بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكن ورحمة الله وبركاته
السؤال ::
إنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ( 10 ) .
اذكري سبب ضم كلمة عليهُ في هذا الموقع من سورة الفتح
في رواية حفص عن عاصم علماً إنها من إنفرادات حفص
الهاء في عليه من قول الله تعالى: [ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً](الفتح: 10)
تقرأ مكسورة عند جمهور القراء ، ويضمها حفص في روليته عن عاصم.
والسبب في هذا الاختلاف هو أن أصل هذه الهاء هو الضمير المنفصل (هو)، فهى في الأصل مضمومة نحو فوكزه وله … ولكنها إذا جاورت الكسرة أو الياء الساكنة فإنها تكسر مجانسة لهما ، فكسرها جمهور القراء مراعاة لذلك، وضمها حفص مراعاة لأصلها، ومثلها في هذا مثل الهاء في قوله تعالى: [وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ ](الكهف: 63)
فهى مضمومة عند حفص خلافاً لما قرأبه الجمهور. وراجع الفتوى رقم:22421 .
وعليك أن تعلم أن الضمير المجرور بـ(على) مبني أياكان حال النطق به فالحركة عليه حركة بناء دائما ضمة كانت أو كسرة فتنبه .
قال ابن مالك :
وكل مضمر له البنا يجب ولفظ ماجر كلفظ مانصب
والله أعلم.
وفى رأى آخر:
يقول تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً}.
عندما خرج المسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة قاصدين البيت الحرام معتمرين رفض أهل مكة دخول المسلمين وكان صلح الحديبية بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان رضي الله عنه للمفاوضة مع قريش ولما تأخر سيدنا عثمان ظن المسلمون أن المشركين غدروا به وقتلوه.
فكانت بيعة الرضوان. بايع المسلمون رسولَ الله على الشهادة في سبيل الله، إذ أنهم لم يخرجوا للقتال ولم يعدوا له العدة إنما كان خروجهم للعمرة فقط، وفوجئوا بهذه الحادثة. فبايعوا الرسول على القتال في سبيل الله حتى الشهادة ومعنى المبايعة هنا هي أخذ العهد والمواثيق وهي المشاركة فقد باعوا نفوسهم لله وللرسول. وشاركوا رسول الله بأن لهم الجنة فضحوا بالغالي وبأعز ما يملكون والجود بالنفس أسمى غاية الجود.
لذا ضمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعهدهم وغمرهم بحاله الشريف القدسي فارتفعوا إلى مراتب ومنازل ما كانوا ليبلغوها لولا مشاركتهم ومبايعتهم لرسول الله. بايعوا الرسول يعني بايعوا الله: هو صلى الله عليه وسلم خليفة الله في أرضه وسفيره .
قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ..}: لأنّ الله تعالى بتلك اللحظة بايعهم بذاته في علياه فعلوا علوّاً بمناصرتهم لرسوله وغدوا في عليّين فلا خفض عليهم بعدها ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون، بلغوا في هذه البيعة التقوى، قال تعالى: {..وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا..} سورة الفتح (26).
والتقوى هي الاستنارة بنور الله فقد شاهدوا أسماء الله الحسنى عن طريق رسول الله ورفعهم رسول الله ونهض بهم وبضمه لهم وانضمامهم له ورسول الله دوماً مع الله لذا صار لهم الدخول على الله وبلغوا مرتبة التقوى واسم الله هو لفظ الجلالة باللفظ المفخم الجامع لأسماء الله الحسنى كلها.
فاللغة العربية تخضع للمعاني القرآنية السامية العلية وإذا تضارب المبنى مع المعنى نأخذ المعنى ونترك المبنى، والمبنى يتبع المعنى وليس العكس فالمعنى هنا يتضمّن الرفعة والعلو والسمو، ولا يأتي بالخفض والكسر أي {عليهِ} إنما هو بالرفع والضم {عليهُ}: فهم بهذا العهد بايعوا الذات الإلۤهية وباعوا أنفسهم لله .
ونوجز القول فنقول :
{إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّه..}: إنما، هنا أداة تفيد الحصر فالذين كانوا يبايعون الرسول صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة وهي بيعة الرضوان هم بالحقيقة إنما يبايعون الله فجاءت: {عليهُ} حتماً مرفوعة لأنّه لا تنطبق على الحضرة الإلۤهية أن تأتي بالجر والخفض، بالحقيقة والمعنى.
والصحابة الكرام رضوان الله عليهم بهذه البيعة ارتفعوا ونالوا مراتب ومنازل عالية ما كانوا ليبلغوها لولا هذه البيعة فارتفعوا نقلة واحدة إلى السموات العلى بتقواهم هذه.