الغيبة وما ادراك ما الغيبة!!! 2024.

إن شأن الغيبة يحتاج إلى التأمّل الدائم، فهي شهوة لا أحد يستطيع الفكاك أو التخلص التام منها إلاّ فيما قل وندر، وهي لذلك تستوجب التحليل والتدقيق في اللفتات التالية:

اللفتة الأولى: لِمَ لا تجوز الغيبة؟
فهي نوع من تفريج الكربة؛ إذ بقاء القهر في صدر المغتاب يُحدث آلاماً نفسية، فتتحول تلك الآلام بطول الكبت إلى مرض عضوي.. وهي كذلك تنبّه بعض الغافلين السادرين ممن يحسبون كل بيضاء شحمة وكل سوداء فحمة..!!
ومهما يكن من مسوّغات لذكرك أخاك بما يَكره، فقد جاء الذم مطلقاً دون تقييد، فصحّ عنه عليه الصلاة والسلام حين سُئل عن الغيبة أنه قال: "ذِكْرك أخاك بما يَكره".
وهذا النص النبوي نص مطلق شديد الإطلاق؛ فالغيبة تحصل بأدنى ما يَكره الغائب.
إن دواعي التحريم ليست تُحصى في عدد محدود، فهي وما تحدثه من مصلحة للمغتاب وبعض المنصتين له تُعدّ أسوأ نقد؛ لأنها نقد جبان.
وإساءة بالغة تعبر عن إساءة.
وكلمة تُقال خارج إطار المروءة.
وهي شتم الآخرين بدافع انتقامي.
وهي تشارك وتفاعل عملي على التحفيز للمنكر؛ إذ يستمع الناس للمغتاب فلا ينكرون عليه، ومع توالي الأيام تتحول الغيبة إلى وجبة من اللحم الميت! فهي من أكثر المنكرات التي تمر بهدوء دون اعتراض إلاّ على استحياء.
أما أنها نقد جبان؛ فلأن النقد الشجاع يتطلب المواجهة، وبعض المسؤولية عن آثارها، وهذا ثمن باهظ، لا يستطيع تحمّله معظم الناس، فيلجؤون لشتم الخصوم داخل الزوايا وبين التكايا.
وأما أنها إساءة بالغة تعبر عن إساءة ، فهي ترسم انطباعاً مسيئاً عمن أساء وأخطأ، فهي ليست تقتصر على محل الإساءة في الغالب بل تتجاوز إلى بالغ الإساءة ورفض الآخر بصورة مطلقة، وإشاعة خطئه أمام آخرين لتحثهم على بغضه، وقد كانوا من قبل ليسوا معك وليسوا ضدك؛ فانحازوا بذكرك أخاك بما يَكره إلى الاصطفاف معك ومالؤوك على لؤمك.
فهي في الحقيقة تكثير لسواد الكارهين بدافع المجاملة أو خوفاً من الاعتراض ورهبة التصنيف.
إن شدة كرهك للمخالفين لطبعك أو منهجك أو فهمك أو سياستك يجب ألاّ يأتي في سبّ نرجسي، يدفعك للازدراء والتحقير وعدم التقدير؛ فهو إداري لا يفهم، يمكن التعويض عنه بإداري يحاول، ويجتهد، ولعله يُوفّق.
أما كونها خارج إطار المروءة، فلأنها خارج كمال الرجولة، وكمال الإنسانية؛ فليس من الرجولة أو كمال الإنسانية أن نجابه الآخرين خلف الجدران، وأن نصنع البطولة على أطباق تذروها الرياح.

اللفتة الثانية: إن الغيبة في حقيقتها غياب وتخفٍّ، والاختفاء والغياب سلوك استثنائي، لا يصح أن يكون سلوكاً أصيلاً في حياة الناس؛ إذ يقضي على مكونات فطرية استودعها الله تعالى في نفس كل إنسان، وبالغيبة تتناقص تلك المكونات الطبيعية، وتتآكل ثقة الإنسان بنفسه، ويصبح غير قادر على محادثة الآخرين والتجاوب الطبيعي معهم، وباستدامة تلك المواجهات الورقية تتأصل في الإنسان عادات رديئة؛ فمعظمنا اليوم عاجز عن مواجهة واقعه الحالي، فقد خمدت قواه ورجولته، وأسرف في تبذير طاقته بذكر معائب الآخرين، فصنع لنفسه حاجزاً معنوياً منعه من المصارحة والمشافهة، فبقي يندب حظه العاثر ومصيره المجهول، ينتظر أن يأتي الله له بالمخلص، وتلك لعمر الله فتنة لا تدع الحليم حيران ولكن تدع المغتاب بلا رجولة.

اللفتة الثالثة: يجب ألاّ تتداخل الغيبة مع استنكار أعمال الظلمة ومصاصي الثروات، ممن يجهرون بفسقهم وظلمهم وتعدّيهم، الذين يسرقون لقمة الضعيف ثم يمنّون بها عليه، فإن موقع الصمت هنا يصنع في الأمة مزيداً من الدراويش الذين يدعون الله تعالى ليلاً ونهاراً، سراً وجهاراً بأن يطيل أعمار اللصوص؛ ليزيدوا في قهرنا وليسلبوا منا ما تبقى من فتاتنا!

بقلم الدكتور محمد العبد الكريم

جزاك الله خير
الحمدلله الذي لم يشرع شيئا إلا و فيه الخير لبني البشر ..
بارك الله فيك ..
جزاك الله كل خير
جزاك الله كل خير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.