حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا يَزِيدُ أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ لَمْ تَكَدْ رُؤْيَا الْمُسْلِمِ تَكْذِبُ وَأَصْدَقُهُمْ رُؤْيَا أَصْدَقُهُمْ حَدِيثاً وَرُؤْيَا الْمُسْلِمِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءاً مِنَ النُّبُوَّةِ ». قَالَ وَقَالَ « الرُّؤْيَا ثَلاَثَةٌ فَالرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ بُشْرَى مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالرُّؤْيَا تَحْزِيناً مِنَ الشَّيْطَانِ وَالرُّؤْيَا مِنَ الشَّىْءِ يُحَدِّثُ بِهِ الإِنْسَانُ نَفْسَهُ فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ فَلاَ يُحَدِّثْهُ أَحَداً وَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ – قَالَ – وَأُحِبُّ الْقَيْدَ فِى النَّوْمِ وَأَكْرَهُ الْغُلَّ الْقَيْدُ ثَبَاتٌ فِى الدِّينِ ».
عن ابن مسعود رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله علية وسلم قال: « إن للشيطان لمة([1]) بابن آدم, وللملك لمة, فـ أما لمة الشيطان, فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق, وأما لمة الملك, فإيعاد بالخير وتصـديق بالحق فمن وجـد من ذلك شيئًا, فليعلم أنه من الله, وليحمد الله, ومن وجـد الأخـرى فليتعوذ من الشيطان.. ثم قرأ: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ([2]) ».
إن الشيطان يمثل الشر فى الأرض، ويعمل دائبًا على تدمير حياة الإنسان بزحزحته عن هداية الله، وإبعاده عن منهج الحق والرشاد.
لهذا حذرنا الله من كيده، وأخبرنا بعداوته، ودعا إلى مقاومته بكل وسيلة حتى يضعف سلطانه، وتخف شروره وآثامه، فقال:
إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ([3]).
وقص علينا من عداوته لأبينا آدم عليه السلام ما فيه العظة البالغة، فقد استطاع أن يُغْريه بالأكل من الشجرة، وأن يخرجه من الجنة بكذبه وخداعه، وأن يوقعه فى مخالفة أمر الله وارتكاب نهيه، ثم قال عقب ذلك:
يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ ([4]).
وبيّن للإنسان ما أخذه الشيطان على نفسه منذ خصومته لآدم، أنه سيقعد على الصراط المستقيم يغوى الناس ويضلهم، قال:
أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ([5]) لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً * قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُوراً * وَاسْتَفْزِزْ([6]) مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ([7]) وَأَجْلِبْ([8]) عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً * إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ([9]).
وفى سورة الأعراف يقول الله تعالى:
قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ([10]) الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ([11]) وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ([12]).
وكان حكمه هذا ظنًا وقد تحقق:
وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ([13]).
وفى سورة النساء يقول الله سبحانه:
إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثاً([14]) وَإِنْ يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَاناً مَرِيداً([15])*لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً([16]) * وَلأُضِلَّنَّهُمْ([17]) وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ([18]) فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ([19]) وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُبِيناً * يَعِدُهُمْ([20]) وَيُمَنِّيهِمْ([21]) وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً ([22]).
ويعلمنا أن الشيطان جادّ فى إلقاء خواطر السوء، ومهتم بتقوية دواعى الشر والباطل فى النفس الإنسانية.
الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ ([23]).
أى أن الشيطان يوسوس للإنسان، ويلقى فى نفسه بأن الإنفاق يذهب بالمال، ويأمره بالإمساك والبخل والحرص على المال ومنع الزكاة؛ ومن ثم كان من الواجب الحذر منه، واتقاء شروره وآثامه.
وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ* إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ([24]).
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ([25]).
ومن أبلغ ما ذكره القرآن فى الترهيب من متابعة الشيطان، ما جاء فى سورة الأنعام:
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا ([26]).
أى أن الله يقول يوم الحشر للجن وقد استكثرتم من إغواء الإنس، وقال أتباعهم من الإنس: ربنا استمتع بعضنا ببعض، أى استمتع الجن بالإنس حيث قادوهم، وأخضعوهم لسلطانهم، فكانت لهم لذة السيطرة ومتعة الرياسة، واستمتع الإنس بالجن، حيث زينوا لهم الشهوات أو دلوهم عليها، واستمر هذا الاستمتاع حتى بلغو الأجل المقدّر لهم.
وفى مشهد من مشاهد القيامة يميز الله فيه المجرمين، ويوجه إليهم الخطاب ناعيًا عليهم طاعتهم للشيطان وعبادتهم له.
وَامْتَازُوا([27]) الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ * أَلَمْ([28]) أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا([29]) الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ * وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ([30]) كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ ([31]).
وفى مشهد آخر من مشاهد القيامة يخطب الشيطان فى أتباعه موقعًا اللوم عليهم فى ضلالهم ومتابعتهم له.
وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ([32]).
قال ابن كثير: يخبر الله تعالى عما خاطب به إبليس أتباعه بعد ما قضى الله بين عباده، فأدخل المؤمنين الجنات، وأسكن الكافرين الدركات، فقام فيهم إبليس لغنه الله يومئذ خطيبًا، ليزيدهم حزنًا إلى حزنهم، وغمًا إلى غمهم، وحسرة إلى حسرتهم، فقال: إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ على ألسنة رسله، ووعدكم فى اتباعهم النجاة والسلامة، وكان وعدًا حقًا وخبرًا صادقًا، وأما أنا وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ – كما قال الله تعالى: يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً ([33]) – ثم قال: وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ ؛ أى ما كان لى عليكم فيما دعوتكم إليه دليل، ولا حجة فيما وعدتكم به، إلا أن دعوتكم فاستجبتم لى بمجرد ذلك، هذا وقد أقامت عليكم الرسل الحجج والأدلة الصحيحة على صدق ما جاءوكم به، فخالفتموهم فصرتم إلى ما أنتم فيه فَلا تَلُومُونِي اليوم وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ فإن الذنب لكم لكونكم خالفتم الحجج، واتبعتمونى بمجرد ما دعوتكم إلى الباطل مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ أى بنافعكم ومنقذكم ومخلصكم مما أنتم فيه، وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ أى بنافعى بإنقاذى مما أنا فيه من العذاب والنكال إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ .. قال قتادة: أى بسبب ما أشركتمونى من قبل وقال ابن جرير: يقول أنى جحدت أن أكون شريكًا لله عز وجل.. وهذا الذى قاله هو الراجح.. وحين يقف الإنسان وقرينه أمام الله فى الآخرة يقـول الإنسان: يا رب لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي ([34])، فيقول شيطانه الذى وكل به: رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ ([35])، فيقول الله: لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ([36]) وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ * مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ ([37])
* لا سلطان للشيطان على المؤمن:
والإيمان يفيض على النفس إشراقًا، ويملأ القلوب نورًا، وإذا أشرقت النفس واستنار القلب، انمحى كل ما يوسوس به الشيطان.
فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ ([38]).
وإذا ألم بالقلب الموصول بالله من مس الشيطان شىء، فسرعان ما يستيقظ:
إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ([39]).
وقد استطاع الشيطان أن يغرى آدم بالأكل من الشجرة، وأن يوقعه فيما حظره الله عليه، وأن يحرك فى نفسه بواعث الهوى ودواعى الشر إغراء وخداعًا.
وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ * وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ * فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ ([40]).
إلا أن نوازع الخير ودواعيه تيقظت فى قلب آدم وحواء، وعلما أنه خدعهما بهما، فتغلبت هذه النوازع والدواعى على وسوسة الشيطان وحظه من النفس، فتابا إلى الله، وأنابا قائلين:
رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ([41]).
فقبل الله توبتهما واستجاب دعاءهما:
فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ([42]).
وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى ([43]).
وبالتوبة والإنابة إلى الله تغلب جانب الخير على جانب الشر، ومتى تغلب جانب الخير على جانب الشر فى نفس الإنسان، تعرض لهداية الله، وكان أهلاً للاجتباء والاصطفاء.
والله لم يذكر لنا هذه القصة إلا لتكون مثلاً حيًّا لما ينبغى أن يكون عليه الإنسان، فالإنسان لم يخلق ملكًا منزهًا عن النقائص، وإنما خلق وعنده استعداد للبر والإثم، والصواب والخطأ، والخير والشر، والطاعة والمعصية، والتقوى والفجور.
وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا *فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ([44]).
والإنسان بمقتضى خلافته عن الله فى الأرض مكلف بأن ينمى فى نفسه معانى البِرّ، والصواب، والخير، والطاعة، والتقوى؛ وأن يقاوم نوازع الإثم، والخطأ، والشر، والفجور، حتى يبلغ الكمال الروحى الذى أراده الله له.
وفى هذه المعركة يتدخل الشيطان، ليصرف الإنسان عن تنمية قواه العليا من جانب، وليضعف من روح المقاومة بطريق الخداع والإغراء والتزيين من جانب آخر.
ومن ثم كان واجبًا على الإنسان أن يحذر مكايد الشيطان، ويعرف أساليبه التى يتخذها، ليصرف الإنسان عن وظيفته الأولى فى هذه الحياة.
فإذا زلّت به قدم، أو تورط فى الإثم، أو جانبه صواب، أو مارس شرًّا، أو اقترف معصية، أو ارتكب فجورًا.. فأمامه السبيل الذى رسمه له أبوه آدم من التوبة، واستئناف حياة أزكى وأطهر.. وبهذا يخلص الإنسان من سلطان الشيطان وسيطرته عليه.
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِى سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الْمَدَنِىِّ عَنْ أَبِى الْغَيْثِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – عَنِ النَّبِىِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ » . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَا هُنَّ قَالَ « الشِّرْكُ بِاللَّهِ ، وَالسِّحْرُ ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ، وَأَكْلُ الرِّبَا ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ ، وَالتَّوَلِّى يَوْمَ الزَّحْفِ ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلاَتِ » .
([1]) اللمة كهمة : الخطرة بالقلب ، لمة الشيطان : وسوسته بالسوء ؛ ولمة الملك وحيه بالخير .
([2]) سورة البقرة – الآية 268 .
([3]) سورة فاطر – الآية 6 .
([4]) سورة الأعراف – الآية 27 .
([5]) أتصرفن فيهم بالوسوسة .
([6]) الاستفزاز : الحث بشدة .
([7]) وسوستك .
([8]) أى صح عليهم بجندك مشاة وراكبين .
([9]) سورة الإسراء – الآية 62 – 65 .
([10]) أى على الصراط ، وهو طريق الله .
([11]) أى لا يترك جهة إلا هجم عليهم منها .
([12]) سورة الأعراف – الآية 16 ، 17 .
([13]) سورة سبأ – الآية 20 .
([14]) أصنام ذات أسماء مؤنثة : اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى .
([15]) شديد التمرد والخروج على الطاعة .
([16]) معينًا ومحتمًا استيلاؤه عليه .
([17]) أضلنهم عن الحق بالوسوسة .
([18]) أى أن الشيطان حلف أن يأمر أتباعه بقطع آذان الأنعام تعظيمًا للأصنام ، وكان الوثنيون يقطعون أذن الناقة ويشقونها إذا ولدت خمس بطون وجاءت فى المرة الخامسة بذكر ، وكان ذلك علامة على أنه ملك للأصنام لا تركب ولا ينتفع بها أحد .
([19]) أى يأمرهم بسوء التصرف ، فيتغير خلق الله ، ولاسيما الدين الذى هو فطرة .
([20]) يعدهم بالفقر إذا أنفقوا فى سبيل الله ، وبالغنى إذا غشوا ولعبوا القمار مثلاً ، ونحو ذلك .. ويمنيهم الباطل الذى لا حقيقة له ، وما يعدهم فى الحقيقة إلا بما يغر ويضر ، وليس له أصل ولا نفع .
([21]) يشغلهم بالأمانى الباطلة : كطول العمر ، وعدم البعث ، والجزاء على العمل ، حتى يغفلوا عن الاستعداد للقاء الله .
([22]) سورة النساء – الآية 117 – 120 .
([23]) سورة البقرة – الآية 268 .
([24]) سورة البقرة – الآية 168 ، 169 .
([25]) سورة النور – الآية 21 .
([26]) سورة الأنعام – الآية 128 .
([27]) انفردوا .
([28]) العهد : الوصية .
([29]) عبادة الشيطان : طاعته والاستجابة له .
([30]) جبلاً : أقوامًا .
([31]) سورة يس – الآية 59 – 62 .
([32]) سورة إبراهيم – الآية 22 .
([33]) سورة النساء – الآية 120 .
([34]) سورة الفرقان – الآية 29 .
([35]) سورة ق – الآية 27 .
([36]) أى لا تختصموا عندى ، فقد أعذرت إليكم على ألسنة الرسل ، وأنزلت إليكم الكتاب ، وقامت عليكم =
= الحجج والبراهين .
([37]) سورة ق – الآية 28 ، 29 .
([38]) سورة النحل – الآية 98 – 100 .
([39]) سورة الأعراف – الآية 201 .
([40]) سورة الأعراف – الآية 20 – 22 .
([41]) سورة الأعراف – الآية 23 .
([42]) سورة البقرة – الآية 37 .
([43]) سورة طه – الآية 121 ، 122 .
([44]) سورة الشمس – الآية 7 ، 8 .