تخطى إلى المحتوى

يا أجمل حلمٌ أنتِ (قصّة) 2024.

يا أجملَ حلمٌ أنـتِ

كان ذلك عام 1453 في أعالي التلال، حينما يخيل للرائي أن هذه الأسوار عالية تكاد تلقي السلام على السحاب، ويرى من قوة أحجارها وبأسها بأن أي قوة ستتحطم أمامها؛ ولكن منذا الذي يحطم قوة الإيمان؟ أعظم قوة عرفها الكون، قوّة وحي السماء الذي أوحى به الله، خالق قوى الكون هذا؛ فإذا كان الله من خلق هذه القوى، فإنه لقادر على أن يخلق من هو أقوى من ذلك وأشدّ بأساً، فكانت هذه قوة الإيمان، والنصر من الله..
وقد كانت السماء تميل للظلمة أكثر منها إلى النور، وخفّ وهج شمسها، فأصبحَ نورها باهتاً يشعّ بضعف، فهي تميل للغرب، تتهيأ للغروب.
وهناك وقف حصان أبيض ترجّل منه رجلُ التاريخ الفاتح، وحينما كانت السماء لا تشّع نوراً قوياً كما كانت، كان هناك نور الأرض يسطعُ بوضوح ويشتعل؛ نار الحقّ ودخانها، فالحربُ على أوجها، والحصار اشتدّ وكذا ضربُ المدافع.
وقف السلطان بقامته الطويلة يرقب تلك الأسوار العتيدة، تلمح في ناظريه الحسرة، ويبعثُ من قلبه رسال الألم وشكوى؛ يرقبها طويلاً، يتأملها، يرى في أحجارها تحدياً، كأنها تخبره عمّا حصل لمن تحداها من قبل؛ كانت نتيجة ذلك خسران وضعف وتساقط أجسادٍ طاهرة أمام قوتها؛ ينفضُ ذلك مرآه، ثم يذكر حديث الرسول عليه السلام، فيعيدُ الطموح لنفسه، ويعود الإصرار ونظرة التحدي في عينيه، ويذكر طموحه وأمله، فيراها أجمل حلم حلمه، وحبّ سكنَ في قلبه، فلا يرضى لها الظلم والبهتان الذي يدور في أرجائها، وتشتعل نفسه رغبة في حكمها بالعدل، وإعلاء كلمة الله فيها.. وهل يرضى المحبّ لحبيبته الانحطاط والظلم؟ ويرضى أن يُحجب عنها نور الحقّ بعد أن أبصره؟ إن الحبيبة تشارك قلبّ المحب، فيتمنى لها ما يتمنى لنفسه.. وأكثر، ويفديها بروحه وماله ما استطاع الفداء؛ ولكن أنّى له أن يفعل ذلك، والسلطان الظالم يحاول منعها عنه؟ وسماء الظلم تحجب عنها أشعة الشمس؟ فأمِل في نفسه أن يصلح من حالها ما استطاع الإصلاح، وأن يفرج عنها من سجن الظلمة والطغيان لكي تبصر نور السماء، وتبتهج بالحق.. وشغلَ ذلك الأمل نفسه، واشتعل طموحه، حتى كانت القسطنطنية أكبر همّه؛ ومن كان طموحه الثريا، لم يرضَ إلا الوصول إليها، أو أن يدفن حلمه معه تحت الثرى؛ فعمل لأجل طموحه، ورجي أن يكون من أثنى عليه أفضل الخلق، وأخبر به..
ثم نشأ يخاطب تلك الأسوار:
– يا أيها المجد القائم على الباطل، صخوركِ واهنة كما أصحابك؛ فانتظري الحقّ إنه الأقوى وسيأتي ويصبح الباطل زهوقا..
وكان السلطان محمد يتأملها ويتفكر في خطط يتفتق عنها ذهنه، ويستفيد من خبرته ودرايته بعلم الحرب، حتى مالت الشمس للغروب، وكفكفت من أشعتها، وحبست ضياؤها، ثم غابت عن السماء، فتمتم السلطان: ستشرق عليك – أيتها العتيقة – شمس الحقّ، ويحييك نور الهدى والإيمان..
وركب حصانه الأبيض، وانطلق لمعسكره، فأقام الصلاة، ورفعَ يديه بالدعاء وألحّ به، ودعا الله بأسمائه وصفاته، بأن يمده بالنصر وينزل عليه الطمأنينة والسكينة، حتى نزلت على خدّيه دموع الخشية والرجاء.. ولمّا انتهى دلفَ إلى خيمته، وعقد اجتماعاً حضره مستشاريه وكبار قواده، وكذا الشيوخ والعلماء، وطلبَ منهم إبداء آرائهم بكلّ صراحة فيما هو مقدم وعازم عليه، فمنهم من أشار عليه بالانسحاب وكان منهم وزيراً حذره من غضب أوربا، وسرد عليه أسباباً وهمية كي يدفعه عن الجهاد؛ ومنهم أشار بحماس إلى المواصلة، فقال قائل منهم:
ما أتينا هنا لكي نرجع في آخر المطاف، إنما أتينا لأجل أن نحقق النصر، أو نموت دون ذلك ميتة البطل الشهيد؛ إننا أيها السلطان لنطمح إلى الفتح، ونشر العدل، وإعلاء كلمة الله، وكفى بحديث رسول الله لنا دافعاً..
ثم من أوربا هذه؟ تلكَ الضعيفة التي تتنافس على الدنيا، وتهاب الموت؟ أم تلك التي ينتشر فيها الظلم والطغيان والفساد؟ أهيَ التي تأخذ حقّ الفقير لتعطيه الغني؟ أهيَ الضعيفة التي ظنت بأن أسلحتها الباطلة قوّة في وجه أعدائها؟!
إن قوتنا أيها السلطان، لأعظم قوة.. لأنها قوة الإيمان في قلوبنا، حبّ الجهاد والاستشهاد، وإن حوربنا من قِبلهم، فسندافع عن ديننا، وسنكون – بإذن الله – الأقوى، لأننا نحب الله بينما هم يخشون الموت؛ لأننا تجمعنا كلمة واحدة، ولأننا تحت راية واحدة، بينما هم قلوبهم شتّى، راياتهم وديانتهم مختلفة.. ويلتقون في حبّ الدنيا..
فيا صاحب السلطة، أبعدَ هذه القوة نضعف ونتراجع؟! حاشا وكلا أيها السلطان! من تكلم عن قوّة أوربا يريد منّا أن تخمد قوتنا، أن يُطفئ هذه النار في قلوبنا، لكن كلا – والله – لن يبلغ ذلك أبداً، إن النور في قلوبنا يرينا الحقّ، ويبين لنا الباطل لنجتنبه.. فلا حول ولا قوة إلا بالله..
(( يا صاحب السلطنة ، أما وقد سألتني رأيي فلأعلنها كلمة صريحة، يجب أن تكون قلوبنا كالصخر ، ويجب أن نواصل الحرب دون أن يظهر علينا أقل ضعف أو خور، لقد بدأنا أمراً فواجب علينا أن نتمه، ويجب أن نزيد هجماتنا قوة وشدة ونفتح ثغرات جديدة وننقض على العدو بشجاعة. لا أعرف شيئاً غير هذا، ولا أستطيع أن أقول شيئاً غير هذا ….)) *
فاستبشر السلطان بقوله، وبانت على ملامح وجهه الانشراح لما سمعه، وشعّ من عينيه بريقاً، إذ كانت كلماته كافية لأن تعيد الحماسَ في نفسه، ويرى في مخيلته حطام الأسوار وتحقيق حلمه؛ ولمّا كان السلطان محمد يثق في شيخيه كلّ الثقة ويأخذ برأيهما، فقد سألهما عنه، فوافقاه على رأي الاستمرار في هذه الحرب، ودعيا له بالنصر والظفر.
فلمّا سمعَ ذلك الحاضرون اشتعلت أنفسهم حماساً، وابتهج محمد الفاتح أيما ابتهاج، ورجيَ خيراً، وآمل، وانتشى سعداً حتى أخذه الزهو "ولم يملك نفسه من القول : من كان من أجدادي في مثل قوتي؟ .."**.
وكان السلطان يبذل جهده لتحقيق حلمه وفتح القسطنطينية، حتى إنه ليسهر الليل، باسطاً خريطة القسطنطينية أمامه، مفكراً فيها، يرسمُ الخطط، ويضعَ الحيل، ويستعمل عبقريته وعلمه في أساليب الحرب، حتى إذا أخذه الإرهاق غفى على الخريطة!
فالقسطنطينية حلم السلطان محمد الفاتح الكبير الذي ما فتر في ذهنه يخطط لها، ولم يجعل من فشل المحاولات التي سبقته لفتحها عائقاً له؛ كان له هدف فسعى إليه دون الالتفات للعوائق، وذلل الصعوبات، وكان معلمه الشيخ آق شمس الدين يوحي له دوماً منذ صغره بأنه الأمير المقصود في حديث الرسول، فسعى لأن يكون كذلك.
.. ومرتِ الشهور وهو على عزمه لا يتراجع، ويستخدم خططه الذكيّة حتى نجحت – بفضل الله -، وبرعَ واجتهد، حتى إذا قارب على الإنهاك، رأى في مخيلته القسطنطينية خاضعة له، مسلمة؛ فتزداد قوّة الإيمان في قلبه، حتى تحيا كلّ الجوارح بهذه القوّة وتزداد عزيمته؛ ويلقي بكلماته الحماسية، حتى ينسى الجنود تعبهم وإنهاكهم وتلتهب الكلمات في أنفسهم حتى كانت مصدر طاقتهم ومن أسباب قوتهم؛ وكيفَ لا تكون كذلك، و(نِعْمَ الجَيش) تتردد على أسماعهم، ولسان أفضل الخلق قد أثنى عليهم؟! وازداد القتال حتى وصل لمرحلة لا يتأخر بعدها، ومرّت الأيام ناراً وهلاكاً واستشهاد.. حتى طغت قوّة الحق وطغى نور الإيمان على الباطل؛ وفتحت القسطنطينية.
… { وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا }.

(*) نصّ من التاريخ
(**) نص من التاريخ

أغلبنا يعرف حكاية الفتح الكبير لـ القسطنطنية، هُنا صغتها بقلمي وأضفتَ عليها شيئاً من خيالي، وأمانيّ أن تحوز على إعجابكم
ومن رأى مني خطأً أو تجاوزاً، فليخبرني؛ فالإنسان مهما تجنب الخطأ فلا بد واقعٌ فيه..
لاكي

محجوووووووووووووووز..المكااااااااان الاول….
لو سمحتوا….
السلاااام عليكم…
الايماان…بتلك الكلمه…نحقق…النصر..وتزدااد القوه..
بالايماان تتجدد الطاقات..وتقوى العزائم…
ولابد للنور ان يسطع…ويمحى معه كل الظلااام…
باارك الله فييكى…ولايحرمناااا المولى من نورك…
مشتااقه….
النائيه ..
شكراً لمروركِ وتعليقكِ، أسعدني لاكي
وأنا كذلك، شاكرة لكِ تواجدكِ الطيّب، وكلماتكِ الرائعة..

مآشآء الله
منبع الإبدآع أنتِ
سطورك رآئعة جداً جداً
لله درك
مآكتبتِ شيء مذهل بالفعل
لاأملك إلا أن أقول
أبدعتِ أبدعتِ وأظنها بل أجزم بأنها لاتكفي.
وفقتِ ياغآلية
ودمتِ بسعآدة..
ولاتحرميننا من جديك المميز.
لاكي

الوسوم:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.