصالحها ، لكون المصلحة المذكورة تختص بفئة قليلة من المجتمع – لو سلمنا بذلك – ، بينما المفسدة عامة على المجتمع بأكمله ، فليس من العدل في شئ أن يُغض النظر عن المفاسد الكبيرة في سبيل تحقيق مصالح يسيرة .
2. أن غالب المطالبين والمطالبات بقيادة المرأة هم من الموسرين ، وليسوا من المعسرين ، بدليل أنك تجد عند الواحد منهم عدة سيارات ، بل لكل منهم في الغالب سائق أو عدة سائقين ، كما هو الحال في بعض الدول . فدل ذلك على أن هذه الحجة غير صحيحة ، وأن للمطالبين رغبات وأهدافاً أخرى ، وليس المقصود نصرة الأرامل فتلك شنشنة نعرفها من أخزم ، وإن وراء الأكمة ما وراءها !
3. أن الأرامل والمحتاجات في المجتمع لن يستفدن من السماح للمرأة بقيادة السيارة شيئا ، لأن غالبهن لا يستطيع شراء السيارة فضلاً عن تحمل تبعاتها لكونهن لا يستطعن تحمل تبعات بيوتهن أصلا !
4. أن أمهات الأسر الفقيرة إذا كن بحاجة إلى قيادة السيارة فليحضرن سائقاً يقضين به ضرورتهن – مع عدم الخلوة بهن بحال من الأحوال .
5. أن كثيرا من حاجات النقل الضرورية للأسرة قد وفرتها الدولة حفظها الله ، فالتعليم العام والجامعي يتوفر فيه حافلات نقل مجانية ، والمستشفيات قد وفرت لها الدولة سيارات الإسعاف لنقل المرضى من أي مكان في البلد إلى المستشفيات ، فضلا عن الجمعيات الخيرية التي تقوم على الأسر المحتاجة ، والترابط الاجتماعي المتميز في هذا البلد بين غالب الأقارب والجيران .
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
أخوكم ماجد سليمان
Mrassi11@yahoo.com
كتبها الشيخ احسان العتيبي في أنا المسلم
====
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم