الدين النصيحة 2024.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بـســم الله الـــرحـمــن الرحيـــــم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ثبـت في الصحيح عن النبي صـلى الله عليــه

وسلم أنه قال ( إن الدين النصيحة ، إن الدين

النصيحة ، إن الدين النصيحة ) قــالوا : لمن

يـارســول الله ؟ قــال ( لله وكتابه ورسـولــه

وأئمـة المؤمنين وعامتهم أو أئمة المسلمين

وعامتهم)أخرجه مسلم وأبو داود واللفظ له.

أخبــر صـلى الله عليـه وسلــم خبرا متضمنا

للحـث عـلى النصيحة والترغيب فيهــا : أن

الدين كله منحصر في النصيحة .

يعنـي : ومن قام بالنصيحة فــقـد قـام بالدين

وفسّــره تفسيرا يــزيـل الإشكال ويعـم جميع

الأحــوال وأن مــوضوع النصيحة خمــســة

أمور باستكمالها يكمل العبد .

أما النصيحة لله فهـــي القيام بحقه وعبوديته

التامة .

وعبوديته تـعـم ما يجب اعتقاده مــن أصول

الإيـمـان كـلـهــا وأعمــال القلوب والجوارح

وأقـوال اللسان من الفروض والنوافل وفعـل

المقـدور منها ، ونية القيام بما يعجز عنه .

قـال تعالى في حق المعذورين ( لَيْــسَ عَــلَى

الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى

الْمَرِيضِ حَرَجٌ ) النور 61 .

وذلك ( إِذَا نَصَحُواْ لِلّهِ وَرَسُولِهِ ) التوبة91.

فاشترك في نفي الحرج عن هؤلاء أن يكونوا

ناصحين لله ورسوله ،وذلك بالنيات الصادقة

والقيام بالمقدور لهم .

ومن أعظم النصيحة لله : الذب عــن الديـن ،

وتفنيد شبه المبطلين ، وشرح محاسن الدين

الظاهرة والباطنة ؛ فإن شرح محاسن الديـن

وخصوصـا في هذه الأوقات التي طغت فيهـا

الماديات وجرفت بزخارفها وبهرجتها أكثــر

البشــر وظنــوا بعقولهم الفاسدة أنـهـا هــي

الغاية ومنتـهــى الحسن والكمال واستكبروا

عن آيات الله وبيناته ودينه .

ولــم يخطــر بقلوب أكثرهم أن محاسن الدين

الإسلامي فاقت بكمالها وجمالها وجلالهـا كل

شـئ ، وأن محاسن غيرها – إن فــرض فيــه

محـاسن – فإنه يتلاشى ويضمحل ، إذا قيـس

بنور الدين وعظمته وبهائه ، وأنــه الطريق

الوحيد إلى صلاح البشر وسعادتهم ومحـال

أن تحصل السعادة بدونه .

أما سعادة الدين فواضحة لكـل أحد منصف ،

وأمــا سعـادة الدنـيـا فــإن الأمــور المـاديــة

المحضة إذا خلت مـن روح الدين ، فــإنـهــا

شقاء على أهلها ودمار .

والمشاهدة أكبر شاهد عـلى هــذا فـإن أمــور

المادة قد ارتقت في هذه الأوقات ارتقاء هائلا

يعجز الفصيح عن التعبير عنــه ، ومــع ذلك

فهـل عاش هؤلاء مــع أنفسهم ومــع غيرهم

ومــع بقية الأمم عيشة سعيدة هنيئة طيبة ،

أم الأمر بالعكس ؟

ومــا يخـرجون مــن طامّة ، إلا تلقتهم طامّة

أكبر منها ! ولا خلصوا من كوارث وعذاب ،

إلا دخلوا في عذاب أفظع منه !

ولا والله ينجيهم من هذا غير الدين الصحيح

وسيعلمون ويعلم غيرهم عواقبهم الوخيمة .

وأما النصيحة لكتاب الله فهي الإقبال بالكلـية

على تلاوته وتدبره وتعلم معانيه وتعليمهـا ،

والتخـلـق بأخلاقه وآدابــه والعمـل بأحكامـه

واجتناب نواهيه والدعوة إلى ذلك .

وأما النصيحة للرسول محمد صلى الله عليه

وسـلـم فـهــي الإيمان الكامل بــه وتعظيمــه

وتوقيره وتقديم محبته واتباعه عـلى الخلق

كلهم .

وتحقيق ذلك وتصديقه : باتبـاعــه ظـــاهــرا

وباطنا في العقائد والأخلاق والأعمال ، قــال

تـعـالى ( قُــلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي

يُحْبِبْكُمُ اللّهُ ) آل عمران31 .

والحــرص عـلى تعلــم سنـتــه وتعليـمـهــا ،

واستخراج معانيها وفوائدها الجليلة ، وهــي

شقيقة الكتاب ، قال تعالى ( وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ

الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ) النساء113 .

وجملة ما تقدم أن النصيحة لله ورسوله هي

الإيمان بالله ورسوله ، وطاعة الله ورسوله

وهذا يعم كل ما تقدم .

وأما النصيحة لأئمة المسلمين وهـــم ولاتهم

من السلطان الأعظم إلى الأمير إلــى القاضي

إلى جميع من لهم ولاية صغيرة أو كبيرة .

فهؤلاء لمـا كانــت مهمتهم وواجباتهم أعظم

مــن غيرهم وجب لهــم من النصيحة بحسب

مراتبهم ومقاماتهم ، وذلك باعتـقـاد إمامتهم

والاعتراف بولايتهم ، و وجــوب طاعـتـهــم

بالمعروف ، وعدم الخروج عليهـم ، وحــث

الرعية عــلى طاعتهم ولزوم أمرهم ، الــذي

لايخالف أمـر الله ورسوله وبذل ما يستطيعه

الإنسـان مــن نصيحتهم ، وتوضيح ما خفي

عليهم مما يحتاجون إليه في رعايتهم ، كـل

أحد بحسب حاله ، والدعــاء لهــم بالصلاح

والتوفيق ، فإن صلاحهم صـلاح لرعيتهم ،

واجتـــنــاب سبهــم والقدح فيهــم وإشاعة

مثالبهم ، فإن في ذلك شرا وضررا وفسادا

كبيرا .

فمن نصيحتهم الحذر والتحذير من ذلك وعلى

مــن رأى منهــم مــالا يحــل أن ينبههم ســرا

لا علنا بلطف وعبارة تليق بالمقام ، ويحصل

بهـا المقـصـــود فــإن هــذا مــطــلــوب فــي

حــق كــل أحد وبالأخص ولاة الأمور ، فــإن

تنبيههم على هذا الوجه فيه خير كثير ،وذلك

علامة الصدق والإخلاص .

واحذر – أيهـا الناصح لهــم عـلى هــذا الوجه

المحمود – أن تفـســد نصيحتك بالتمدح عنــد

الناس فتقول لهم : إني نصحتهم وقلت وقلت

فــإن هــذا عنــوان الرياء وعــلامة ضعـــف

الإخلاص وفيه أضرار أُخر معروفة .

وأما النصيحة لعامة المسلمين : فقد وضحها

النبي صلى الله عليه وسلم بقوله ( لا يؤمــن

أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحــب لنـفـســه )

أخرجه البخاري ومسلم .

وذلك بمحبة الخير لهـم والسعي فــي إيصاله

إليهم بحسب الإمكان وكراهة الشر والمكروه

لهـــم ، والسعي فـي دفع ذلك ودفع أسبابه ،

وتعليــم جاهلهم ووعــظ غافلهم ، ونصحهم

فـي أمور دينهم ودنياهم ، وكــل ما تحب أن

يفعلـوه معك من الإحسان فافعلــه مـعـهــم ،

ومعاونتهم عـلى البر والتقوى ،ومساعدتهم

على كل ما يحتاجونه ، فمن كان في حاجة

أخيه كان الله في حاجته .

والله في عون العبد ما كان العبد فــي عــون

أخيه المسلم .

وهذه الأمور كلها بحسب القدرة قـال تعــالى

( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) التغابن16 .

فعلمت مما تقدم أن الأمر كما ذكره صـلى الله

عليه وسلم أن النصيحة تشمل الديــن كــلـه

أصوله وفروعه ، حقوق الله وحقوق رسوله

صلى الله عليه وسلم ، وحقوق الخلق كلهـم

أهل الحقوق العامة والخاصة .

فمن قام بالنصيحة على هــذا الوجه فقــد قام

بالدين ومن أخلّ بشئ مما تقدم فــقـــد ضيّع

من دينه بقدر ما ترك .

فــأيــن النصيحة مـمــن تهاون بحقوق ربــه

فضيعها ، وعلى محارمه فتجرأ عليها ؟

وأيـن النصيحة ممـن قدّم قــول غيـر الرسول

على قوله ، وآثر طاعة المخلوق على طاعة

الله ورسوله ؟

وأين النصيحة من أهل الخيانات والغش فـي

المعاملات ؟

وأيــن النـصـيــحــة ممــن يحبــون أن تشيع

الفاحشة فــي الـذيـن آمنوا ، ومــن يتبعون

عورات المسلمين وعثراتهم ؟

أين النصيحة من أهل المكر والخداع ؟

وأيـــن النصيحة ممــن يسـعــى فــي تفــريق

المسلميـن وإلقاء العداوة والبغضاء بينهـم ؟

وأين النصيحة ممـن يتعـلـقـون عـنــد اللقاء

بالمدح والثناء ، ويقـولون خـلاف ذلك فــي

الغيبة عند الأعداء وعند الأصدقاء ؟

وأيــن النـصـيـحــة مـمــن لا يحتـرم أعراض

المسلمين ولا يرقب فيهم إلا ولا ذمّة ؟

وأين النصـيحـة مـن المتكبرين عـلـى الحــق

والمتكبرين عـلى الخلق ،المعجبين بأنفسهم

المحتقرين لغيرهم ؟

فهؤلاء كلهم عن النصيحة بمعزل ، ومنزلهم

فيها أبعد منزل ، وكل هؤلاء قد اختل إيمانهم

واستحقوا العقوبات المتنوعة ، وحرموا مـن

الخير الــذي رتب عـلى النصح ، حرموا مـن

الأخلاق الفاضلة وابتلوا بالأخلاق السافلة .

أولئك هم الخاسرون .

طــوبـــى للناصحين !

حقيقة ما أعظم توفيقهم وما أهدى طريقهم !

لا تجــد الناصح إلا مشتغلا بفـــرض يؤديه ،

وفي جهاد نفسه عن محارم ربــه ونواهيه ،

وفـي دعـوة غيره إلــى سبيـل ربـه بالحكمة

والموعظة الحسنة ، وفـي التخلق بالأخلاق

الجميلة ، والآداب المستحسنة !

إن رأى مــن أخيه خيرا أذاعه ونشره ، وإن

اطّلع منه على عيب كتمه وستره !

إن عاملته وجــدتــه ناصحــا صـدوقـا ، وإن

صاحبته رأيتـه قائـمـا بحقوق الصحبة عــلى

التمام ، مأمونا في السر والعلانية ، مبــاركا

على الجليس كحامل المسك : إما أن يحذيك،

أو تجد منه رائحة طيبة .

إذا وجــدت الناصح فـاغـتـنــم صحبته ، وإذا

تشابهت عليـك المسالك فاستعن بمشاورته ،

جاهد نفسك على التخلق بخلق النصح ، تجد

حلاوة الإيمان ، وتـكــن من أولياء الرحمــن

أهل البر والإحسان ، لو اطلعت علــى ضمير

الناصح لوجدته ممتلئا نورا وأمنـا ، ورحمة

وشفقة ، ولو شاهدت أفكاره لرأيتها تـــدور

حول مصالح المسلمين ، مجملة ومفصّلة ،

ولو تأمّلت أعماله وأقواله ، لرأيتها كلـــها

صريحة متفقة .

أولئك السادة الأخيار وأولئك الصفوة الأبرار.

لقد نالــوا الخيــر الكثيـر ، بالنيات الصالحة

والعمل اليسير .

الرياض الناضرة والحدائق النيرة الزاهرة فـي العقائد

والفنون المتنوعة الفاخرة للشيخ عبدالرحمن السعدي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لاكي
طرح نورانى قيّم … يشير إليه قوله سبحانه:-

{وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } آل عمران104
{كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ }
آل عمران
{يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَـئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ } آل عمران114
{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } التوبة71
{التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ } التوبة112
{الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ } الحج41
{يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ } لقمان17
لاكي

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ،
جزاكما الله خيرا ً ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.