الإيجاز الإيجاز في الخطبة مع الإعداد والتركيز
وطالما سألت نفسي حين أصلي الجمعة ماذا قال الخطيب ؟!.
وبكل أمانة لا أعرف ماذا قال: واتهمت نفسي كثيراً، فقلت ربما يكون مستوى الخطيب أرفع من مستواي الثقافي، ربما أكون شارد الذهن، ولكنني سألت من أثق به هذا السؤال ماذا قال الخطيب؟! فكان الجواب دائماً (والله لا أدري)!.
الإيجاز الإيجاز على أن يكون الكلام معداً ومركزاً. وقد كان النبي e من أقل الناس كلاما، وخطبه المسجلة التي وصلت إلينا قصيرة، ولكن فيها أعظم الفائدة.
وهكذا فإن الكلام لا يقاس بطوله، بل يقاس بمقدار فائدته. ومن الضروري أن يكون المتكلم بالدين دارساً بعمق أي أنه لا يكتفي بمصدر واحد، ولا يقتصر على المصادر القديمة بل يبحث في المراجع الحديثة. والأفضل أن يكتب ما سيقوله ويقرأه على مكث، ولو أن أكثر المتكلمين يفضلون الارتجال؛ لأن الكلمة المكتوبة تكون مختصرة وشاملة غالباً، ويكون المتكلم مقيداً بها، أما الكلام المرتجل فيشرق ويغرّب ويغزوه الاستطراد، فيطول الكلام وغالباً ما يدب إلى السامعين الملل والكلل والتذمر من المتكلم سرّا وعلانية.
كما أن الكلام المكتوب يجبر صاحبه على الدراسة والتمحيص بعكس الكلام المرتجل الذي قد يخطر على بال صاحبه في اللحظة والتوّ دون سابق تحضير. وكل دراسة وتمحيص تأتي بخير وتؤدي إلى بركة، وكل كلام مرتجل أو عمل مرتجل غالباً لا يؤدي إلى خير. وسيقول قائل إن الكلمة المرتجلة تؤثر في السامع أكثر من الكلمة المقرؤة، والواقع أن الكلمة المقروءة المعدة فائدتها أكبر من فائدة الكلمة المرتجلة، والمسألة مسألة فائدة السامع، وقد مضى الزمان الذي كان يعجب الناس فيه بالخطيب المرتجل مهما يِقُلْ من الكلام، فقد أصبح الناس يزنون كلام القائل فيعجبون بما يستحق الإعجاب، ويرفضون ما يستحق الرفض.
وهناك جامعات محترمة لا ترضى من الأستاذ أن يرتجل درسه، بل لابد من أن يقدم ذلك الدرس مكتوباً، فيعرض على لجنة خاصة فتقره أو تعدله أو ترفضه، ذلك لأن تلك الجامعات تحرص على عقول طلابها ووقتهم.
وقد تعلمت بالتجربة أن الأستاذ المرتجل كثيراً ما ينسى شيئاً أو يسهو عن شيء أو يقرر خطأ بعض الحقائق العلمية، فيضر سامعيه ويفضح نفسه. والإسلام والحمد لله واسع جداً، فيه مجال للقول كثير، وه و دين يصلح لكل زمان ومكان ويرفع من مستوى كل مجتمع.
بارك الله فيكم
وجزاكم الله خير